في مثل هذا اليوم، وُلدت واحدة من أنقى وجوه الفن المصري وأكثرها صدقًا وتأثيرًا الفنانة سناء جميل، التي لم تكن مجرد ممثلة، بل كانت حالة فنية وإنسانية نادرة، محفورة في ذاكرة جمهور أحبها بقدر ما آلمته قصتها ولدت في 27 أبريل 1930، ومضت في صمت موجع يوم 22 ديسمبر 2002، بعد رحلة طويلة من العطاء، تخللتها محطات من المجد والوحدة والوجع.
ما إن تخرجت سناء جميل من المعهد العالي للفنون المسرحية، حتى جذبها المسرح بقوة، فالتحقت بفرقة فتوح نشاطي، وهناك بدأت أولى خطواتها على الخشبة التي أحبتها حد التماهي. في الخمسينيات، بدأ وجهها يطل على الشاشة الكبيرة من خلال أفلام مثل "بشرة خير" و"حرام عليك"، لكن انطلاقتها الحقيقية جاءت مع فيلم "بداية ونهاية"، حين جسدت شخصية "نفيسة" ببراعة حفرت اسمها في تاريخ السينما المصرية منذ ذلك الحين.
رحلتها في السينما كانت ثرية ومتنوعة، قدمت خلالها مجموعة من الأدوار التي لم تكرّر نفسها فيها قط من "الزوجة الثانية" إلى "اضحك الصورة تطلع حلوة"، ومن "فجر يوم جديد" إلى "السيد كاف"، تنقلت سناء جميل بين الشخصيات كما لو كانت تعيش أكثر من حياة داخل الحياة نفسها. أفلامها لم تكن مجرد أعمال فنية، بل كانت انعكاسات لأوجاع الناس، وانتصاراتهم الصغيرة، وأسئلتهم الوجودية.
أما التلفزيون، فكان له نصيب كبير من حضورها، حيث شاركت في مسلسلات رسخت في وجدان أجيال مثل "الراية البيضا"، "خالتي صفية والدير"، و"الرقص على سلالم متحركة" ولم يكن مسلسل "طرح البشر" مجرد عمل أخير لها، بل كان بمثابة وداع هادئ لفنانة ظلت حتى لحظاتها الأخيرة تحمل همّ الفن بصدق لا يُشترى.
كرّمتها الدولة والعديد من الجهات الثقافية، ومنحتها وسام العلوم والفنون عام 1967، كما تم تكريمها في مهرجان الأفلام الروائية عام 1998، وغيرها من الجوائز التي نالتها عن جدارة طوال مشوار بدأ في 1950 واستمر حتى نهاية التسعينيات.
لكن خلف هذا المجد، كانت هناك امرأة تواجه الحياة بقدر هائل من الصبرعانت في أيامها الأخيرة من سرطان الرئة، وظلت بالمستشفى ثلاثة أشهر، تصارع الألم بصمت وعندما رحلت، وجد زوجها الكاتب الصحفي لويس جريس نفسه وحيدًا أمام فقد لا يشبه أي فَقد انتظر ثلاثة أيام كاملة قبل أن يدفنها، ناشرًا إعلان الوفاة في كل الصحف المصرية والأجنبية، لعلّ أحدًا من أقاربها يظهر، لكنه انتظر عبثًا وفي اليوم الرابع، ودّعها إلى مثواها الأخير من كنيسة العباسية، في جنازة حزينة، غاب عنها من كان يجب أن يكونوا الأقرب.