من مدينة هادئة في بروسيا الشرقية، خرج رجل لم يغادر بلدته طيلة حياته تقريبًا، لكنه غيّر وجه الفلسفة الغربية إلى الأبد، إنه إيمانويل كانط الفيلسوف الذي أعاد تعريف علاقة الإنسان بالمعرفة، والأخلاق، والحرية.
وُلد كانط في 22 أبريل 1724 في مدينة كونيغسبرغ (التي تُعرف اليوم باسم كالينينغراد في روسيا)، عاش حياة بسيطة ودقيقة، حتى إن جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم اليومية على موعد خروجه المعتاد للمشي.
رغم بساطة حياته، كانت أفكاره معقدة وعميقة، درّس في جامعة كونيغسبرغ معظم حياته، وكرّس سنوات طويلة من التأمل والكتابة قبل أن ينشر أشهر أعماله.
كان كتابه "نقد العقل الخالص"، الذي صدر عام 1781، بمثابة نقطة تحول في تاريخ الفلسفة، جمع فيه بين المدرسة العقلانية التي مثلها ديكارت ولايبنتس، والتجريبية البريطانية التي جسّدها لوك وهيوم.
قدم كانط ما أسماه بـ "الثورة الكوبرنيكية" في الفلسفة، بدلًا من افتراض أن المعرفة تتشكل من تطابق العقل مع الواقع، افترض أن العقل هو من يُشكّل الواقع كما ندركه، أي أننا لا نعرف "الشيء في ذاته"، بل فقط "الشيء كما يظهر لنا".
لم يقتصر كانط على المعرفة وحدها، بل قدّم واحدة من أكثر النظريات الأخلاقية تأثيرًا: الأخلاق المطلقة، في كتابه "أسس ميتافيزيقا الأخلاق"، طرح فكرة الواجب والأمر الأخلاقي المطلق ، والذي ينص على أن الإنسان يجب أن يتصرف بطريقة يمكن تعميمها كقانون كوني.
مثال: "لا تكذب"، ليس لأن الكذب يؤدي إلى ضرر، بل لأن الكذب لا يمكن أن يكون قاعدة عامة دون أن يؤدي إلى تناقض منطقي.
توفي كانط في 12 فبراير 1804، بعد حياة طويلة من التأمل والكتابة، وعلى شاهد قبره كُتب اقتباس من "نقد العقل العملي":
"شيئان يملآن قلبي إعجابًا واحترامًا متجددًا ومتزايدًا كلما تأملت فيهما: السماء المرصعة بالنجوم فوقي، والقانون الأخلاقي في داخلي."