وسط توافق كامل من الأزهر الشريف والأوقاف، أقر مجلس النواب في جلسته العامة أمس، مشروع قانون مقدم من الحكومة بتنظيم إصدار الفتوى الشرعية، وهو القانون الذي يستهدف حماية المجتمع من فوضى الفتاوى، وذلك بعد صدور تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الدينية والأوقاف ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، والذي خلص إلى أن صدور الفتوى بغير ضابط أو إطار قانوني جامع يفتح الباب أمام غير المؤهلين لاقتحام هذا المجال الدقيق، مما قد يؤدي إلى نشر فتاوى مغلوطة أو متشددة أو متساهلة تهدد أمن المجتمع الفكري وتضر بمصالحه العليا.
ويأتي القانون لضبط عملية الإفتاء، فيحدد الجهة المختصة، ويرسم آليات إصدار الفتوى، ويضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان صدور الفتوى عن أهلية علمية معترف بها مع الالتزام بثوابت الشريعة ومقاصدها، حيث فرق القانون بين الفتوى العامة والخاصة، كما وافق مجلس النواب، على مقترح الأزهر الشريف، بإضافة 3 مواد مستحدثة بمشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية.
وتضمنت المواد التي اقترحها الأزهر الشريف، مادة مستحدثة 1، وهي أنه في حال عدم اجتياز برامج التدريب لا يحق التقدم بطلب آخر إلا بعد مرور عام من تاريخ إعلان النتيجة، فيما نصت المادة المستحدثة الثانية على أنه تعمل اللجان المنصوص عليها في مشروع القانون على الربط الإلكتروني والهاتفي لمركز الأزهر العالمي للفتوى ودار الإفتاء المصرية في تقديم الدعم اللازم، وفقا لما تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
كما يهدف إلى تحقيق فكرة المسجد الجامع في كل محافظة، وبعد ذلك في كل مركز من الجمهورية، والتي تعمل عليها وزارة الأوقاف لتأهيل عدد كبير من الأئمة لتلبية خدمة الفتوى في سائر التخصصات سواء كانت علاقات زوجية، وأمور الإصلاح الأسري، ومواجهة الإرهاب بتفكيك الفكر المتطرف، والميراث والخطابة، والوعظ والإرشاد.
ونصت المادة المستحدثة الثالثة، على أنه لهيئة كبار العلماء تشكيل لجان تقوم من خلالها بالمتابعة المستمرة للتأكد من تحقيق ضبط الإفتاء والتأكد من الالتزام بضوابط الترخيص.
وفرق القانون بين الفتوى الشرعية العامة والخاصة، حيث أوضح أن الفتوى العامة هي إبداء الحكم الشرعي في شأن عام متعلق بالنوازل التي تؤثر على المجتمع في مختلف المجالات، أما الفتوى الشرعية الخاصة: إبداء الحكم الشرعي في شأن خاص متعلق بمسائل الأفراد في أمر مسئول عنه شرعا وتوضيحه للسائل.
كذلك فرق القانون بين الفتوى الشرعية والإرشاد الديني، حيث نص على أن الإرشاد الديني: استخدام الأحكام والقيم والمفاهيم الدينية والخلقية في توجيه سلوك المجتمع والأفراد وتوعيتهم بها ووقايتهم من الأفكار المنحرفة والمفاهيم الخاطئة تمسكا بالثوابت الإسلامية.
الجهات المعنية بالفتوى
ووفقا لنص القانون، تنص المادة الثالثة على أنه يختص بالفتوى الشرعية العامة كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، "دار الإفتاء المصرية"، وبموجب المادة الرابعة ويختص بالفتوى الشرعية الخاصة بالأزهر الشريف كل من هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، أو دار الإفتاء المصرية، أو لجان الفتوى بوزارة الأوقاف المنشأة وفقا لأحكام المادة (١) من هذا القانون.
ونص القانون على تنشأ بقرار من الوزير المختص بشئون الأوقاف داخل وزارة الأوقاف لجنة أو أكثر للفتوى الشرعية الخاصة، ويشترط لمن يتولى الإفتاء في تلك اللجان أو الاستمرار فيها توافر الشروط والضوابط التي تضعها هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأخصها ما يلي:
(١) ألا تقل سنه عن 20 عاما.
(٢) أن يكون من خريجي الأزهر الشريف.
(٣) أن يكون محمود السيرة وحسن السمعة، معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره.
(٤) إتمام برامج التدريب والتأهيل في مجال الإفتاء التي تعقدها وزارة الأوقاف بالتنسيق مع دار الإفتاء المصرية.
٥) أن يكون له إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية.
(٦) ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية.
وتنص المادة 5 من القانون على أنه في حال تعارض الفتاوى الشرعية يرجح رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
وخلال مناقشة القانون، اقترح الدكتور محمد الضويني (وكيل الأزهر الشريف وعضو هيئة كبار العلماء) عدداً من التعديلات على مواد مشروع القانون ووافق عليها وزير الأوقاف كما وافق المجلس على جميعها، حيث أكد وكيل الأزهر الشريف أن مشروع القانون يحقق انضباط الفتوى في الشارع المصري ويحقق ارتباطاً اجتماعياً وأسرياً وكان لابد من حسمه لما يمثله من طفرة غير مسبوقة في مجال الفتوى.
وقال المستشار الدكتور، رئيس مجلس النواب، إن التعاون الذي جمع بين الحكماء والعلماء والمخلصين يبرهن على روح التكامل التي تسود بين المؤسسات الدينية، مؤكداً أن هذا القانون هو بداية فصل جديد في مسار الفتوى في مصر، معتبره خطوة نابعة من ضرورة ملحة لمواكبة التحديات الراهنة.
وأكد أن الدولة المصرية مرجعية دينية راسخة تمثل الوسطية والاعتدال وتحرص على نشر الفكر المستنير، مضيفاً أننا في مرحلة تحول حاسمة وأن المجلس أمامه مسئوليات عظيمة فيما يتم إقراره وسيكون له صدى بعيد في تاريخ الأمة.
وشدد على أن هذا القانون سيأخذ الفتوى إلى آفاق أرحب ليكون أداة فاعلة في نشر نور الدين الصحيح والتوجيه السليم للأمة.
وكيل «دينية النواب»: قانون تنظيم إصدار الفتوى متزن وضروري لحماية المجتمع من الفتن
أكد الدكتور أسامة العبد، وكيل لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، ورئيس جامعة الأزهر السابق، أن قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية، يكتسب أهمية كبرى، حيث كان هذا الأمر ضروري وملحٌّ لحماية المجتمع من الفتن والانقسامات، موضحا أن القانون واضح وينص على أنه لا يجوز لشخص أن يظهر إعلاميا ويصدر فتوى من شأنها إثارة الفتن في داخل المجتمع.
وأضاف في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن القانون حدد صفات معينة فيمن يظهر في الإعلام ويفتي سواء فتوى عامه أو خاصة، وهذا قانون نحتاجه بشكل كبير للحماية من إثارة الفتن، مضيفًا: "نريد للدولة أن تقوم وتجتهد وتنمو كدولة جديدة، ولسنا في حاجة إلى من يعكر الصفو، ومن يعكر الصفو يحاسب".
وأكد "العبد"، أن القانون متزن ومعتدل، ويراعي ظروف الدولة، فمصر بلد الأزهر الشريف ينظر إليها العالم كله، من حيث الأحكام الشرعية، ويجب أن نكون على مستوى هذه المسؤولية، دون أن يتحدث أي شخص في الدين الإسلامي دون علم، ويصدر تصريحات وفتاوى مضلة، فلا يجوز خلق فتن في داخل المجتمع المصري ولا نقلل من قيمة مصر أمام العالم فهي بلد بها الأزهر الشريف.
ولفت إلى أنه وفقا للقانون، فهناك 3 جهات معنية بالفتوى، وهي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية في الفتوى العامة، وهي الفتاوى التي تؤدي إلى وقوع الناس في الفتن، أما الفتوى الخاصة التي تخص الفرد نفسه وشؤونه يمكن أن يقوم بها الخطيب في داخل المسجد، من لجان الفتوى بوزارة الأوقاف، وهي فتاوى خاصة لا تؤثر على المجتمع.
وأشار إلى أن كلمة واحدة خاطئة في الفتوى العامة قد تضيع مجتمع بأكمله، بعكس الفتاوى الخاصة التي تخص الفرد نفسه، مضيفا أن القانون كان واجبًا صدوره منذ سنوات طويلة، لإيقاف شواذ الفتاوى الموجودة في وسائل الإعلام المسموعة أو المرئية.
وأضاف أن لجان الفتوى في وزارة الأوقاف معنية بالفتاوى الخاصة، وأعضاء تلك اللجان سيخضعون لتدريب جديد، حتى يتمكنوا من إصدار الفتوى، مضيفا أن البلاد في حاجة إلى هذا القانون لردع غير المختصين بالفتوى من إصدار فتاوى تؤدي لإثارة القلق في البيوت والمجتمع ككل، فلا نريد إثارة القلاقل في المجتمع في الوقت الراهن.
توافق تام
ومن جانبه، قال الدكتور محمد أبو هاشم، أمين سر لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، إن قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية يهدف بالأساس إلى منع غير المتخصصين من تصدّر المشهد، وذلك من خلال تنظيم آليات الفتوى وتحديد الجهات المختصة بها في مصر.
وأوضح في تصريح لبوابة دار الهلال، أن القانون نص على أن الجهات المختصة بالفتوى العامة هي هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، ودار الإفتاء المصرية، باعتبارها الجهات المخولة بالفتوى في البلاد، مضيفا أنه بالنسبة للفتوى الخاصة، فقد أضاف القانون إمكانية صدورها أيضًا من مركز الفتوى بالأزهر، ولجان الفتوى التابعة لوزارة الأوقاف.
وأشار إلى أن القانون حدد شروطًا عامة للفتوى الخاصة، وهو أن يتم تأهيل من يتصدر للفتوى من خلال دورات تدريبية واختبارات، والحصول على شهادة أزهرية، فضلًا عن ضرورة حسن السير والسلوك، وألا يكون المتقدم محكومًا عليه في أية قضايا، ويجوز له وفقا لذلك إصدار الفتاوى الخاصة بالأفراد وليس العامة.
وشدد أبو هاشم على أن هذا القانون يحمل أهمية قصوى في الوقت الراهن، لمنع البلبلة في المجتمع الناتجة عن الفتاوى العشوائية، التي قد تُستخدم أحيانًا في شحن الناس أو إثارة الفوضى، وقد تؤدي إلى مشاكل سياسية واقتصادية ضخمة، لذلك من المهم أن من يتصدى للفتوى يكن متخصصا حتى لا يضلل الناس.
وأكد أن هناك توافقًا تامًا بين الأزهر والأوقاف والبرلمان حول القانون، حيث تم عرض كل النقاط ومناقشتها وأخذ الموافقة عليها بروح ودية وتفاهم مشترك بين كافة الأطراف.