السبت 18 مايو 2024

بالصور.. زينات صدقي.. باعت أثاث بيتها لتأكل وأنقذها "عبد الناصر" من الفقر

4-3-2017 | 20:59

تسعة وثلاثون عاماً مرت على رحيل أيقونة الكوميديا في السينما المصرية الفنانة زينات صدقي التي أسعدت الجماهير بروائع أدوارها، طوال رحلة فنية ثرية وهامة في تاريخ السينما المصرية.

بدأت زينب محمد سعد، وهو الاسم الحقيقي لها، حياتها الفنية كمغنية في الأفراح بالإسكندرية مع صديقتها خيرية صدقي التي طلبت منها أن تغير اسمها إلى زينب صدقي حتى لا يعرف عمها أو أي من أفراد عائلتها أنها تعمل في الأفراح، وذلك بعد أن انفصلت عن زوجها بعد 11 عاماً لم تنجب فيها وسادها عدم التفاهم مع زوجها الذي كان يمنعها من الخروج أو زيارة والدها.

لم تجد "زينات" ما تقتات به فقررت أن تغني في الأفراح بموافقة والدتها التي كانت تذهب معها، وذلك بعد أن أخفى عنها عمها نصيب والدها في تجارته، إلى أن رآها نجيب الريحاني وطلب منها أن تعمل في فرقته وغيَّر اسمها إلى زينات منعاً للخلط بينها وبين الفنانة زينب صدقي .

ورغم أن زينات صدقي اشتهرت بدور "السنيد" أو نجمة الصف الثاني في معظم أعمالها السينمائية، إلا أنها تغلبت بأدائها على نجم العمل نفسه، مثل دورها في فيلم "ابن حميدو"، الذي كانت البطولة فيه لإسماعيل ياسين وأحمد رمزي وهند رستم ، ولكن لو أعدت شريط الفيلم أمام عينيك ستجد أنها أكثر حضوراً وتأثيراً من أحمد رمزي وهند رستم رغم أنهما أبطال الفيلم ، وأيضاً دورها في فيلم "شارع الحب"، فقد وصلت في هذا الفيلم لقمة تفوقها، حيث تتذكر جيداً دور "سنية ترتر" الذي طغى على دور البطلين عبد الحليم حافظ وصباح، ورغم أنها في هذا الفيلم كانت ضمن لفيف من نجوم الكوميديا مثل عبد المنعم إبراهيم وحسن فايق وأحمد الحداد ومحمد يوسف ورياض القصبجي إلا أنها تبارت مع عبد السلام النابلسي في سحب البساط من تحت أقدام أبطال الفيلم .

ظهرت زينات صدقي في أول فيلم سينمائي لها وهو فيلم وراء الستار عام 1937 مع عبد الغنى السيد ورجاء عبده وفي العام التالي اشتركت في ثلاثة أفلام وهي "بحبح باشا" و"شئ من لا شئ" و"ساعة التنفيذ"، لتنطلق بعد ذلك مسيرتها السينمائية، فقد بدت وكأنها تشبه ملح الأفلام، فلا يوجد فيلم يخلو من زينات صدقي، وكان المنتجون والمخرجون يسعون دائماً لإضفاء البهجة في أفلامهم طوال 38 عاماً هي عمر زينات السينمائي وكان نجوم الفن يتسابقون للعمل معها وليست هي التي تسعى لذلك.

وقد امتازت أدوارها بخفة الدم مثل بنت البلد الأصيلة أو الفتاة العانس أو الجارة طيبة القلب سليطة اللسان، ورغم أنها التحقت بمعهد التمثيل في الإسكندرية، إلا أنها لم تكن تحفظ أدوارها أبداً ، فقط كانت تقرأ دورها في السيناريو جيداً وأمام الكاميرا تنسى زينات وتعيش الدور نفسه، وتؤدي الدور  ليس كما كتبه المؤلف أو حسب إرادة المخرج بل حسب تقمصها للشخصية في الفيلم، فنجدها ترتجل جُملاً ليست في السيناريو ولكنها في صميم دورها، لذا كان المخرجون يطلقون لها العنان في الآداء لأنهم يعرفون أنها ستضيف ما لم يكتب في السيناريو .

بلغ إجمالي الأفلام التي شاركت قرابة الـ 160 فيلماً، وشهدت فترة منتصف الأربعينيات بداية مجدها الفني حيث مثلت عام 1945 ستة أفلام وهي: أحلاهم وشهر العسل وبين نارين وكازينو اللطافة وجمال ودلال وقصة غرام، وفي عام 1948 مثلت 5 أفلام وفي عام 1949 مثلت 9 أفلام وهي: عقبال البكاري وغزل البنات وأحبك أنت وشارع البهلوان وهدى وليلة العيد وأسير العيون والمجنونة وعفريتة هانم"، وفي عام 1950 مثلت عشرة أفلام أشهرها "المليونير" و"بلدي" و"خفة"، وفي عام 1954 تصل زينات لذروة مجدها السينمائي حيث شاركت في 21 فيلماً في نفس العام أشهرها أفلام تاكسي الغرام وبنات حواء و4 بنات ضابط وعفريتة إسماعيل ياسين والآنسة حنفي، وفي عام 1956 مثلت فقط 7 أفلام أشهرها حبيب حياتي وإسماعيل يس طرزان وشارع الحب وإسماعيل يس في مستشفى المجانين، ومن ذلك العام بدأت في العد التنازلي حتى اختتمت مسيرتها الفنية بفيلم "بنت إسمها محمود" عام 1975 حيث لم تمثل قبل هذا التاريخ بأربع سنوات أي فيلم.

وقبل تلك الفترة قل الطلب عليها ولم يعد أي من صناع السينما يطلبها في أي عمل ، أي لم يعد لديها دخلاً وما زاد مأساتها هو تذكر الضرائب لها، فبدأت تحاسبها عن سنوات عملها الماضية وتطالب زينات بالسداد ، فما كان عليها إلا أن تبيع ما جمعته طوال حياتها من تحف وأثاث ثمين لكي تسدد الضرائب، وهذا أيضاً ما أوقعها في ضائقة مالية .. إلى أن كتب عنها جليل البنداري مقالاً مطولاً يصف حالتها وما آلت إليه وكيف أهملها المخرجون حتى تضطر لبيع أثاث بيتها .

قرأ الرئيس جمال عبد الناصر مقال جليل البندارى واتصل على الفور بوزير الثقافة والإرشاد ثروت عكاشة الذي وعد ناصر بسرعة التصرف وقال له: اتصرف يا ثروت، ماينفعش فنانة عظيمة زي دي تتبهدل كده.. وفي لمحة ذكية من الزعيم ناصر قرر تكريمها في عيد العلم في 21 ديسمبر 1966 ومنحها شهادة تقدير عن مجمل أعمالها ومبلغ ألف جنيه.

ولم يكن هدف ناصر فقط هو تكريم فنانة لها تاريخ ، بل ليعيد إليها الأضواء ويلفت إليها نظر المنتجون والمخرجون مرة أخرى، وبالفعل بعد خمسة أيام بدأت العمل في فيلم رجل وإمرأتان ومثلت عام 1967 فيلم معبودة الجماهير وفي عام 1968 فيلم أشجع رجل في العالم ثم فيلم السراب عام 1970 وبعد هذا الفيلم عادت لحياة العزلة إلى أن مثلت دوراً صغيراً كخادمة عام 1975 وقد شاهد الرئيس السادات الفيلم وكان أمامه قائمة بأسماء من سيتم تكريمهم في عيد العلم عام 1976 ولم تكن زينات صدقي ضمن القائمة، فأعطى الرئيس السادات تعليماته لرشاد رشدي أن يضع اسم زينات مع أول المكرمين وهم تحية كاريوكا ونجوى سالم وطلب منه أن يتصل بنفسه بها ليبلغها خبر تكريم السادات لها في عيد العلم.

وفي الحفل عادت لها روحها وهي ترى تصفيق الحاضرين وقام الرئيس السادات ليستقبلها بنفسه على مسرح التكريم ومنحها شهادة تكريم مع معاش استثنائي طوال حياتها، وما زاد سعادتها بعد ذلك أن تلقت دعوة من الرئيس السادات لحضور زفاف إبنته على نجل عثمان أحمد عثمان ، وفي الحفل أعطاها السادات رقم تليفونه الخاص ليلبي لها أي طلب تطلبه وبشرها بأنها ستكون ضمن بعثة الحج في الموسم القادم .

لم تستفد زينات من اللمحة الكريمة من الرئيس السادات بالمعاش إلا ثلاثة أشهر وبعدها أصيبت بالمرض وطلب منها أفراد العائلة أن تتصل بالرئيس كي تطلب منه علاجاً على نفقة الدولة ، لكنها رفضت لعزة نفسها وأوصتهم بعدم الاتصال بالرئيس .. فقد كانت تشعر أنها النهاية .. وبالفعل رحلت زينات صدقي بعد أسبوع .. وقبل أن ترحل أوصتهم ألا يبكي عليها أحد وأن تظل البسمة على وجوههم كما كانت هي بينهم.

 

    الاكثر قراءة