منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب الرئيس الأمريكي في يناير 2025، شهدت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين توترا ملحوظا، ففي 2 أبريل الماضي، أعلنت إدارة ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 50% على الواردات الصينية، ما رفع إجمالي الرسوم إلى 104% على بعض المنتجات قبل أن يرفعها ترامب إلى 125%.
تهديد الولايات المتحدة للاقتصاد الصيني
واليوم 9 أبريل، تدخل الرسوم الجمركية التي فرضها دونالد ترامب بقيمة 50%، الإثنين الماضي، حيز التنفيذ، وذلك عقب تلويح الصين ممثلة في وزارة التجارة، أنها سوف تحارب الرسوم الأمريكية حتى النهاية، واعتبرتها ابتزازا واضحا لها، وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أنها ستتخذ إجراءات مضادة لحماية حقوقها ومصالحها.
وردا على ذلك، أعلنت الصين في 4 أبريل 2025، فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على منتجات الولايات المتحدة، وسوف يدخل حيز التنفيذ غدا الخميس 10 أبريل، وذلك سيكون على نوعيات محددة من المنتجات الأرضية النادرة والتي منها "الغادولينوم والإتريوم" المستخدمان في صناعة المنتجات الإلكترونية.
وفي 7 أبريل، هدد ترامب بفرض تعريفات إضافية بنسبة 50% على الصين إذا لم تتراجع عن تعريفاتها الانتقامية، ومع عدم استجابة الصين لهذا التهديد، فرضت الولايات المتحدة اليوم تعريفات جمركية بنسبة 104% على جميع الواردات الصينية .
يأتي هذا وبالإضافة إلى إعلان الحكومة الصينية اليوم، الأربعاء زيادة هذه الرسوم إلى 84%، مع إدراج 12 شركة أمريكية في قائمتها للرقابة على الصادرات.
تسببت هذه الإجراءات في اضطرابات في الأسواق المالية، حيث شهد مؤشر داو جونز انخفاضًا حادًا بأكثر من 2,200 نقطة، مما أثار مخاوف من ركود اقتصادي محتمل .
كما أطلقت الصين حملة دعائية رقمية تسخر فيها من الولايات المتحدة، مستخدمة وسائل إعلام منشأة بالذكاء الاصطناعي لتصوير الأمريكيين وهم يعانون من صعوبات اقتصادية .
أحمد معطي: خطر الإغراق يضعف موقف الصين ويمنعها من مواجهة أمريكا على المدى القريب
قال أحمد معطي، الخبير الاقتصادي، إن الصين قد اتخذت عدد من القرارات كرد فعل على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة، وكان أولها: حرب العملات، وهي البدء في تخفيض قوة العملة الصينية المحلية إلى 20% من قيمتها، وذلك منذ حوالي 3 أيام، لأجل تقليل نسبة الرسوم التي فرضها ترامب والتي تقدر بنحو 104%، وذلك ينعكس بلا شك على إعطاء نسبة فائدة كبيرة لمنتجاتها المختلفة.
وأضاف معطي، في تصريح لبوابة "دار الهلال" أن الصين تمتلك منذ سلاح العملة، مثلما يمتلك ترامب سلاح التجارة، وأيضا بدأت الحكومة الصينية في دعم اقتصادها الوطني عبر صناديق الاستثمار، وهذا ما حدث اليوم في البورصة الصينية دون غيرها من البورصات العالمية، فضلا عن فرضها 84% من الرسوم الجمركية أمس، والتي دخلت حيز التنفيذ اليوم.
وواصل: نتيجة أن الصين تمتلك أكبر عدد من السندات الأمريكية في العالم، والتي تعد من أهم وسائل الضغط الاقتصادي على الولايات المتحدة، فبدأت في بيعها، ما يؤدي قطعا إلى زيادة التضخم هناك.
الصين تدخل مرحلة الإغراق
واختتم حديثه محذرا من أن التحدي الحقيقي أمام الصين يكمن في الفترة القريبة المقبلة، إذ إن الإنتاج الصيني حاليا لا يتم بالقوة المعتادة، وأوضح أن الخطر يتمثل في احتمال حدوث "إغراق" للأسواق، وهو ما أشارت إليه الصين في نقاشها مع الاتحاد الأوروبي، فالسلع التي كانت تصدر إلى الولايات المتحدة لن ترسل إليها مباشرة بعد الآن، بل ستتجه إلى أسواق دول أخرى بأسعار منخفضة للغاية، ما يهدد المنتجات المحلية في تلك البلدان.
واستطرد: الممثل التجاري لمصر في الصين، قد تحدث عن أن هناك شركات صينية قادمة في الفترة المقبلة لأجل فتح مجموعة من الاستثمارات المتعددة، مع الشركات الفيتنامية.
وأضاف أن انخفاض قيمة العملة الصينية يزيد من حدة الأزمة، وهو ما قد يؤدي إلى إرباك اقتصادي عالمي شامل بسبب تنوع وانتشار المنتجات الصينية، وفي هذا المشهد، قد تشتعل مواجهة اقتصادية بين الصين وتلك الدول المتضررة، ويبقى السؤال: هل ستتمكن الصين من الوصول إلى تفاهمات عبر التفاوض مع هذه الأطراف؟.
خبير اقتصادي: الحرب التجارية بين أمريكا والصين تؤدي إلى زيادة التضخم.. ومصر قادرة على استثمار الأزمة لصالحها
ومن ناحيته، قال محمد عبد الهادي، الخبير الاقتصادي، إن تلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كانت قائمة منذ ولاية ترامب الأولى، وخلالها كانت أعين ترامب موجهة دائما على الصين، لأنها صاحبة تعد أحد أقوى الدول اقتصاديا في العالم، وكان سعيه الدائم على فرض رسوم جمركية كبيرة، ليس فقط على الصين ولكن على جميع الدول في العالم، ولكن بالأخص الصين لأنها أكثرهم تصديرا للمنتجات المختلفة للولايات المتحدة.
الدولار بلا غطاء أمام الاقتصادي الصيني
وأضاف عبد الهادي، في تصريح لبوابة "دار الهلال" أنه في الفترة الأخيرة من "2020 – 2025" زادت المنتجات الصينية المصدرة إلى العالم والولايات المتحدة، مما انعكس سلبا على الاقتصادي الأمريكي، وذلك نتيجة حدوث عجز كبير في الميزانية الأمريكية، فأصبح الدولار بلا غطاء، لذلك اتجه ترامب مباشرة إلى معالجة هذا العجز، ونتيجة تأثير الاقتصاد الصيني الكبير على العالم.
وأردف: هذه القرارات الاقتصادية على الصين سوف تؤدي بلا شك إلى التأثير على جميع الاقتصاديات في العالم، وهذا يجزم بدخول العالم إلى فترة من التضخم يعقبها ارتفاع في أسعار السلع والأسعار، وانخفاض أسعار النفط، فضلا عن توقف حركة التجارة العالمية إذا استمر ترامب في اتباع هذه السياسات العالمية.
استثمار الأزمة الصينية
وأشار عبد الهادي في حديثه إلى أن الصين تخطط حاليا في البحث عن بدائل خارجية والتي سوف يكون منها بناء المصانع المختلفة في شتى بلدان العالم، لأجل تصنيع المنتجات المختلفة، مع سحب المصانع المتواجدة في الولايات المتحدة.
واختتم حديثه: يجب علينا الاستفادة من هذه الأزمة الطاحنة بين الصين والولايات المتحدة، وذلك عبر زيادة الاستثمار الصيني في مصر، عبر تخفيض الجمارك والرسوم المختلفة، فضلا عن تفعيل الرخصة الذهبية، مع تيسير الإنشاءات، لذا، فالخاسر الوحيد من هذه الأزمة هي الولايات المتحدة، لذلك من المتوقع في اجتماع الكونجرس القادم، أن يعدل هذه الرسوم التي فرضها ترامب، لأجل احتواء مواجات الغضب المتوجهة في الشارع الأمريكي، ردا على قراراته الاقتصادية.
مصطفى بدرة: انخفاض العملات والنفط ثمن معركة ترامب الاقتصادية
قال مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، أن كل رئيس أمريكي يتبنى أسلوبا مختلفا في التعامل مع العالم، مشيرا إلى أن ترامب، قد أعلن في أحد لقاءاته التلفزيونية، أن سياسته الاقتصادية ستكون مغايرة تماما عن من سبقوه، وأكد أيضا أولوية مصلحة الاقتصاد الأمريكي، فضلا عن أن ترامب بدأ بالفعل بفرض رسوم جمركية كبيرة على العديد من دول العالم، وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي والصين، بالإضافة إلى فيتنام وكندا.
وأضاف بدرة، في تصريح لبوابة "دار الهلال" أن الصين صباح اليوم، كان لها رد فعل على الرسوم التي أقرها ترامب في الفترة الأخيرة، بفرضها رسوم تجارية على الولايات المتحدة، مع رسوم جمركية قدرها 84%.
تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي
وواصل: هذه الرسوم التي فرضها ترامب، أثرت على الاقتصاد العالمي بشكل كبير، مما أدى إلى خسائر بمليارات الدولارات، مع انخفاض أسعار النفط، فقدرت أسعار البرميل الواحد حوالي 60 دولار، مع انخفاض قيمة العديد من العملات حول العالم، ومنهم الجنية المصري، وكان أكثر الدول تضررا من هذه التداعيات، هي كندا وفيتنام والصين مع الاتحاد الأوربي.
خبير اقتصادي: انتصار الصين على الولايات المتحدة مؤكد ولكن على المدى البعيد
وفي هذا السياق، أفاد الدكتور محمد الشوادفي، الخبير الاقتصادي، بأن صراع ترامب ليس مع دولة الصين، بل في المكاسب المالية لمنظومة التجارة العالمية، طيلة الـ 40 سنة الماضية، فالضربة الاقتصادية هي لتقويض الدول التي استطاعت في الأربعين سنة الماضية، الحصول على أعلى معدلات النمو الاقتصادي والتجاري، والتي على رأسها الصين.
وأضاف الشوادفي، في تصريح لبوابة "دار الهلال" أن الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين في الفترة الأخيرة، لن تسطيع أن توقف الصين عن نموها المستقبلي، على الرغم من التأثير على المدى القريب على الاقتصاد الصيني، ولكن لن يستطيع في النهاية أن يؤثر على معدلات الانتاج في الصين، لأن الصين قادرة على التكيف مع الضربات المختلفة بفضل تنوع منتجاتها ومعدلات نموها العالمية خاصة في الفترة الأخيرة.
واستطرد أن الصين في الفترة الأخيرة، استطاعت أن تبني عدة تكتلات اقتصادية مهددة للاقتصاد الأمريكي والاتحاد الأوروبي، وكان أشهرها: البريكس، فأصبحت قادرة على مواجهة الولايات المتحدة اقتصاديا وبالتالي سياسيا.
واختتم حديثه، بأن من أهم النتائج المتوقعة لهذه الأزمة الاقتصادية، أن يحدث تكتلات اقتصادية كبرى إقليمية لمواجهة التحديات الأمريكية، فيمكن أن تلجأ الصين إلى الدف الروسي والاتحاد الأوروبي لإيجاد تكتلات تجارية فيما بينهم، فنتيجة لذلك ستنتصر الصين بلا شك على الهيمنة الأمريكية ولكن على المدى البعيد.