الأربعاء 7 مايو 2025

تحقيقات

خبراء: إسرائيل تعمل بنهج توسعي يهدد الشرق الأوسط

  • 6-5-2025 | 21:41

إسرائيل تريد شرق أوسط جديد

طباعة
  • محمود غانم

تسعى إسرائيل إلى استغلال تواجد الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًا في الشرق الأوسط عبر جرها إلى صراعها -هذا إن لم تُجر بالفعل- إذ باتت تقاتل نيابة عنها جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، فضلًا عما تمد به من دعم عسكري ولوجستي يعنيها في جبهاتها الأخرى، التي لم تخمد نيرانها منذ نحو 19 شهرًا.  

وفي محيط يموج على صفيح ساخن، أصبح قطاع غزة الفلسطيني هو البؤرة الأكثر اشتعالًا فيه، بل هو أساس الصراع في المنطقة، إذ إنه بحل الأزمة في غزة، ستحدث انفراجة في بقية الجبهات التي تتعمد إسرائيل التصعيد فيها ضمن استراتيجية تعمل بموجبها، ذلك ما يراه خبراء تحدثوا لـ"دار الهلال".

وأكد الخبراء، أن التصعيد الإسرائيلي ضد أربع جبهات في المنطقة يأتي بموجب ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تتوانى عن دعمها سياسيًا وعسكريًا، بشكل يفقد الثقة بها كوسيط محايد، وهو ما بدت بوادره تتجلى في الأفق عبر المطالبة بإشراك أطراف إقليمية أخرى في عملية السلام.

وكشفوا أن تصرفات إسرائيل التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي تتسم بنهج "أطماعي" و"توسعي" يستهدف التوسع على حساب الدول المحيطة بها، وأن هذه إجراءات فعلية نحو تحقيق حلم "الدولة العبرية". 

إسرائيل ترغب في توسيع مساحتها 

وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد صادق إسماعيل، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز العربي للدراسات السياسية، أن التصعيد الإسرائيلي الراهن في المنطقة يأتي نتيجة لعدة مؤشرات، يتقدمها الدعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية. 

وفي حديثه لـ"دار الهلال"، قال الدكتور صادق، إن التوسعات الإسرائيلية الحالية في العملية العسكرية تأتي نتيجة عدة مؤشرات، أولها: إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل الضوء الأخضر بالتوسع، سواء في العمليات جنوب قطاع غزة، إضافة إلى التمدد العسكري الإسرائيلي الذي أثر سلبًا على الجنوب اللبناني والجنوب السوري. 

وأشار إلى أن ذلك قد شاهدناه فعليًا في التمدد الإسرائيلي في بعض المناطق في جنوب سوريا، حيث قامت بالاستيلاء على هضبة الجولان بالكامل، إضافة إلى بعض المناطق الأخرى نتيجة استغلال الظروف السياسية التي تمر بها سوريا حاليًا.

وفي لبنان، يُوضح أنها استغلت عدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في الجنوب، وبدأت في خلق منطقة عازلة هناك، وذلك بعد أن انسحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني. 

أما فيما يتعلق بالتوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تحديدًا في مخيم جنين، وفي مناطق في قطاع غزة، إضافة إلى رغبة إسرائيل في إجلاء السكان من أماكن داخل غزة إلى الجزء الجنوبي من القطاع، فإن هذا يحمل العديد من الدلالات، منها عدم الاستقرار في هذه العمليات العسكرية، إضافة إلى الرغبة في استمرارها، ولكن بوتيرة أسرع، حسب الخبير السياسي والاستراتيجي. 

موضحًا أن ذلك يتبيّن من خلال استدعاء إسرائيل لما يقرب من 12 إلى 15 ألف جندي من جنود الاحتياط الإسرائيلي، إضافة إلى المسألة الخاصة أيضًا باعتزام إسرائيل توسيع العمليات العسكرية في القطاع الفلسطيني. 

وفي اعتقاده، أن الأهداف الإسرائيلية من وراء ذلك أبعد مما هو معلن عنه، حيث يُوضح أن المعلن هو القضاء على حركة حماس بأنفاقها وقوتها الضاربة، غير أن الأهداف الحقيقية تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تكمن في رغبتها توسيع مساحتها على حساب المناطق العربية، بما في ذلك أراضي الجنوب السوري واللبناني.

وفي شأن الأراضي الفلسطينية، يشير إلى أن ذلك لن يقتصر على قطاع غزة فحسب، بل قد يمتد أيضًا إلى الضفة الغربية من خلال منح الفرصة للمستوطنين لمنافسة الفلسطينيين، وبالتالي دفع أصحاب الأرض إلى ترك منازلهم وأراضيهم الزراعية للاستيلاء عليها.  

وتابع: "بالتالي، تحقق إسرائيل تمددها على حساب الأهمية الجيوسياسية للدول العربية الأشهر في سوريا أو في لبنان وفلسطين".  

ويؤكد صادق، أن الموقف الأمريكي داعم بشكل قوي لكل خطوات إسرائيل، سواء من الناحية اللوجستية من خلال تقديم المال والسلاح أو من الناحية السياسية من خلال تعطيل أي قرار يدينها في مجلس الأمن.  

وقال إن "الولايات المتحدة، التي كانت توصف بأنها 'شريك نزيه في عملية السلام' أثناء اتفاقية أوسلو عام 1993، تحولت إلى شريك غير نزيه، شريك في القتل، شريك في التدمير في قطاع غزة، شريك أيضًا لا يمكن الوثوق به كثيرًا في عملية السلام المستقبلية"، مؤكدًا على ذلك بالإشارة إلى الدول العربية وحتى خارج أسوار العالم العربي، ترغب في ضم دول أخرى تكون راعية للسلام، مثل روسيا، والصين، ودول الاتحاد الأوروبي.

وفي ختام حديثه، أكد أن كل ذلك يتوقف على مدى إنهاء إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وفي أماكن أخرى مثل الجنوب اللبناني أو الجنوب السوري. 

 

تصعد بشكل ممنهج 

من جهته، أكد الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، أن التصعيد الإسرائيلي في المنطقة يأتي بشكل ممنهج، وذلك بالاعتماد على انجرار الولايات المتحدة عسكريًا في الشرق الأوسط، فبهذا تضمن إسرائيل تحقيق أكبر قدر من المكاسب، وفي الوقت نفسه تضمن الحفاظ على مكاسبها.

وأضاف "عاشور" في حديث لـ"دار الهلال" أن "هذا يعني أن إسرائيل، عبر القضاء على 'الحوثيين' في اليمن، تحافظ على مصالحها، وذلك لأنهم أولًا: هم التهديد الراهن الذي يستطيع أن يصل إلى العمق الإسرائيلي، كما شاهدنا في الصاروخ الأخير الذي ضرب مطار بن جوريون، ثانيًا: هم الذراع الأمني المتبقي لطهران في المنطقة"، وفق قوله.

وعليه، يقول أستاذ العلاقات الدولية، إن إسرائيل تستغل التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط لضرب الحوثيين، مشيرًا إلى أنها، كي تحقق أهدافها هذه، تركزت ضرباتها على ميناء "الحديدة" في اليمن، الذي يضم ميناء يشكل دعمًا اقتصاديًا كبيرًا لهذه الجماعة، كما أنه يحتوي على مصنع أسمنت تحسن عوائده من تواجدهم.

وأشار إلى أن إسرائيل عندما هاجمت الميناء أرادت أن تُكلف "الحوثيين" التداعيات الاقتصادية الناتجة عن ذلك، وبالتالي تحد من قدراتهم القتالية بشكل اقتصادي، وذلك لأن الحد من الناحية العسكرية أمر غير ممكن، بسبب تضاريس اليمن، التي تجعلها كأفغانستان. 

لكنه يطرح أن الولايات المتحدة، بجانب إسرائيل، قد تقوم بدعم القوات النظامية في اليمن لوجستيًا وماديًا لمهاجمة "الحوثيين"، موضحًا أن هذا محفوف بالمخاطر، لأنه قد يشعل حربًا أهلية، ما يحول مضيق "باب المندب" إلى كتل من النيران، غير أن ذلك سيؤثر على انتظام الملاحة العالمية، لأن على الجانب الآخر توجد الصومال، حيث لا يختلف المشهد كثيرًا. 

وبناءً على ذلك، يؤكد الدكتور رامي عاشور أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهدافها في المنطقة على حساب استقرارها، وفي ذات الوقت تسعى إلى تأمين مكاسبها المحققة في سوريا ولبنان وقطاع غزة. 

وفيما يتعلق بخطورة ذلك على الأمن الإقليمي، يضيف أن الخطر يكمن هنا في أن إسرائيل تمضي في خطوات فعلية نحو تحقيق حلم "الدولة العبرية"، فعلى هذا النحو ستزيد الأطماع الإسرائيلية فيما بعد، بشكل يمس أمن واستقرار الدول العربية.

 استراتيجية تهدد استقرار المنطقة

بدوره، أكد الدكتور محمد مرعي، كبير الباحثين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن التصعيد الإسرائيلي في سوريا، أو حتى عدم الانسحاب من جنوبي لبنان مع استمرار شن الضربات هناك من وقت إلى آخر، إلى جانب ما نشهده حاليًا من تصعيد في البحر الأحمر عبر شن هجمات ضد أهداف في اليمن، لا يشير إلا إلى أن إسرائيل أصبحت ما أسماه بـ"دولة مارقة" ذات سياسات "مزعزعة" للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.  

وأوضح "مرعي" في حديث لـ"دار الهلال" أن ذلك يؤكد شيئًا آخر، وهو أن استمرار العدوان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو ما تسبب في كل هذا التوتر والتصعيد القائم في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنه إذا أُريد إخماد جبهة "الحوثيين" في اليمن أو عودة الملاحة مرة أخرى بشكل طبيعي إلى البحر الأحمر، فإن هذا مرتبط بشكل كبير بوقف الحرب في قطاع غزة والوصول إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس في هذا الخصوص.

وأضاف أن من الواضح أن إسرائيل ورئيس وزرائها المتطرف بنيامين نتنياهو لا يعبؤون بهذه الأمور، حيث يبدو أنهم ماضون في استراتيجيتهم التي تدفع نحو استمرار هذا التصعيد في المنطقة، بدليل القرار الذي اتخذه "الكابينت" بتوسيع العمليات العسكرية في غزة، رغم الأزمات الإنسانية التي تعاني منها، جراء الحصار الخناق الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية منذ أكثر من شهرين. 

وفي غضون ذلك، أكد الخبير الاستراتيجي، أن إسرائيل أصبحت قوة "مزعزعة" للاستقرار الإقليمي، مشيرًا إلى أن مسؤولية ذلك تقع على عاتق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يبدو أنه يواصل تقديم كل الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي واليمين المتطرف الذي يشاركه في الحكم. 

وشدد على أن ذلك بالتأكيد يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، كما أنه يؤثر على صورتها أمام أكثر من 400 مليون مواطن عربي. 

وكشف أنه لا يرى الآن أن الأمور تتجه نحو الهدوء والاستقرار، رغم أن البعض يربط ذلك بالزيارة المقررة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، بدءًا من 13 مايو الجاري. 

وأكمل أن البعض كان في ظنه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقف هذه الحرب أو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ولكن حتى الآن يبدو أن هذا الأمر بعيد المنال، بل إن تصريحاته تظهر تأييده للتحركات الإسرائيلية بشأن قطاع غزة، بما فيها من تنفيذ عملية نزوح شاملة للفلسطينيين هناك، بزعم أن ذلك يخدم عملية إدخال المساعدات إلى الأهالي، دون أن تسيطر عليها حركة حماس.

وفي المقابل، يلفت إلى أن الأمم المتحدة ومنظمات دولية دانت ورفضت هذا الأمر، كما أن مصر أعلنت اليوم على لسان وزير الخارجية بدر عبد العاطي رفضها أي خطط إسرائيلية من شأنها توسيع الحرب على غزة، لأن توسيع هذه الحرب لن يجلب أي استقرار ولن يحقق أمن إسرائيل، بل سيكون له خطورة على حياة أسرى حركة حماس، كما أنه لن يؤدي إلى تهدئة الأوضاع في البحر الأحمر. 

وأشار إلى أن الولايات المتحدة منذ 15 مارس الماضي وسعت من هجماتها ضد "الحوثيين" في اليمن، ولم يتحقق لها حتى الآن ما أرادته، وهو "تحييد" هذه الجبهة، موضحًا أن الجميع بات متأكدًا أن وقف الحرب على غزة سينعكس بشكل إيجابي على تهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط. 

وفي توضيح لرأيه هذا، يؤكد مرعي، أن تهدئة الأوضاع في غزة سيكون لها تداعيات إيجابية على الأوضاع في البحر الأحمر، حيث ستُهدئها بحيث أنه لن يكون هناك تهديد للملاحة البحرية في البحر الأحمر، ولن تكون هناك ضربات متبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة و"الحوثيين" من جهة أخرى. 

مشيرًا إلى أن وقف الحرب سيجعل الأنظار تتجه بشكل كبير إلى الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، حيث يسعى إلى ترسيخ واقع "تقسيم" هناك حتى تحولها إلى "دويلات"، بحجة حماية الأقليات، لا سيما "الدروز". 

وفيما يتعلق بلبنان، يقول إن إسرائيل لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، الذي جاء تحت مظلة أمريكية فرنسية، حيث إنها لم تنسحب من الأراضي اللبنانية كما هو متفق عليه، حيث لا زالت تسيطر على خمس نقاط جنوبي لبنان، إلى جانب أنها سجلت أكثر من 1000 انتهاك للاتفاق المعلن.

كذلك، سيتم التركيز بشكل أكبر على مسألة البرنامج النووي الإيراني والمفاوضات المعقودة بين واشنطن وطهران بهذا الخصوص، كما يضيف "مرعي"، الذي أشار إلى أن هناك تباينًا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي في هذا الموضوع، حيث إن الأخير يفضل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق مع طهران يحقق مصالح الولايات المتحدة أكثر من الاتفاق الذي أُبرم في فترة حكم باراك أوباما تحديدًا عام 2015، بينما يريد الأول دفعه إلى تبني الخيار العسكري. 

واختتم مؤكدًا أن المنطقة بشكل عام على صفيح ساخن، ومحور ذلك هي إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة