الجمعة 9 مايو 2025

مقالات

الدراما المصرية تعافت في الوقت المناسب

  • 8-5-2025 | 17:13
طباعة

ما إن نوه الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال حفل إفطار القوات المسلحة في رمضان الماضي عن رؤيته تجاه إصلاح أحوال الدراما المصرية، وأهمية أن تعمل على مواجهة ظواهر العنف والجريمة وتعاطي المخدرات، وكذلك التصدي لمحاولات إشعال الصراع المجتمعي وترويج الابتذال والانحراف السلوكي، وضرورة الاهتمام بإحياء الذاكرة الوطنية وتعزيز الهوية المصرية ودعم قيم الأسرة المصرية، حتى سارع المهندس خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فأصدر قراره بتشكيل لجنة الدراما برئاسة الكاتبة والناقدة الفنية ماجدة موريس، وضم المخرج أحمد صقر لعضوية اللجنة.

ولحقه الكاتب أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، فأعلن انطلاق مؤتمر «مستقبل الدراما في مصر» بحيث يجتمع الكتاب والمخرجون والمنتجون وعلماء النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد لمناقشة مستقبل الدراما المصرية ورفع توصيات المؤتمر للمؤسسات المعنية، بينما أوضح «عبدالعزيز» في قراره أن لجنة الدراما تختص بمتابعة ورصد ودراسة الأعمال الدرامية التي تُعرض في وسائل الإعلام، وإعداد تقارير دورية بنتائج أنشطة اللجنة، وفحص المخالفات التي يجري رصدها، والتحقق من ثبوتها ورفع توصيات اللجنة في هذا الشأن، ومتابعة المعايير والأعراف المكتوبة الصادرة عن المجلس بقرار رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 62 لسنة 2019. 

وفي الشهر السابق على هذه التطورات، كان د. أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، قد أصدر قراره بانتداب الكاتب الروائي عبد الرحيم كمال، مساعدًا لوزير الثقافة لشئون رئاسة الرقابة على المصنفات الفنية، بعد أن ظل المنصب شاغرًا نحو 3 أشهر.

بالتزامن مع طرح الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤيته وتوابعها، كان موسم دراما رمضان 2025 على مشارف الانتهاء بعدما حاز انتباه الجمهور ومشاهداته نحو 40 مسلسلًا على مدار أيام وليالي الشهر الكريم، ولم تكن انطباعات الجمهور في غالبيتها إلا استحسان عدد كبير من هذه الأعمال، والتي اتسمت بالتنوع في ألوانها وموضوعاتها وفنياتها وما طرحته من قضايا تماست مع واقع المجتمع المصري وما طرأ عليه من تحولات طوال خمسة عشر عامًا مضت، والمحصلة النهائية كانت إيجابية جدًا وفي صالح الدراما المصرية الخالصة إنتاجًا وإبداعًا، فلم تكن هناك هذا العام إلا قلة من المسلسلات ينطبق عليها فعلًا تخوفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتخوفاتنا جميعًا، وحقيقة الأمر أنها كانت إنتاجًا عربيًا وكلها يُعرض على قناة عربية واحدة توجهاتها ليست بعيدة عن الشبهات منذ انطلاق بثها في نوفمبر 2012 مستهدفةً الجمهور المصري، ولعل الخلط جاء من أن إنتاجها عربي بينما صناعتها مصرية مائة بالمائة.

لم أشاهد كل مسلسلات موسم رمضان الماضي، هو أمر من الصعوبة بمكان في حينه، ولكن ما شاهدته بانتظام وما رصدت صداه لدى جمهور المتابعين، يؤكد أن الدراما المصرية تعافت مما أصابها من انفلات ما بعد يناير 2011، والذي كان في حقيقته طوفانًا لم يسلم منه شارد أو وارد ينتمي أو يتماس بشكل أو آخر مع المجتمع المصري، وهو أمر طبيعي في حياة أي وكل مجتمع تعترض مجراه ثورة هي الأخرى بطبيعتها لا تُبقي ولا تذر، فإذا كانت الدراما هي في المبدأ محاكاة للواقع وانعكاسًا له، قبل أن تكون في المنتهى فاعلة في تقويم مساراته، فلا بد وأن تأخذ وقتها الأطول في التعافي، وإذا كان الفن في مجموعه والدراما على وجه الخصوص هما طوال الوقت الأكثر تأثيرًا إيجابًا أو سلبًا في حياة أي وكل مجتمع، وأي وكل فرد ينتمي لهذا المجتمع، فالحمد لله أن تعافت الدراما المصرية في الوقت المناسب.

وحتى أدلل على صحة كلامي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد شاهدت مسلسل «ولاد الشمس» والذي طرح بجدية شديدة وحساسية فنية عالية قضية استغلال القائمين على دور إيواء الأطفال الأيتام في الأعمال غير المشروعة، وإلى أي مدى تمثل هذه التنشئة المنحرفة بالغ الخطر على مجتمعنا، والأهم خطورة التخلي عن الطفل بعد احتضانه داخل أسرة بديلة، هؤلاء الأيتام لهم الحق تمامًا في كل فرص الحياة الكريمة، فقط يحتاجون إلى أيادٍ أمينة تأخذ بهم إلى بر الأمان، فلا تجدهم سوى مواطنين صالحين تمامًا كأي أشباهٍ لهم ولدوا وشبوا في بيئات صالحة، وأحسن صناع العمل أن قدموا في نهايته نماذج واقعية حية تؤكد رسالته، ولعل تفاعل وزارة التضامن الاجتماعي بإيجابية تجاه المسلسل أكد أن الرسالة وصلت، بخلاف صداه المؤثر في نفوس متابعيه فيما يتعلق بحتمية تصويب نظرة المجتمع لهؤلاء الأيتام ضحايا خطايا الكبار، المسلسل تأليف مهاب طارق وإخراج شادي عبد السلام وتصدر بطولته بأداء استثنائي فارق محمود حميده وأحمد مالك وطه دسوقي وآخرون.

