الأحد 1 يونيو 2025

مقالات

شبابنا.. غراس الأرض الطيبة

  • 16-4-2025 | 12:58
طباعة

تشغلنا جميعًا قضية هذا الجيل الحالي من الشباب، تشغلنا هويتهم المتأرجحة، تؤرقنا ظروف حياتهم التي اختلفت بشدة عن ظروف حياتنا، تعارضت قيمهم المستغربة مع قيمنا، تفاوتت ظروف نشأتهم وتربيتهم عن ظروف نشأتنا وتربيتنا، تربيتنا التي تلقيناها على أيدي أبوين ربما كان أحدهما أميًا لا يعرف القراءة ولا الكتابة؛ بعض الأباء والأمهات في الماضي كانوا لا ينالون من نصيبهم من التعليم ما يكفيهم لأن يقرأوا جيدًا، لكنهم -بكل جدارة- قد نجحوا في احتوائنا، علمونا من رصيد ميراث تربية أبائهم وأجدادهم ما جعلنا نصل لما وصلنا إليه، نحقق آمالهم وأحلامهم. 

 لقد كان حظنا مع كل هذا أوفر من حظ هؤلاء التعساء؛ حين عشنا في عيون وقلوب معلمينا الذين استبسلوا في مراقبتنا والاهتمام بنا ومتابعتنا لتعديل سلوكياتنا أولًا بأول. كلما تابعت حديث هؤلاء الشباب مع بعضهم البعض وأنا أجلس على مقربة منهم في وسائل المواصلات مثلًا، أو في بعض الأماكن العامة، كلما أدركت كم الإهمال التربوي الذي يتعرضون له، يواجهونه، يعيشونه، يتأثرون به، وكلما قرأت كلماتهم المعبرة عنهم على مواقع التواصل الاجتماعي كلما ارتعدت خوفًا عليهم، ألتمس العذر لهم في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى أجدني ألومهم.

إن الصورة الحقيقية للأسرة بمعناها وواقعها، الصورة الصحيحة المتعارف عليها، باتت نادرة، بل شديدة الندرة؛ فالأبوان المشغولان بالعمل خارج المنزل لهم من الأعذار ما يكفيهم وزيادة، لا أنكر جهدهم وتفانيهم الذي أتصوره في بعض الأوقات جهدًا مهدورًا، عطاء كماء نهر عذب يصب في مياه بحر مالح لعله يذهب ملوحته، سيبقى هذا السؤال مطروحًا وستبقى هذه القضية قيد المناقشة، هل سيبقى شبابنا على حاله هذا تائهًا؟ إنه يوشك على الغرق وسط متناقضات لا حد لها، مفتقدًا لرؤية صائبة تمنحه الفرصة للنجاة بنفسه من خطر قادم يهدده بفقدان هويته وانتمائه الثابت لوطنه.

لا أعلم إن كانوا هم الجناة أم أنهم هم من جنت عليهم ظروفهم؟ لا أدري إلى من أوجه لومي، لكني غالبًا ما أميل نحو حدس ينبئني أن ظروف تنشئتهم هى من جنت عليهم، نحن المسئولون عن هؤلاء الذين سيصبحون فيما بعد رجالًا يحمون مستقبل وطن بأكمله، أين التوعية الحقيقية التي يجب أن تطرق أبواب هؤلاء الأهل، أين هذه التوعية التي يجب أن نعمل على إيصالها إليهم؟ نبحث عن طرق تصل بنا إليهم، نأخذ بأيديهم، نساعدهم على التعامل مع أبنائهم بطرق سليمة تمكنهم من تعديل سلوكياتهم.

سيبقى الوضع الغريب يشير إلينا، ينادينا، يتعجلنا، يوجه رسالته المختتمة ببعض من سخط وغضب علينا، أو قد تخفض من حدة حديثها معنا، فترجونا أن نتحرك في الحال وعلى وجه السرعة، تطلب منا أن نتجمع، نطرح رؤانا لإنقاذ شباب أمة عريقة هم -قوامها- رصيدها وذخرها، تحثنا على الوقوف بينهم وبين هلاكهم في طاحونة فقدان الهوية الدائرة بكل طاقتها محاولة جذبهم إليها والقضاء عليهم.

ينبغي علينا أن نساندهم، علينا ألا نتخلى عن جيل سوف نعده يومًا لخدمة هذا الوطن، الوطن الذي سيستدعيه يومًا ما للدفاع عنه، عن حضارته، عن تاريخه وثقافته، ومن قبل ذلك كله مدافعًا عن أرضه التي لم ولن يفرط أهلها في شبر منها أو حتى في حبة رمل واحدة يملكها منذ القدم، علينا نغرس في نفوسهم نبتة حب الوطن والانتماء إليه، نرعاها، نحميها، نفتديها بأرواحنا، ندافع عنها حتى تنمو فتتحول إلى شجرة ضخمة ضاربة بجذورها القوية في عمق هذه الأرض الطيبة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة