بصوت أم يختلط فيه الألم بالإيمان، والوجع بالأمل، تحدثت السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة السابقة، بكل صدق عن قصة نجلها رامي، الذي يحاكم حاليًا في الولايات المتحدة بتهمة القتل، وكيف واجهت المحنة؟، وتحولت جراحها إلى دعوة لرفع وصمة العار عن المرض النفسي، وذلك من خلال تصريحات إعلامية، لتلهم أمهات كثيرات مررن بأوجاع شبيهة.
وبدأت السفيرة نبيلة مكرم، كلامها قائلة "الإنسان في الابتلاء يمر بمراحل: صدمة، ثم انهيار، ثم تساؤل: ليه أنا؟ وبعدها تأتي مرحلة الاستسلام لإرادة الله، ثم مرحلة الاختيار: هل سنكفر أم نتشبث برحمة ربنا؟".
ثم قالت: "قررت أتشعبط في ربنا، وواثقة في حكمه، وربنا حنين، ففي اليوم التالي يبعث لك شيئا يواسيك ويطبطب عليك بعد الانهيار.. وسيتحول الألم لبركة".
وعن مرض ابنها، قالت" لم أكن أعرف إصابة رامي بمرض الفصام إلا في عام 2021، رغم أن معاناته بدأت وهو في العاشرة من عمره، لكنه أخفى الأمر، خوفًا من رد فعلي، وقال لي لاحقًا: "مكنتيش هتفهمي، كنتي هتقولي لي روح الكنيسة أو ليه مش عايز تروح المدرسة، وأنا فعلا كنت بعمل كده"، مضيفة: "رامي حط المرض جواه وسكت".
وأوضحت أن ابنها رامي كان هادئًا جدًا في المدرسة، ما جعلهم يرونه ابنا ممتازًا، لكن في الحقيقة كان يتألم في صمت.
ثم روت قصة مؤثرة عن طالب مصري يدرس في روسيا، تراجع عن قرار الانتحار بعد مروره بأزمة نفسية؛ بسبب مبادرة الدعم النفسي التي أطلقتها بعد حادثة رامي، "اتكلم مصر معاك"، مضيفة أنها أدركت الحكمة من الابتلاء بعد هذه الرسالة، وأكملت أن ذلك الطالب قال لها: "ممكن أكتب جواب لرامي قلت له طبعا كتب رسالة صدمت بسببها، الولد كان قرر الانتحار وبيفكر في الطريقة المناسبة، يرمي نفسه ولا يتناول سم أو يفتح البوتاجاز"، وأضافت أنه كتب في الرسالة:" يا رامي أنا مدين لك بحياتي.. مامتك بسببك أطلقت مبادرة للدعم النفسي، أنا قلت أجرب، ولقيت الدكتور اللي فهمني، فأنا بقول لك لولاك أنا مكنتش هبقى عايش".
وعن يوم الحادثة، قالت: "رامي لم يصدق أنه ارتكب الجريمة، وكان يشعر بالذنب، وفي أول عيد أم بعد الحادثة لم أفكر في ابني، بل فكرت في أمهات الضحيتين، وقلت له: أنت مريض، والله يرى، وأنت لست مخطئًا، ونحن نصلي لأجل أمهات الضحايا".
وقالت مكرم: "بعد الرسالة فهمت الحكمة من الابتلاء.. ربنا لم يختر أمًا عادية، اختار وزيرة، لتكسر حاجز الصمت، وتدعو علنًا للاعتراف بالألم النفسي، وتطالب برحلة علاجية لمرضى مستشفى العباسية الذين لم يروا الشارع منذ 30 سنة".
وروت عن بداية تعليم ابنها اللغة العربية من داخل السجن، استعدادًا لعودته إلى مصر، باستخدام روايات نجيب محفوظ مثل "كفاح طيبة" و"عبث الأقدار" و"أولاد حارتنا"، وقالت: "كنت أعلمه عبر هاتف السجن، نقرأ سويًا صفحة صفحة، أترجم وأشرح، وهو يكرر، استغرقت الصفحة الأولى 4 ساعات، وكنت أمتحنه بعدها".
وأضافت أن رامي الذي قرأ أكثر من 70 كتابًا في السجن، قرر تأليف كتاب يضم 99 مقولة من خبرته في المحنة، ليهديها للشباب الذين فقدوا الأمل، وقال لوالدته إن الرقم مستوحى من رقم زنزانته.
وأشارت إلى انتهاء ابنها حتى الآن من كتابة 6 أجزاء من المقولات، لافتة إلى أن دار نهضة مصر ستتولى نشر الكتاب، وإنها ستقوم بطبع المقولات على تيشرتات، قائلة: "رامي في عز الابتلاء بيدي الأمل لناس كثيرة منهم أنا".
واختتمت حديثها قائلة: "هناك تاريخان في حياة الإنسان.. يوم ميلاده، واليوم الذي يعرف فيه لماذا جاء إلى الدنيا.. وأنا عرفت أنا جيت الدنيا عشان أزمة رامي".