ولعل مسلسل «لام شمسية» حظى بكل هذا الاهتمام بحكم مناقشته قضية بالغة الحساسية في مجتمعنا، قضية التحرش بالأطفال كأحد أعراض الانحراف الجنسي، والتي طرحها صناع العمل بوعي شديد وحكمة أشد وصدق بالغ، فلم يكن أقل من أن يحوز كل هذا الإعجاب المستحق، فقد لامس الواقع بوجع شديد، ليس فقط فيما يتعلق بحالات عانت بالفعل وظل صراخها مكتومًا، وإنما أيضًا دق المسلسل أجراسه حتى ينتبه المجتمع لما يحوط أبناءه نواة مستقبله من أخطار، ونجح المسلسل في إعادة التأسيس لقيم الوعي والعلم والمكاشفة وسلامة روابط الأسرة، واستحق العمل إصرار فريقه طوال ثلاث سنوات على الخروج به إلى النور، وهو ما يؤكد جدية الأجيال الجديدة من صناع الدراما المصرية، تفوقت ورشة «سرد» بإشراف السيناريست المبدعة مريم نعوم والمخرج كريم الشناوي ونجوم العمل بالكامل كلٌ في دوره طال أم قصر، في مخاطبة عقول المشاهدين بمضمونه والتواصل مع وجدانهم بكل رقي، والتحية الخاصة واجبة لنجوم العمل الطفل الموهوب الواعد علي البيلي، ومحمد شاهين المشخصاتي ثقيل الوزن، والموهبة التي نضجت أمينة خليل، والجريء المتمكن واثق الخطى أحمد صلاح السعدني.

وباعتبار ما استجد على مجتمعنا من ظواهر خطرة نتيجة سطوة التكنولوجيا وتردي أوضاعه الاقتصادية الخانقة في السنوات الأخيرة، جاء مسلسل «منتهي الصلاحية» في وقته كأول عمل درامي يناقش ملف تطبيقات المراهنات المالية التكنولوجية، وإلى أي مدى تأخذ من يتصل بها حتى على سبيل المزاح أو التجربة أو الفضول أو الطمع في تحقيق مكسب سريع في دوامات من الإدمان لا تنتهي إلا بتدميره هو ومن حوله، والمدهش أنها تستحوذ أيضًا على رجال المال والأعمال وأبناء الطبقة الوسطى المتعلمين المستقرين مهنيًا وشخصيًا كما تسيطر على المهمشين الفاقدين لفرص عادلة في الحياة، إيقاع المسلسل جاء جاذبًا ومواكبًا لإيقاع القضية المطروحة، خاصةً وأنها انطلقت من مربع مواطن كان صالحًا لتمسكه بالقيم والمبادئ وناجحًا في عمله بفعل اجتهاده، فلم يجد في المقابل إلا السجن ظلمًا نتيجة تدخله فيما ظن أنه يعنيه وفقًا لمعايير الصواب والخطأ، المسلسل تأليف المبدع محمد هشام عبية وفكرة وإخراج تامر نادي وتألق فيه محمد فراج وحسن مالك وكل نجوم العمل.

فإذا ما عدنا إلى اهتمام الدولة بأحوال الدراما المصرية، ومسارعة المسئولين ذوي الصلة بشكل أو آخر كلٌ في موقعه نحو الاستجابة لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية كما جرت العادة، فلا مانع من تكاتف الجهود طالما حسنت النوايا وصدقت الدوافع، ولكن غاية ما نتمناه ألا ينتهي الأمر إلى مجرد «لقطة» أو يحكم الأمور الأهواء والعشوائية والارتباك وتضارب المصالح ومفاهيم وسطوة الوصاية والمنح والمنع، فنجد عجلة الدراما قد تعطلت مرة أخرى بعدما عادت تأخذ طريق ريادتها مجددًا، وخطورة الأمر هنا أن الأبواب الخلفية العربية مفتوحة على مصراعيها، بل وساقية استقطابها لكل ما يتصل بالفن المصري لا تهدأ على مدار الساعة، والنوايا ليست بعيدة عن مواطن الشبهات، والميزانيات خارج المنافسة.

ما طرحته من نماذج لمسلسلات عُرضت في رمضان وفاقت التوقعات فحازت اهتمام وإعجاب وتقدير الجمهور، هي وغيرها من مسلسلات أخرى ناجحة تُعرض على مدار العام، كلها أمثلة لدراما يحتاجها الوطن في مرحلة انتقالية حرجة من مسيرته، دراما ترفع الوعي وتهذب الوجدان، دراما النص فيها هو البطل، والنص هو نواة كل وأي عمل فني ناجح، موسم دراما رمضان الماضي أكد قوة حضور صناع الدراما على اختلاف فئاتهم وأدوارهم من مخرجين ومصورين وممثلين من مختلف الأجيال وأيضًا متخصصين في مختلف عناصر صناعة العمل الفني، والشركة المتحدة الحقيقة لم تبخل في إنتاجها، وكلنا يعلم أنها تقوم في هذا مقام الدولة، في الواقع لا أتصور أن هناك مشكلة الآن تستدعي كل هذا الهلع، فالإبداع يجب ألا يحكمه سوى قاعدة أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، والعملة الجيدة في الدراما المصرية تسود الآن بالفعل، فقط أمنحوها وقتها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة