الثلاثاء 3 يونيو 2025

ثقافة

فيكتور هوجو.. «صوت الفقراء» في الأدب الفرنسي

  • 22-5-2025 | 19:21

فيكتور هوجو.

طباعة
  • همت مصطفى

حين يعلو صراخ الجوع في الأزقة الباردة، وتئن الأرواح تحت وطأة الظلم، لا يبقى للكلمات إلا أن تتحوّل إلى سيوف من حبر، تُقاتل من أجل من لا صوت لهم،ى و في قلب الأدب الفرنسي، ووسط عصورٍ تقلب فيها النبلاء على عروشهم، نهض قلمٌ شريف، لا باللقب بل بالرسالة، ليجعل من الرواية منبرًا، ومن الشعر نداءً، ومن الكلمة خلاصًا إنه الأديب العالمي  وشاعر الإنسانية الفرنسي  فيكتور هوجو

لم يكتب  فيكتور هوجو أحد أشهر أدباء القرن التاسع عشر إن لم هو في الأول  في قائمة   الأدباء العظماء آنذاك،  لم يكتب للأغنياء، بل كتب عن الفقراء، وبهم، ولهم، حتى صار صدى صراخهم في بلاط الأدب، وظلّ ضميرًا نابضًا في قلب فرنسا المتعبة،  في حضرته، لا يُمكن للأدب أن يكون ترفًا، بل رسالة، ولا للكلمة أن تكون زخرفًا، بل موقفًا ليصبح منفردا صوت الفقراء  وهو أنين أوجاعهم في العالم كله 

الميلاد والعائلة

ولد فيكتور ماري هوجو في 26 فبراير عام 1802م، في مدينة بيزانسون الواقعة في منطقة فرانش كونته، وهو الابن الثالث للسيد جوزيف ليوبولد هوجو، توفيت والدته في عام 1821م أي قبل أن يتم عشرين عامًا، وبعد عام تزوج   الأب «فيكتور» من أديل فوشيه»، وأنجب منها خمسة أطفال.

 النشأة والتعليم

كان والد فيكتور هوجو جنرالًا في جيش نابليون الإمبراطوري، وكانت والدته مع الملكية، لذلك وقع خلاف بينهما ما أدى إلى تفرقهما، وهذا ما خلق فوضى في حياة فيكتور هوجو بعد ابتعاد والديه عن بعضهما، فاتنقل مع والدته إلى نابولي ثم إلى مدريد وعادا بعدها إلى باريس، تخرج من كلية الحقوق في باريس، ولكن طموحاته كانت غير القانون، وقد ألهمته حياته وهو طالب فقير شخصية «ماريوس» في رواية «البؤساء» صاحب الحلم والشاب الثائر

ومنذ بداية «هوجو» اهتمَّ بالشعر والأدب الكلاسيكي، نشر أول ديوان شعر له في عام 1822م، أما روايته الأولى فقد نشرت في عام 1823م بعنوان هان الأيسلندي، وقد ظهر هوجو بعدّه أديبًا رومانسيًّا حقيقيًّا عندما نشر مسرحية كرومويل في عام 1827م، وفي عام 1851م هرب إلى بروكسل بسبب قيام الإمبراطورية الثانية في فرنسا.

مؤلفات أديب الفقراء

خلال مسيرة فيكتور هوجو الأدبية الطويلة نشر هوجو أكثر من سبعين مؤلفًا في الرواية والشعر والمسرح والسياسة وفي مقدمتها:

  البؤساء.. رواية تاريخية ملحمية 

 «البؤساء» نشرت في عام 1862م، وهي من أشهر ما كتب فيكتور هوجو، وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر والتى لاقت نجاح وشهرة عالمية بعد ترجمتها إلى العديد من لغات العالم وتم تحويلها إلى العديد من الأعمال السينمائية والدرامية.

وتدور أحداث الرواية عن الظلم والجشع والحب والتضحية في أحياء باريس، و تصف  «البؤساء» حياة عدد من الشخصيات الفرنسية على طول القرن التاسع عشر الذي يتضمن حروب نابليون، مركزةً على شخصية السجين السابق «جان فالجان»، ومعاناته بعد خروجه من السجن،ومحاولاته الصعبة ليكون شخصًا محترمًا في المجتمع، ويعمل على حماية ابنة «فانتين» الرضيعة، التي تم دفعها إلى الفساد من أجل الفقر.

و تعرض الرواية طبيعة الخير والشر والقانون في قصة أخاذة تظهر فيها معالم باريس، الأخلاق، الفلسفة، القانون، العدالة، الدين وطبيعة الرومانسية والحب العائلي،  لقد ألهم «هوجو» من شخصية المجرم/الشرطي فرانسوا فيدوك ولكنه قسم تلك الشخصية إلى شخصيتين في قصته.

البؤساء أو البائسون « Les Misérables»‏ هي رواية تاريخية ملحمية  يصف وينتقد «هوجو» في هذه الرواية  الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 م والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832 م  إنه يكتب في مقدمته للكتاب: «تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفًا اجتماعيًا هو نوع من جحيم بشري. فطالما توجد لامبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائمًا».

على المسرح وعلى الشاشات

وظهرت على المسرح والشاشة عبر المسرحية التي تحمل نفس الاسم وأيضًا تم إنشاء فيلم للرواية نفسها باسم «البؤساء» 2012م،  و حقق مبيعات ضخمة حتى أن تقيمه قد وصل إلى 7.6/10،و حصل على عدة جوائز، و قدمت الرواية في المسرح المصري للعديد من المؤسسات المنتجة للمسرح للعديد من المخرجين، بالمسرح الجامعي، الخاص والمستقل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومختلف قطاعات المسرح المصري.

«أحدب نوتردام».. نشرت أول مرة في عام 1831م، وهي رواية تاريخية تدور أحداثها في أكبر رمز وهيكل في باريس وهو كنيسة أو كاتدرائية نوتردام، حيثُ يقع شخص أحدب بعمل خادمًا في الكنيسة في حب راقصة غجرية تدعى إزميرالدا، وتدور أحداث الرواية حول قصة ذلك الأحدب؛ لتدل على أن الجمال في الروح لا في الجسد.

«آخر يوم لمحكوم عليه بالإعدام»  ونشرت الرواية في عام 1829م، أحدثت الرواية أثرًا كبيرًا في وقتها؛ لأنها تنتقد حكم الإعدام في ذلك العصر، حيثُ تروي تفاصيل أحداث شخص يظلمه المجتمع ويحكم عليه بالإعدام بسبب جريمة، وهو ينتظر ذلك اليوم ويقضي ساعاته وحيدًا يسرد ما مر معه في حياته بألم وحسرة.

«الرجل الضاحك» نشرت في عام 1869م، وهي رواية أحداثها حزينة وتشير إلى أفعال دنيئة، وليست من روايات اللحظة التي تميز بها هوجو، وتروي حكاية طفل تم التخلي عنه وهو في العاشرة من عمره، فقد سئم منه من احتفظوا به منذ الطفولة، لينطلق يعارك مآسي الحياة حافي القدمين وهو يتضور جوعًا.

مسرحية «كرومويل» نشرت في عام 1827م، عبارة عن مسرحية كلاسيكية تروي قصة توحد الجمهوريين والملكيين ضدَّ كرومويل، وهو اللورد حامي إنجلترا؛ لأن البعض لا يغفر له إعدام تشارلز الأول والآخرون لا يعترفون له بالتتويج، ولكن كرومويل يحبط المؤامرة، ويصل كرومويل إلى التتويج ولكن في النهاية يرفض التتويج.

«عمال البحر»  نشرت عام 1866م، وهي رواية بطولية ودرامية في نفس الوقت، تروي قصة صياد يدعى جيليات يعيش وحيدًا ويقع في حب امرأة جميلة، ويستطيع التوصل إليها رغم الصعاب والعقبات، ولكن في النهاية تهرب مع حبيبها ليعيش نهاية مأساوية أمام عمال البحار الآخرين

 «التأملات» ديوان نشر عام 1856م، وهو عبارة عن مجموعة من القصائد الشعرية، يشير هوغو فيه إلى أن التأمل هو وجود الإنسان الذي يبدأ من أحجية المهد وينتهي في أحجية القبر، وهي قصائد كتبها هوجو على مدار عشرين عامًا، وقسمها وفق تسلسل زمني خيالي

«لوكريسيا بورجينا» نشرت عام 1833م، وهي مسرحية تروي قصة امرأة بائسة، تدعى لوكيسيا بورجينا وكانت تعيش أيامها وكأنها تحفر قبرها بيديها.

«تاريخ الجريمة» نشر في جزأين في عام 1877م وفي عام 1878م، وهو كتاب تاريخي بحت ولكنَّه يقرأ على أنه رواية، إذ ألف هوجو هذه الرواية أثناء وجوده في المنفى، حيثُ وثق فيه تفاصيل انقلاب لويس نابليون ليصبح فيه إمبراطورًا لفرنسا، وأحدثت الرواية جدلًا كبيرًا بعد نشرها في باريس، وقيل إنَّه منع هجومًا على الجمهورية ونظام الحريات في فرنسا في تلك الفترة، لذلك قال هوجو إن هذا العمل أكثر من مناسب، بل من الواجب عليه نشره.

«ثلاثة وتسعون» نشرت في عام 1874م، هي آخر روايات فيكتور هوجو، تدور أحداثها حول ثورة فيندي و شوانري التي وقعت عام 1793م، وهي من الثورات المضادة في الثورة الفرنسية، وهي ثلاثة أجزاء كل جزء يتحدث عن قصة مختلفة، ويطرح فيها نظرة مختلفة عن البطولة والشرف من خلال ثلاث شخصيات مع وصف الأحداث التاريخية في باريس.

الرسام البارع .. فيكتور هوجو

وإضافة إلى نبوغ فيكتور هوجو في الكتابة والتأليف، كان  رسامًا بارعًا وماهرًا، إذ يعدُّ من أهم الرسامين والفنانيين في عصره في القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أنَّ أعماله الفنية كانت في البداية لأغراض شخصية خاصة مثل تعليقها على الجدران وما شابه ذلك، إلا أنَّها تتمتع بمكانة رفيعة في عالم الفن، ويحتوي متحفه على أهم أعماله الفنية التي يمكن عدها أعمالًا يُراد تعليقها على الحائط،، وتعتمد المجموعة الموجودة في المتحف على الرسومات الأصلية حول بول موريس وجولييت درويت،

ومن أهم رسوماته.. «برج على الصليب»، منارة كاسكيتس»، منارة إديستون»، برج الجرذان».

السنوات الأخيرة لشاعر الإنسانية

في سنوات «هوجو» الأخيرة هاجمته الأحزان، فقد ماتت زوجته عام 1868م فحزن عليها كثيرًا، وفي عام 1871م مات أحد أبنائه وفي عام 1873م مات ولد آخر له، وكان «هوجو» قد عاد إلى فرنسا بعد هزيمة في حربها مع ألمانيا وإعادة الجمهورية الثالثة عام 1871م، وأصبح نائبًا في الجمعية الوطنية، لكنه لم يستمر طويلًا واستقال خلال شهر.

ورغم تمسكه بمبادئه القديمة إلا أنه فقد طاقاته وكبر في السن، وفي عام 1878م أصيب «هوجو» باحتقان دماغي، ولكنه عاش بعد تلك الحادثة عدة سنوات، وفي عام 1885م توفي عن عمر يناهز 83 عامًا، وقد نظمت الجمهورية له جنازة رسمية له في البانثيون، حضر مراسمها مئات الآلاف من الناس.

 تكريم وتخليد ذكرى فيكتور هوجو

حاز الشاعر والروائي العظيم فيكتور هوجو على التكريم من خلال العديد من الأمور خلال حياته وبعد وفاته، فقد تكرَّم داخل فرنسا أو في خارجها كما في الولايات المتحدة الأمريكية، وفيما يأتي ذكر أهم تلك الطرق:

  • تحويل اسم الشارع الذي يسكن فيه شارع دي إيلاو إلى شارع فيكتور هوجو في عيد ميلاده الثمانين إقامة جنازة وطنية بعد وفاته في مدينة باريس، وعرض جسده تحت قوس النصر في حالة جيدة.
  • دفن فيكتور هوجو في مقبرة العظماء في باريس، وتم بناء تمثال لفيكتور هوجو في جزيرة غيرنسي التي عاش فيها منفيًا من عام 1855 م وحتى عام 1870 م، وتم تكريم هوجو في مجلس الشيوخ الأمريكي في الذكرى المئوية الثانية لميلاده في عام 2002م.

 ومن كلمات  ورسائل   فيكتور هوجو  الإنسانية من مؤلفاته نجد  الفلسفة نحو العالم والشعور بالفقراء والبسطاء  ونقرأ منها أشهر أقواله المقتبسة من أهم وأشهر مؤلفاته

  • «ما هو الحب؟ لقد التقيت في الشارع بشاب فقير للغاية كان واقعًا في الحب، كانت قبعته قديمة ومعطفه مهترئ، وكان الماء يمرُّ في حذائه والنجوم عبر روحه».
  • «لم يخرج أبدًا بدون كتاب تحت ذراعه، وغالبًا ما كان يعود ومعه اثنين».
  • الموسيقى تعبر عما لا يمكن قوله والذي يستحيل السكوت عنه، لا شيء يجعل الرجل مغامرًا مثل الجيب الفارغ».
  • «الناس لا يفتقرون إلى القوة، هم يفتقرون إلى الإرادة».
  • «الحب مثل الشجرة: إنه ينمو من تلقاء نفسه، يتجذر بعمق في كياننا و يستمر في الازدهار فوق قلب خراب».
  • «تحلى بالشجاعة لأحزان الحياة الكبيرة والصبر على الصغار، وعندما تنجز مهمتك اليومية بشق الأنفس، اذهب للنوم بسلام، فالله لا ينام».

​رحيل وأثر باق 

 لقد كان فيكتور هوجو واحدًا من أعظم الكتاب في التاريخ، وقد برعَ في مجالات عديدة كالشعر والرواية والرسم والسياسة رغم أنه درس في كلية الحقوق، وقد لمعت شهرته في فرنسا على أنَّه شاعر في المقام الأول، أمَّا خارجها فاشتهر على أنه روائي أولًا وخاصة من خلال رواية «البؤساء» و رواية أ«حدب نوتردام».

ورحل صوت الفقراء في الأدب الفرنسي فيكتور هوجو في مثل هذا اليوم في 22 مايو عام 1885م، لتمر اليوم مائة وأربعون عاما على رحيله، غير أنه سيظل باقيا ماحيينا بكل سطر خطه بقلمه في الأدب وقرأه العالم،  وترجمت مؤلفاته إلى معظم لغات العالم وتم تحويل الكثير من أعماله إلى أفلام تلفزيونية وسينمائية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة