السبت 12 ابريل 2025

مقالات

الشنب

  • 10-4-2025 | 14:06
طباعة

في عالم السينما، يستخدم المخرج أدوات كثيرة لرسم ملامح الشخصية مكياج، إضاءة، ديكور، ملابس، صوت، وحتى طريقة المشي، و لكن في فيلم "التوت والنبوت"  تسلل عنصر عبقري  وسط كل هذة الإبداعات وربما الافتكاسات وقرر يخطف الكاميرا لنفسه وهو "الشنب"، " أيوه حضرتك الشنب وأنا واع لما أقول.. وده مش أي شنب.. ده شنب  مرسوم بريشة فنان، شنب بيحكي حكايات، شنب ممكن يصنع حبكة درامية خاصة"!

الشارب تلك الشعيرات التي تسكن أعلى الشفة وتبدو للوهلة الأولى مجرد زينة تقليدية، لكنها في كثير من الأحيان تلعب دورًا دراميًا لا يقل أهمية عن الحوار أو الأداء التمثيلي، تفصيله بسيطة ربما يقترحها المخرج أو الماكيير أو حتى تكون من ابتكار الممثل نفسه.

والغريب أنني تأكدت  بالفعل أن لكل طبقة اجتماعية شارب يميزها أظهرها فيلم "التوت والنبوت" فقد  وجدنا الفنان القدير محمود الجندي في بداية الفيلم وكان يؤدي دور "العربجي" بشارب خفيف، أشبه بمحاولة أولى للنضج، وكأن الشعرات القليلة أسفل أنفه لا تزال تخطو خطواتها الأولى نحو الرجولة في سن المراهقة.

ولكن بعد عودة شقيقه، الذي قام ببيع العربة وهرب وتم اتهامه بالسرقة وتم إذلال عائلته، عاد ليرد كبرياء أسرته ورفع العائلة إلى طبقة اجتماعية أعلى، ظهر الجندي بشارب كثيف داكن نما فجأة كما لو كان يسكن في صوبة زراعية، شارب لم يخلق لينمو طبيعيًا، بل صمم ليرمز لتحول داخلي مفاجئ.

أما سمير صبري فعندما كان يعمل في البار، كان له شاربًا يفترض أنه كوميدي، لكنه في الحقيقة يعكس بذكاء طبيعة المهنة خليط من الجاذبية، المرونة، وربما القليل من الخداع، شارب يبدو للعين زينة، لكنه يحمل رسالة ضمنية تقول "أنا صاحب مشروعات ليلية"، ليس ذلك فقط بل ظهر طوال أحداث العمل بأربع أنواع مختلفة من الشوارب لكل منهم حكاية مختلفة.

حتى شارب اليد اليمنى للفتوة كان له طابعه الخاص كثيف ولكن رفيع، كأنه شارب يعرف حدوده، ويؤدي وظيفته في صمت، بينما شارب الفتوة نفسه كان كثيفًا ممتدًا و ثابتًا، يرهب قبل أن ينطق، ويعلن سلطته حتى في غيابه.

مثل هذه التفاصيل ليست مجرد اختيارات شكلية، بل جزء من تراث سينمائي اهتم دوما بالجزئيات الصغيرة التي تكمل ملامح الشخصية، كان الشارب آنذاك بمثابة توقيع، لا يترك للصدفة.

ولا يمكن الحديث عن الشارب دون الإشارة إلى "الكبير" شخصية أحمد مكي، والذي استحق شاربه أن يدرس في كليات الدراما، أو تمنح له براءة اختراع، لأنه شارب لا يمثل فقط،  بل جعلنا جميعا نعيش مع الشخصية، وننمو معها، وتحول مكي لبطل منفصل بحياة ومزاج ومواسم خاص.

في النهاية، قد يعتقد البعض أن الحديث عن الشارب ترف بصري، لكن الحقيقة أن شوارب السينما المصرية، عبر عقودها الذهبية، كانت خطا دراميًا موازي يرسم بالشعرة، ويفهم بالبصيرة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة