الأحد 13 ابريل 2025

ثقافة

ختام الملتقى الثالث لأطلس المأثورات الشعبية بتوصيات لصون التراث وتعزيز الهوية الثقافية

  • 10-4-2025 | 23:25

جانب من الفعاليات

طباعة
  • بيمن خليل

شهدت مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك، اليوم الخميس، ختام فعاليات الملتقى الثالث لأطلس المأثورات الشعبية بعنوان "سوهاج.. الهوية والاستدامة"، والذي أقيم برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، ونظمته الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، في الفترة من 8 إلى 10 أبريل الحالي، ونفذ بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة.

بدأ اليوم الختامي بجلسة أدارها الدكتور رمضان سيف الدين الباحث بإدارة أطلس المأثورات الشعبية، وقدم الدكتور حسام محسب أولى الأوراق البحثية حول "تحويل الألعاب الإلكترونية إلى أدوات تعليمية وثقافية تحمل القيم الأخلاقية"، مؤكدا أهمية إعادة تشكيل هذه الألعاب لتتوافق مع ثقافة المجتمع، وتقديمها للأطفال بشكل شيق وتعليمي.

وواصل الدكتور سامح شوقي النقاش، متحدثا عن التطور السريع للألعاب الإلكترونية التي تتضمن مضامين قد لا تتوافق مع قيم مجتمعاتنا، متناولا في ورقته أهمية الألعاب الشعبية التي توارثتها الأجيال ودورها في تعزيز الألفة الاجتماعية والصحة النفسية والبدنية، وتنمية المهارات الذهنية، كما عرض تاريخ الألعاب الإلكترونية من بداياتها مع الرادار إلى سيطرة مايكروسوفت على السوق العالمي بنسبة 60٪، محذرا من سلبياتها مثل العزلة، والتأثير على التحصيل الدراسي، ومخالفة القيم، وأوصت دراسته بدمج الألعاب الشعبية في المناهج، وتطويرها إلكترونيا.

ثم قدم الدكتور مصطفى قنديل دراسة بحثية بعنوان "الممارسات الاجتماعية والمناسبات الاحتفالية المرتبطة بالمرماح في صعيد مصر"، تتبع فيها جذور هذه اللعبة الشعبية إلى محافظتي قنا وسوهاج، وعرض مخطوطة نادرة توثق لعادات الفروسية منذ العصر المملوكي.

تناولت الدراسة دور القبائل العربية في تنظيم احتفالات المرماح، وأبرز تقاليدها مثل "الترابيع" و"المشالاة"، كما أشار إلى وجود ألعاب شبيهة في دول عربية مثل الجزائر والمغرب. ودعت الدراسة إلى توثيق أسماء الفرسان المميزين، وتسجيل المرماح ضمن القائمة التمثيلية للتراث في اليونسكو.

تجارب حية في حفظ التراث وتفعيله تربويا ومجتمعيا

وفي جلسة لعرض التجارب، أدار الباحث شهاب عماشة الحوار، وشاركت الدكتورة شيم الجايل، المتخصصة في تصميم الأزياء التراثية والتنمية، بورقة حول ربط التراث بالأساليب الحديثة للتسويق، مع التركيز على حرفة "التلي" في سوهاج وأسيوط، حيث قدمت عرضا شاملا حول ربط تسويق التراث بالأساليب الحديثة، وركزت في حديثها على إحياء حرفة "التلي" في مدينتي سوهاج وأسيوط، وأوضحت أن حرفة التلي تعد من الحرف اليدوية التي تحمل رموزا وموتيفات تعبر عن البيئة المحلية، مشيرة إلى أن التلي المصري يختلف في تفاصيله وتقنياته عن نظيره في الدول العربية الأخرى.

وأكدت أن هذه الحرفة التقليدية تلقى اهتماما عالميا، حيث تستخدم بيوت الأزياء العالمية خامات التلي في تصميم أحدث خطوط الموضة، وتحدثت عن الجهود الحثيثة للدولة في تطوير حرفة التلي لتظهر بشكل بارز وثلاثي الأبعاد، حيث يتم تنفيذ التصميمات أولا باستخدام الكرتون، ثم تتم خياطتها باستخدام ماكينات متخصصة.

كما كشفت الجايل عن إعداد 30 اسكتشا تمثل تصميمات عصرية مستوحاة من التلي، تميزت بالألوان الزاهية التي تعكس روح البيئة المصرية، وأشادت بالدور الفعال لمحافظة سوهاج في دعم هذا المشروع، لافتة إلى ما تم إنجازه في تدريب الفتيات على هذه الحرفة لضمان استمراريتها والحفاظ عليها من الاندثار.

وفي مداخلة أشارت الدكتورة حنان موسى، رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، إلى ضرورة توفير فرص لإنتاج منتج تراثي مصري عالي الجودة، يكون قابلا للتصدير وملائما للاستخدام المعاصر، وأكدت على أهمية ربط التراث بالحداثة لإنتاج منتج يحمل هوية ثقافية واضحة، ويمكن تقديمه في الأسواق العالمية بفخر.

ثم جاءت مداخلة الدكتورة أسماء جبر، التي استعرضت تجربتها في نشر الوعي التراثي، من خلال مشروع "إحياء التراث ونشر الوعي الثقافي"، وهو مشروع انطلق عام 2018 بالتعاون مع وزارة الثقافة، ممثلة في رئاسة القطاع الثقافي، وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم.

أكدت د. أسماء أن المشروع جاء لتبسيط مفاهيم التراث وتعريف النشء والشباب بأهميته، من خلال ورش ثقافية عملية تتناول الجوانب المختلفة للتراث الشعبي، مضيفة أن الهدف الأول كان تصدير فكرة أن التراث المصري يحمل في طياته الكثير من مظاهر الجمال، بالإضافة إلى معتقدات شعبية ذات مغزى يمكن توصيلها بأسلوب مبسط بعيدًا عن التعقيد أو التلقين، الذي قد يؤدي إلى نفور الشباب من مكونات هويتهم.

وشددت على أهمية العمل مع فئات عمرية مختلفة، من الأطفال حتى المراهقين، مؤكدة أن ورش العمل التي نظمتها ركزت على تنمية المهارات الإبداعية للنشء، وعملت على تحفيزهم من خلال مسابقات تراثية تم تنظيمها بالتعاون مع إدارة رعاية الموهوبين بوزارة التربية والتعليم، كما اهتمت بتوظيف المسرح كوسيلة فعالة للتعبير عن التراث وإيصاله بشكل جذاب.

كما تناولت أهمية دعم الموهوبين وتأهيلهم للمشاركة في مسابقات أكبر، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام لعبت دورا مهما في تغطية الأنشطة التراثية وإبرازها، ولم تغفل عن أهمية إدماج ذوي الهمم في هذه الجهود، حيث شاركوا في ورش صون التراث والعروض الفنية، مما عزز مبدأ الدمج الثقافي والمجتمعي وأضفى بعدا إنسانيا مميزا على المشروع.

وفي إطار الجهود المستمرة لصون التراث الثقافي المصري وإحيائه، كشف شهاب عماشة، خلال مشاركته بالجلسة، عن مبادرة متكاملة لتأهيل جيل جديد من الباحثين والطلاب الشغوفين بجمع وتوثيق الفلكلور المصري.

وأوضح أن الإدارة قامت بتأهيل مجموعة من الباحثين المتخصصين للعمل في مجال البحث الميداني، مع التركيز على تدريب عدد من الطلاب من مختلف الجامعات، ممن لديهم شغف واهتمام بالجمع الميداني، ولفت إلى أن المشروع يهدف إلى التعامل مع التراث الشعبي المصري من خلال مدخل علمي مبسط يتيح للطلاب الفهم التدريجي لمكونات الفلكلور.

وأشار إلى أن تجربة محافظة سوهاج كانت أكثر نضجا مقارنة بتجربة محافظة الوادي الجديد، حيث تم تكوين فريق متكامل لتخطيط وتنفيذ التدريب النظري داخل الجامعات، قبل الانطلاق إلى المرحلة الميدانية، وتضمنت مراحل التدريب تعريف الطلاب بمفهوم الفلكلور الشعبي وتبسيطه لهم، ثم التعمق في دراسات متخصصة تناولت أقسام العادات والمعتقدات الشعبية، والأدب الشعبي، والثقافة المادية وغير المادية.

وقد أبدى الطلاب تفاعلا كبيرا مع هذه التجربة، مما ساهم في تعزيز فهمهم وإقبالهم على مجال صون التراث، حيث تم إشراكهم بشكل مباشر في تنفيذ المهام الميدانية والتفاعل مع المجتمعات المحلية.

ومن جهته، تحدث الباحث محمد طه عن الجانب العملي للتجربة، موضحا كيفية تدريب الطلاب على أساليب الجمع والتوثيق من خلال دليل شامل يحتوي على مجموعة من الأسئلة المهمة والنماذج المبسطة، لتيسير عملية جمع البيانات والمشاركة في رصد الظواهر الشعبية. كما تم تدريبهم على مهارات الاندماج مع جماعات نقل التراث وأصحاب الحرف التقليدية، لتوثيق الخبرات بشكل حي ومباشر.

وأكد طه أن المشروع لم يقتصر على الشرح النظري، بل شمل تنفيذ برامج تدريبية مكثفة، نقلت الطلاب من المعرفة النظرية إلى التطبيق العملي الميداني، مما رسخ لديهم المهارات المطلوبة للعمل كباحثين محترفين في مجال التراث الشعبي.

وفي ختام العرض، تم التأكيد على أن هذه التجربة كانت ناجحة بكل المقاييس، وأسفرت عن تخريج كوادر متميزة من الباحثين الشباب المؤهلين علميا وعمليا لجمع وتوثيق التراث، وتمثل خطوة مهمة في سبيل بناء قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للتراث الثقافي المصري، والمساهمة في صونه للأجيال القادمة.

كما تحدث الباحث عرفة سبيكة عن بعض المعوقات التي واجهتهم خلال عملية التدريب، مؤكدا على أهمية مراعاة تنوع مصادر المعلومات، وتشجيع الباحثين الجدد على الاستفادة من مختلف البيئات والثقافات المحلية.

كما أشار إلى ضرورة مراعاة توقيت الرحلات الميدانية، خاصة في ظل الظروف المناخية القاسية ودرجات الحرارة المرتفعة التي قد تؤثر على راحة المتدربين وتعوق العمل الميداني، داعيا إلى تهيئة الأجواء المناسبة لضمان استمرارية ونجاح التجربة.

وقد لاقى هذا النموذج من التدريب والتأهيل إشادة كبيرة من المشاركين في الملتقى، كونه يعزز من مفهوم الشراكة بين المؤسسات الثقافية والتعليمية، ويضع لبنة أساسية في طريق صون التراث الشعبي المصري بطريقة علمية مستدامة.

وسلطت جلسة عرض التجارب الضوء على مبادرات نوعية نفذتها المعاهد القومية لإحياء التراث الشعبي، حيث استعرضت منى الحلواني، مدير إدارة المعاهد القومية ومدير إدارة التدريب، تجربة متميزة في تفعيل أنشطة تراثية داخل المؤسسات التعليمية، حملت عنوان "ورش الحكي الشعبي التي أضاءت دروب التراث".

وأكدت الحلواني في كلمتها أهمية صون التراث الشعبي وتنمية الوعي الثقافي لدى الأجيال الناشئة، من خلال دمج الأنشطة التراثية في العملية التعليمية بمراحلها المختلفة، وأوضحت أن هذه الأنشطة شملت ورش الحكي الشعبي، التي استعرضت السير الشعبية، والأمثال، والأكلات، والألعاب التراثية، إلى جانب تنظيم مهرجان للرقصات الشعبية، وتناول موضوعات ذات رمزية في الثقافة المصرية مثل السيرة الهلالية، ومسار رحلة العائلة المقدسة، بالإضافة إلى الحلي والخزف والأشغال اليدوية.

وأضافت أن هذه الأنشطة نفذت على امتداد المراحل التعليمية الثلاث الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، وأسفرت عن نتاجات إبداعية ثرية ومتنوعة عكست مدى تفاعل الطلاب مع التراث الشعبي، وأظهرت قدراتهم على إعادة تقديمه بروح عصرية دون التفريط في أصالته.

وفي ختام كلمتها، وجهت الحلواني الشكر والتقدير إلى إدارة أطلس المأثورات الشعبية على تعاونها المثمر وجهودها الكبيرة في دعم المبادرات التربوية والثقافية، مؤكدة أن هذا التعاون أسهم في تعزيز الوعي بالتراث المصري لدى النشء.

وفي مداخلة أشارت فادية بكير إلى أن إحياء التراث يجب أن ينظر إليه كمشروع قومي استراتيجي، يعزز من شعور الانتماء للوطن ويسهم في تصدير الثقافة المصرية للعالم، وشددت على أن الاعتزاز بالهوية الثقافية هو حجر الأساس في بناء وعي قومي راسخ ومستدام، داعية إلى استمرار مثل هذه الفعاليات والمشروعات التربوية التي تعيد للتراث مكانته في وجدان الأجيال الجديدة.

وفي الختام، وجه يحيى رياض مدير عام مكتبة القاهرة الشكر لوزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة، وإدارة الدراسات والبحوث، وإدارة أطلس المأثورات الشعبية، وكل الفرق البحثية، على إخراج الملتقى بصورة مشرفة.

التوصيات والتكريمات

اختتمت الفعاليات بجلسة تلاوة التوصيات، قدمتها الدكتورة حنان موسى، وجاءت كالتالي:

1. تعزيز التعاون بين الوزارات لتطوير ورش ثقافية وحلقات نقاشية تعنى بالتراث.

2. إحياء حرفة صناعة الحرير في أخميم.

3. توثيق عادات العلبة في جهينة بسوهاج.

4. المشاركة في المعارض الدولية بمنتجات تراثية ذات جودة عالمية.

5. رصد الأماكن السياحية في سوهاج والتعريف بها ووضعها على الخريطة الثقافية.

6. تسهيل حركة النقل للأماكن التراثية مثل مقام الشيخ شيخون.

7. إحياء الألعاب الشعبية ضمن دوري تنفذه الهيئة العامة لقصور الثقافة.

8. تسجيل لعبة "المرماح" ضمن قوائم التراث غير المادي في اليونسكو.

9. إصدار كتاب عن الألعاب الشعبية وتحويلها لألعاب إلكترونية تحمل القيم الإيجابية.

10. تطوير الأزياء الشعبية واستلهام تصميمات جديدة منها.

وقامت د. حنان موسى، ود. شيماء الصعيدي مدير عام أطلس المأثورات الشعبية بتكريم الباحثين الذين شاركوا في أعمال الملتقى، تقديرا لجهودهم البحثية والميدانية، وهم: فاطمة سامي، سعاد شريف، طه إسماعيل، عرفة سبيكة، شهاب عماشة، نهى الكاشف، د. أسماء جبر، شيم الجايل، منى الحلواني، د. سامح شوقي، د. نورهان فوزي، د. أسماء الخولي، د. وائل متولى، ومدير المكتبة يحيى رياض.

نفذ الملتقى من خلال الإدارة العامة لأطلس المأثورات الشعبية المصرية، التابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث، وشارك به نخبة من الباحثين والأكاديميين والمهتمين بالتراث الشعبي، بهدف توثيق وحماية الموروث الثقافي المصري، وصاحبه مجموعة من الورش الفنية والحرفية طوال فترة إقامته.

 

الاكثر قراءة