أحنُّ إلى تواريخ الميلاد، وابتعدُ بمسافةٍ ضوئيةٍ عن تواريخ الوفاة؛ فالميلاد حياة، وأنا أحب الحياة. وميلاد طيب الذكر الفنان الكبير «حلمي التوني» كان في 30 أبريل من كل عام (مولودٌ في بني سويف في 30 أبريل 1934). أحنُّ إلى تواريخ الميلاد، وابتعدُ بمسافةٍ ضوئيةٍ عن تواريخ الوفاة؛ فالميلاد حياة، وأنا أحب الحياة.
وميلاد طيب الذكر الفنان الكبير «حلمي التوني» كان في 30 أبريل من كل عام (مولودٌ في بني سويف في 30 أبريل 1934). كنَّا في مثل هذا الموعد مدعوِّين إلى معرضه السنوي؛ كان يحتفل بميلاد لوحاته في يوم ميلاده، وكان يُجدِّد ماء الحياة بريشته النابضة بالحياة. طيب الذكر كان من عُمَد مجلة الهلال، والهلال من عناوين المحروسة، ومصر قبلة العشاق، والتوني كان عاشقًا متيَّمًا.
وما ميَّز لوحات الفنان الكبير "حلمي التوني" كانت الروح المصرية المهيمنة والمسيطرة، والتي تسري في خطوط لوحاته، ومفرداته من لحمٍ ودمٍ مصري. أبدع في رسم مصر، ولا تزال لوحاته على أغلفة الهلال شاهدةً على إبداعٍ مُلهمٍ استلهم عناصر الحالة المصرية، وانتقى منها الملامح المُبهِجة. مصر عنده جميلة الجميلات، وحلوة الحلوات. مصر في خيال التوني صبيَّةٌ عبقةُ الرائحة، قَدُّها مياس، وعيونٌ كحيلة، وابتسامةٌ تشعُّ من وجهٍ قسماته فرعونية. مصر في معجم التوني التشكيلي حالةُ بهجة، سواء أمسكتْ "أرغولًا" تعزف عليه، أو متحزِّمةً من وسطها تزرع وتقلع في الغيطان الخضراء، أو "جيكوندا" مصرية ذات ابتسامة شفافة في بروازٍ مُعلَّق على حائط في صالون بيت مصري دافئ.
من حسنات التوني، وفي ميزان حسناته، معرضُه الفيسبوكي الدائم في الفضاء الإلكتروني، حيث لوحاته على صفحته التي تشبه الجاليري الإلكتروني، يطالعها الأصدقاء والمحبون؛ قطعٌ فنيةٌ مشغولةٌ من "أرابيسك" هذا الوطن المُعشَّق، وألوانُه في خُضرة الغيطان النضرة، وزُرقة السماء، ويَمامٌ أبيض يطير فرحًا بالنور، ومنديل "بأوية" مشدود على الرأس، مُنْحَسِر عن قَصَّةٍ سوداءَ فاحمة، ودلايةٌ على خصرٍ نحيل، وأساورُ وخلاخيل، زخرفةٌ راقيةٌ منضبطةٌ لا زيادة فيها ولا نقصان. مصر كانت عنده عاليةً فوق النخيل. ما قدَّمه التوني من أعمالٍ في مناسبات وطنية ومجتمعية وإنسانية يروي قصة الأمس، يُخْلبُ اللُّب، تسري فيه روحٌ مصريةٌ تأسرُك وتُوقِعُك في شباك أمٍّ عيونها جريئة. هذا محضُ تعبيرِ محبٍّ عن إبداعِ مُبدعٍ حلَّ ميلاده وهو في دارٍ أخرى، فوجب الاحتفاء.