شرعت إسرائيل في فصل جديد من إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تحت مسمى "عربات جدعون"، حيث تستهدف من وراء هذه العملية العسكرية بسط سيطرتها على القطاع الفلسطيني بأكمله، في وقت يتعايش فيه الأهالي هناك في كارثة إنسانية بكل المقاييس، جراء قطع الإمدادات الإنسانية والغذائية بشكل كامل منذ 77 يومًا، ما يعني أن من حالفه الحظ منهم ونجا من آلة الحرب الإسرائيلية ينتظره الموت جوعًا، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه عملية تطهير عرقي ممنهجة.
وبعد فترة وجيزة من توعد الحكومة الإسرائيلية بزعامة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، فلسطينيي غزة بتوسيع عمليات إبادتهم، أعلن جيش الاحتلال، الجمعة، بدء تنفيذ عملية "عربات جدعون"، بهدف تحقيق كافة أهداف الحرب المزعومة، بما فيها تحرير المحتجزين والقضاء على حركة حماس، غير أن الواقع الميداني لا يشير إلا أنها بصدد توسيع إبادتها ضد الفلسطينيين.
وجاء الإعلان عند بدء تنفيذ "عربات جدعون" بعد أيام دامية شهدها قطاع غزة، حيث أسفر القصف الإسرائيلي، الذي جاء في سياق التمهيد لبدء العملية، عن سقوط المئات بين قتيل وجريح.
وقامت إسرائيل باتخاذ هذه الخطوة التصعيدية على الرغم من جميع التحذيرات الدولية والأممية بشأن التداعيات التي ستنجم عن ذلك، خاصة فيما يتصل بالوضع الإنساني الذي يعاني بالفعل من تدهور.
ويقول مراقبون، إن هذا التصعيد يأتي في سياق مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الشخصية ووزرائه المتطرفين الذين يدفعون نحو إطالة الحرب بأقصى قدر ممكن، حفاظًا على مصالحهم.
عربات جدعون
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حديث عن عملية "عربات جدعون"، إنها ستشمل هجومًا واسعًا وتهجير معظم سكان قطاع غزة إلى منطقة خالية من حركة حماس، بزعم حمايتهم.
وأكد أنه سيتبع نفس الأسلوب الذي تم تنفيذه في رفح جنوبي القطاع الفلسطيني، والذي أسفر عن مجازر وعمليات تهجير جماعي بحق عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وهو ما يدحض كافة المزاعم التي يسوقها بشأن حرصه على حماية المدنيين.
وفي بيان صادر عنه يوم الجمعة الماضي، أعلن عن توسيع عملياته العسكرية في قطاع غزة، وبدء شن ضربات واسعة، وذلك ضمن عملية "عربات جدعون"، وذلك بعد استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط.
ورجحت هيئة البث الإسرائيلية، أن تستمر هذه العملية لعدة أشهر، مشيرة إلى أنها تتضمن الإخلاء الشامل لسكان غزة بالكامل من مناطق القتال، بما في ذلك شمال غزة، إلى مناطق في جنوب القطاع، حيث ستبقى قوات الجيش في أي منطقة يتم احتلالها.
وفي غضون ذلك، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، إن هذه العملية العسكرية تمر بثلاث مراحل، الأولى منها بدأت فعليًا، من خلال توسيع الحرب في غزة وتم تنفيذها.
أما المرحلة الثانية من هذه العملية، فهي في طور التحضير، حيث تتضمن عمليات جوية بالتزامن مع عمليات برية، فضلًا عن العمل على نقل معظم السكان المدنيين في قطاع غزة إلى الملاجئ الآمنة في منطقة رفح، حسب "يديعوت أحرونوت".
وبالنسبة للمرحلة الثالثة، فهي تتضمن دخول قوات عسكرية برًا لاحتلال أجزاء واسعة من غزة، بشكل تدريجي، والإعداد لوجود عسكري طويل الأمد في القطاع، كما أفاد ذات المصدر.
وأشارت إلى أن العملية التي تستمر لعدة أشهر يعتزم الجيش خلالها السيطرة التدريجية على قطاع غزة، بهدف القضاء على حركة حماس، والعمل على هدم الأنفاق بشكل كامل، على حد قولها.
توسيع الإبادة
وتمهيدًا لهذه العملية، صعدت إسرائيل من وتيرة هجماتها ضد الفلسطينيين في غزة منذ الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن سقوط نحو 431 شهيدًا، فضلًا عن مئات المصابين، حسب ما أفادت به وزارة الصحة الفلسطينية في غزة حتى ظهر اليوم الأحد، علمًا بأن هذه الحصيلة تشمل من وصل إلى المستشفيات فقط، حيث لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وقد أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن هذا التصعيد هو أوسع الهجمات الإسرائيلية وأكثرها فتكًا منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023، نظرًا لما يتضمنه من ارتكاب المجازر واعتماد سياسة الأرض المحروقة والتدمير الشامل لما تبقى من الأحياء والبنية التحتية.
وشدد المرصد على أن هذا التصعيد يأتي ضمن نهج إسرائيلي مستمر منذ أكثر من 19 شهرًا يتسم بالقتل الجماعي، والتجويع، والتدمير المنهجي لمقومات الحياة، والاستهداف المتعمّد للمدنيين الفلسطينيين في منازلهم ومراكز الإيواء والمرافق الحيوية.
وأوضح أن تلك السياسة تهدف إلى إفناء المجتمع الفلسطيني في غزة ومحو أي إمكانية لعودته أو إعادة بنائه ومنع استمرار وجود السكان.
وسلط الضوء على أن تلك السياسة تهدف إلى إفناء المجتمع الفلسطيني في غزة ومحو أي إمكانية لعودته أو إعادة بنائه ومنع استمرار وجود السكان.
وبحسب المرصد، فإن إسرائيل تمهد من خلال تلك الجرائم لفرض واقع استعماري بالقوة يقوم على محو السكان الأصليين وتهيئة الأرض لضمها الفعلي إلى إسرائيل، في خرق خطير لأحكام القانون الدولي، بما في ذلك حظر ضم الأراضي بالقوة.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة ضد قطاع غزة، خلفت أكثر من 174 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.