انتقد رئيس أكبر بنك تنموي في إفريقيا، ممارسات شركات أجنبية -لم يحددها- في القارة السمراء، معتبراً أنها تمارس نوعاً جديداً من "الاستيلاء" على الموارد الإفريقية والإجحاف لحقوق مواطني القارة، لافتا إلى أنها تُقدر الثروات الطبيعية الإفريقية بأثمان بخسة، فيما تدفع في مقابل "احتجاز الكربون" في القارة، قيماً تدعو للسخرية والحسرة إذ لا تسدد سوى 3 يوروهات لطن الكربون المحتجز في إفريقيا، بينما تدفع مقابله في أوروبا أزيد من 200 يورو.
وقال رئيس "بنك التنمية الإفريقي" (إيه إف دي بي) أكينومي أديسينا - في تصريحات لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية - "اعتدنا أن نرى استيلاءً على الأراضي (داخل القارة الإفريقية). والآن لدينا استيلاءات على الكربون"، في إشارة منه إلى الأسعار المجحفة والمثيرة للغثيان التي تسددها الشركات الأجنبية لأرصدة احتجاز الكربون في القارة.
وتابع إن "كلفة الحصول على تراخيص في أوروبا قد تصل إلى أعلى من 200 يورو للطن، وإما فيمكنك الذهاب إلى إفريقيا للحصول عليها بسعر 3 يورو؛ فالدول (الأفريقية) تفقد مساحات شاسعة من الغابات، والأراضي مقابل أُطلق عليه (استيلاء على الكربون)".
ولم يسم أديسينا، الذي سيغادر منصبه في سبتمبر المقبل بعد 10 سنوات أمضاها رئيساً للبنك، شركات بعينها. لكنه ألمح إلى أن هناك العديد من الشركات، التي تتداول أرصدة الكربون الأفريقي، تتجنب تماماً التعاطي مع قضية التصحر وإزالة الغابات، فعلى سبيل المثال، لم تحظ برامج "مواقد الطهي" بالتشجيع الكافي كوسيلة لتقليل الانبعاثات الكربونية، عبر تمكين المستهلكين من استخدامها لإعداد الوجبات بدلاً من استخدام الحطب وأخشاب الغابات. وقد جرى التشكيك في مدى جدوى ومصداقية تلك البرامج، ما أدى إلى هبوط أسعار أرصدة الكربون في القارة.
وتظهر بيانات شبكة "إم إس سي آي" لأسواق الكربون، المتخصصة في تزويد المعلومات والتحليلات لقطاع عريض من المهتمين، أن متوسط سعر رصيد ائتمان طن ثاني أكسيد الكربون بلغ 4.8 دولار في العام الماضي، منخفضاً عن العام الذي سبقه حين سجل 6 دولارات، مع تقديم علاوة للمشروعات التي تعمل على إزالة غازات الدفيئة من الغلاف الجوي. ويدعي بعض مطوري تخزين الكربون الغربيين أنهم يخزنون الغازات المنبعثة تحت الأرض على نحو شبه دائم، وتصدر مقابل ذلك أرصدة إئتمانية أكثر كلفة.
من جانبه، قال رئيس هيئة تنمية الغابات في ليبيريا، رودلف ميراب، الذي كان أحد بارونات تجارة الأخشاب - في تصريحات لـ"فاينانشيال تايمز" - "لم نر أي سنت من الكربون الذي يتم امتصاصه عبر الغابات"، واشتكى من أنه أُعطي دولاراً واحداً مقابل الطن من ثاني أكسيد الكربون المحتجز في غابات دولة غرب أفريقيا.
وعاد أديسينا الحديث للصحيفة؛ قائلاً إنه لابد لأفريقيا أن تُعدل من الطريقة التي تحتسب بها الناتج المحلي الإجمالي بأن تأخذ بمزيد من الاعتبار رأس المال الطبيعي، مؤكداً أنه إذا أحسن قياسه، فإنه سيتيح للبلدان الأفريقية القدرة على الاقتراض أكثر بمعدلات فائدة معقولة.
وتابع "لدينا نفط، وغاز، وخامات، ومعادن. لدينا تنوع بيولوجي، لدينا كربون، نتمتع بكل هذا الأشياء الحيوية لتنمية أفريقيا. وتقدر كل تلك الثروات بتريليونات الدولارات، لكن أياً منها لا تؤخذ في الحسبان فعلياً عند احتساب الناتج المجلي الإجمالي لأفريقيا."
وشدد رئيس البنك التنموي للقارة على أن أفريقيا بحاجة أيضاً إلى الاستغلال الكامل لمواردها الهيدروكربونية، ولا بد لها أن تتخلى عن "الأيديولوجية" في مسألة الطاقة المتجددة، لافتاً إلى أن من سيخلفه في المنصب عليه أن يقرر ما إذا كان سيخفف من المعايير الاستثمارية السائدة حالياً في البنك، والتي تمنعه من تمويل اكتشافات النفط والغاز.
وقال أديسينا "لا يمكن لأفريقيا أن تقبع على موارد هائلة في باطنها [وتبقى] وهي فقيرة." وأضاف "بالنسبة لي، الأمر ليس قابل للتفاوض. فإفريقيا ليس لديها امدادات كهرباء كافية، في حين لا يسمح لها استخدام ثرواتها من الغاز الطبيعي"، في إشارة إلى القيود المالية التي تفرضها البنوك والمؤسسات الدولية والعالمية على مشروعات الغاز.
وأفاد أديسينا - الذي كان يتحدث لـ"فاينانشيال تايمز"، قبل يوم من إطلاق الرئيس دونالد ترامب العنان لحرب الرسوم الجمركية - بأن القارة لابد أن تتكيف مع عالم منقسم تجارياً ولا يقدم مساعدات كافية، وذلك من خلال تطبيق معايير تمويل أكثر كفاءة.. وقال إنه لا يعتقد أن أفريقيا تتعرض "لهجوم من حكومة الولايات المتحدة"، لكنه أضاف أن القارة عليها أن تتبنى استراتيجيات جديدة.
وأضاف "أنك لا تسيطر على ما يحدث، لكن يتعين عليك بالتأكيد أن تسيطر على رد الفعل. فالأمر كأن طياراً يحلق بطائرته وسط مصاعب جوية. لا تطير أثناء الصعوبات، بل ينبغي عليك أن تتجاوزها. لدى البنك التنموي الأفريقي قدرة على الوصول إلى رؤوس أموال تزيد على 300 مليار دولار، كأموال متاحة للضخ في مشروعات بنية تحتية أساسية، وطاقة، وزراعة، وغيرها من المشروعات.
واختتم رئيس بنك التنمية الأفريقية تصريحاته لـ"فايناشيال تايمز"، قائلاً إن القارة عليها أن تجتذب المزيد من رؤوس الأموال، وإنه سيواصل الدفاع عن ضرورة إجراء تغيرات هيكلية في المنظومة المالية الدولية التي يرى أنها "تغالي في تقدير المخاطر الأفريقية"، معربا عن دعمه لمقترح إنشاء وكالة تقييم أفريقية لتقدم "حجة مضادة" لما تقدمه وكالات التقييم الدولية مثل "موودي" و"ستاندرد أند بورز"، و"فيتش"، التي اعتبر أنها "تفتقر لمنهجية العمل السليمة أو للتقييم السليم لجوانب الخطر في أفريقيا".