في مقاطعة ألبرتا بغرب كندا، وعلى أعتاب جبال الروكي الشهيرة، تستضيف كندا في الفترة من 15 إلى 17 يونيو الجاري قادة مجموعة الدول الصناعية السبع، بالتزامن مع احتفال المجموعة بمرور خمسين عامًا على انعقاد أول اجتماع لها عام 1975، ما يضفي رمزية خاصة على لقاء هذا العام في وقت يواجه العالم تحديات سياسية واقتصادية وأمنية متنامية.
ووفق تقارير وسائل الإعلام العالمية، يستعد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، الذي تولى منصبه حديثًا، لاستغلال هذه المناسبة التاريخية في إبراز دور بلاده القيادي عالميًا، حيث وضع كارني نفسه منذ فوزه بالانتخابات صوتًا قويًا على الساحة الدولية مدافعًا عن التعددية في مواجهة السياسات الحمائية الأمريكية.
وتتصدر التوترات التجارية المشهد قبيل القمة، إذ يقود كارني جبهة عالمية لمواجهة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا على أكثر من 100 دولة حول العالم بينهم جارتها وأقرب حلفائها كندا، حيث أكد كارني مرارًا قناعته بأن هذه التعريفات خطوة خاطئة سترتد عكسيًا على الاقتصاد الأمريكي نفسه، وشدد على أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإضرار بمصالحها، بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وفي هذا السياق، استعرض رئيس الوزراء الكندي خطته للتصدي لإجراءات واشنطن التجارية "غير المبررة"، متوعدًا برسوم انتقامية لحماية العمال والشركات الكندية، في خطوة لاقت صدى لدى الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الذين يتشاركون القلق من نهج ترامب؛ فرغم تأكيد وحدة صف مجموعة السبع، لا تزال الخلافات قائمة حول التعريفات الجمركية الأمريكية المثيرة للجدل.
وأعرب الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص عن أسفه الشديد لخطط واشنطن مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات التكتل إلى الولايات المتحدة لـ50%، والتي قال ترامب إنها ستدخل حيز التنفيذ يوم 9 يونيو، واعتبر الاتحاد الأوروبي أن مثل هذه الرسوم ستقوض جهود التوصل لحل، ملوحًا باتخاذ إجراءات مضادة دفاعًا عن مصالحه التجارية.
وفي المقابل، يسعى كارني إلى بناء تحالف اقتصادي مضاد للسياسات الأمريكية، عبر توثيق الشراكة مع أوروبا وبريطانيا وغيرها من الدول ذات القيم المشتركة، بهدف تخفيف الاعتماد على السوق الأمريكية وتنويع شراكات كندا التجارية، ويشير مراقبون إلى أن الخبرات الواسعة التي يمتلكها كارني، كونه شغل منصب محافظ بنك مركزي في دولتين من دول المجموعة من قبل، تمنحه مصداقية دولية وزخمًا في قيادة هذه المواجهة.
روسيا وأوكرانيا
على صعيد آخر، يخيّم استمرار النزاع الروسي الأوكراني بظلاله على أجندة القمة، فبعد أكثر من 3 أعوام على اندلاع الحرب، ما زالت دول السبع تعتبر إنهاء الأزمة وإحلال السلام الأوروبي أولوية قصوى، وفي بادرة دعم واضحة لكييف، وجّهت كندا دعوة رسمية إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور القمة والمشاركة في مناقشاتها.
ومن المنتظر أن يستعرض زيلينسكي أمام القادة تطورات الأوضاع الميدانية والإنسانية في بلاده، إلى جانب احتياجات أوكرانيا من المساعدات العسكرية والاقتصادية، وتعكس هذه الدعوة حرص مجموعة السبع على إبداء التضامن مع أوكرانيا في وجه العمليات العسكرية الروسية، والتأكيد على وحدة الصف الغربي في دعم كييف دبلوماسيًا وماديًا.
ومن المتوقع أن يبحث القادة سبل زيادة الضغط على موسكو، سواء من خلال تشديد العقوبات الاقتصادية أو تتبع الأصول الروسية المجمّدة لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا، في وقت تظهر فيه تباينات مع الولايات المتحدة حول حجم الدعم المستقبلي المطلوب، وسط بوادر إرهاق بعض الدول من تبعات النزاع الطويل، وفقا لما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
اتفاقية التجارة الحرة
ولم تغفل كندا توسيع دائرة الحضور في قمّة هذا العام في خطوة تحمل دلالات رمزية، إذ أكد مكتب رئيس الوزراء الكندي أن كارني وجّه دعوة مفاجئة إلى الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم للمشاركة في القمة كضيف خاص، وتعد هذه المرة الأولى التي يُدعى فيها زعيم المكسيك إلى محفل قمة السبع، ما يُبرز توجه أوتاوا لإشراك جار أمريكا الجنوبي والشريك الثالث في اتفاقية التجارة الحرة.
وتأتي هذه الخطوة فيما تكثف كندا مساعيها لحماية اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والحفاظ على مصالح شركائها الإقليميين في مواجهة النزعات الحمائية الأمريكية؛ إذ ترى أوتاوا أن حضور المكسيك سيوفر منصة ثلاثية لمناقشة مستقبل الاتفاق التجاري الثلاثي ومسألة الرسوم الأميركية المثيرة للجدل بحضور جميع الأطراف المعنية، كما يأمل المسؤولون الكنديون أن تسهم هذه الخطوة في تشكيل جبهة موحدة من الحلفاء الإقليميين خلال لقاءاتهم مع ترامب على هامش القمة، بما يخدم إيجاد أرضية تفاهم في الملفات التجارية العالقة.
أجندة القمة
وعلى أجندة القمة أيضًا حزمة واسعة من الملفات السياسية والأمنية والتقنية التي تستحوذ على اهتمام دولي متزايد، إذ من المقرر أن يبحث القادة سبل تعزيز السلام العالمي والاستقرار، إلى جانب التنسيق لتحقيق نمو اقتصادي عالمي مستدام يُراعي التحديات الراهنة وأبرزها التضخم واضطرابات سلاسل الإمداد، كما ستتطرق القمة إلى قضايا التحول الرقمي ووضع أطر دولية لتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان حوكمة رشيدة للبيانات والمعلومات.
ومن المتوقع أن تولي القمة اهتمامًا متزايدًا لتكثيف الجهود المشتركة لمكافحة الجرائم المستحدثة في العصر الرقمي، حيث ستناقش تنامي عمليات قرصنة العملات المشفرة، بالإضافة إلى التهديدات السيبرانية لكوريا الشمالية، حيث أظهرت تقارير غربية مؤخرًا تورط مجموعات قرصنة مرتبطة ببيونج يانج في سرقات إلكترونية بمبالغ طائلة تجاوزت مليارات الدولارات من منصات العملات الرقمية، وتوجيه تلك العائدات لتمويل برامج التسليح الكورية الشمالية.
يذكر أن مجموعة السبع تضم أكبر 7 قوى اقتصادية عالمية، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي.