الجمعة 27 يونيو 2025

ثقافة

سميحة أيوب.. صوت الروح في مسرح الزمن

  • 4-6-2025 | 15:04

سميحة أيوب

طباعة
  • همت مصطفى

 في سجل الإبداع العربي، هناك أسماء لا تبهت، بل تزداد ألقًا مع الزمن، وهي واحدة منهم، إحدى  القمم الراسخة، والحاضرة على عرش الفن،  فهي لم تكتفِ بالوقوف على الخشبة، بل ارتقت بها، إنها ليست مجرد ممثلة، أو فنانة عادية،  بل مشروع فكري وفني وثقافي متكامل، جمعت بين الموهبة المتوهجة والثقافة العميقة، وبين الالتزام الفني والقيادة المسرحية.

وفي حضورها تتجسد مصر بقيمها وثقافتها وعبقها، فتتحول الخشبة إلى محراب، والكلمة إلى طقس، والنظرة منها بريق في عالم من الفن، وهي  ليست صفحة في كتاب الفن المصري، بل هي أحد أعمدته، وسيدة تختصر بجلالها عقودًا من التنوير، وتُعيد تعريف المسرح كحياةٍ كاملة، لا مجرد أداء.

وحين يُذكر المسرح العربي، يتقدم اسمها في الصفوف الأولى كمنارة تُضيء مساحات الإبداع والتاريخ، ليس كونها فنانة فحسب، بل كأيقونة من نور، ونبض من زمن الفن الأصيل، إنها شامخة متفردة  صاحبة مسيرة فنية استثنائية، بل تجسّد رؤية إنسانية ثرية، وموقفًا فكريًا راقيًا، وتاريخًا من العطاء الممتد والمُدهش،  لقد استحقت عن جدارة،   لقب "سيدة المسرح العربي فإنها الفنانة القديرة

مبدعة من شبرا 

ولدت سيدة المسرح العربي في حي شبرا في القاهرة، 8 مارس 1932 م وبدأت  حياتها الفنية في عام 1947م  في فيلم «المتشردة وكان عمرها 15 عاما،  ثم فيلم «حب في سنة» 1948م 

بدأت الفنانة  القديرة سميحة أيوب مشاركاتها على مستوى الاحتراف مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وبالتحديد في أوائل الخمسينيات خلال فترة دراستها بالمعهد العالي للتمثيل، ثم انضمت لفرقة «المسرح القومي»، التي انتمت إليها طوال مسيرتها الفنية.

سنة أولى مسرح

 وقفت سميحة أيوب على خشبة المسرح لأول مرة مع الفنانة سيدة الشاشة العربية  فاتن حمامة  أثناء فترة الدراسة بالسنة الأولى بالمعهد ، في مسرحية «البخيل» لموليير التي قدمت على خشبة دار الأوبرا المصرية،  وعملت مع الفنانة  سناء جميل كومبارس متكلم في مسرحية «دنشواي».

 العشق الحقيقي للمسرح

وعبر امتداد السنوات شهدت فترة الستينيات بالقرن الماضي  طفرة كبرى في المسرح المصري على يد نخبة من المبدعين الكبار في التأليف والإخراج والتمثيل، وكانت السمة الرئيسية هي العشق الحقيقي للمسرح،  وإيمان الدولة بدوره التنويري، ومن بين هؤلاء  النخبة الفنانة سميحة أيوب  قدمت خلال تلك الفترة مجموعة من أفضل أدوارها في مسرحيات.. «الفتى مهران»، «الزير سالم»، «السلطان الحائر»، «السبنسة»، «كوبري الناموس»، «سكة السلامة»، «بير السلم»، «المسامير»، وأيضا بالنصوص العالمية: «الخال فانيا»، «أنتيجون»، «الإنسان الطيب»، «دائرة الطباشير القوقازية»، «الندم»، الذباب».

 سميحة أيوب .. المخرجة المسرحية

قامت سميحة أيوب  بإخراج خمسة مسرحيات هي «مقالب عطيات، «ليلة الحنة، وثلاث مسرحيات للتصوير التليفزيوني هي: «الميت الحي»، «عقلي في المسمط،» و«روفيدة أول طبيبة في الإسلام»

مديرة المسرح القومي 

سميحة أيوب أول سيدة بالوطن العربي تتولى إدارة فرقة تابعة للدولة، وهي فرقة «المسرح الحديث» عام 1973م، كما تولت بعد ذلك إدارة فرقة المسرح القومي مرتين، الأولى خلال الفترة 1975م – 1982، والثانية خلال الفترة 1984م – 1988م

 وخلال فترة إدارة سميحة أيوب للمسرح  للقومي قدمت عروضًا متميزة حققت نجاحًا  كبيرًا وعظيمًا مثل:

«عودة الغائب» من تأليف فوزي فهمي وإخراج شاكر عبد اللطيف وبطولة محمود ياسين وعايدة عبد العزيز، «طائر البحر» لتشيكوف بطولة عايدة عبد العزيز وفاروق الفيشاوي، «دماء على ملابس السهرة» من تأليف أنطونيو باييخو، وإخراج نبيل منيب وبطولة عزت العلايلي ومحسنة توفيق، «الأستاذ » تأليف سعد الدين وهبة وإخراج جميل راتب وبطولته مع محسنة توفيق، « المهاجر» للمسرحي اللبناني جورج شحادة وإخراج عبد الغفار عودة وبطولة رجاء حسين وعايدة عبد العزيز وتريز دميان.

صفات فنانة متميزة ومتفردة 

سميحة أيوب هي السيدة المثالية صاحبة القوام الممشوق، والصوت المعبر والنبرات المميزة، ومخارج الألفاظ السليمة الواضحة، أجادت فن الإلقاء والتمثيل باللغة العربية الفصحى بنفس كفاءة تمثيلها باللهجة العامية، وذلك بالإضافة إلى تفردها في الإلقاء الشعري مما أهلها للقيام ببطولة بعض العروض الشعرية المهمة مثل: «مجنون ليلى»، «الفتى مهران» ، «رسالة إلى العدو» ، «وطني عكا» ، «قولوا لعين الشمس» ، للمبدع المتفرد نجيب سرور  الوزير العاشق، «دماء على أستار الكعبة» ، والخديوي» 

فنانة متفردة .. ومسرح للأجانب

 خلال مسيرتها الفنية شاركت ببطولة أربعة مسرحيات لمخرجين أجانب وهي: «الخال فانيا» لأنطوان تشيكوف عام 1963م ومن إخرج الروسي لسلي بلاتون، «دائرة الطباشير القوقازية» لبرتولد بريخت عام 1968م من إخراج الألماني كورت فيت، «فيدرا» للمسرحي الفرنسي جان راسين عام 1975م من إخراج الفرنسي  جان بيير لاروي، «أنطونيو وكليوباترا» لويليام شكسبير عام 1977م من إخرج الإنجليزي برنارد جوس

 تمثيل مشرف لمصر عن القوى الناعمة

 نالت سميحة أيوب شرف تمثيل مصر بالمشاركة في تقديم عروضها ببعض الدول الأجنبية والعربية وفي مقدمتها:   «إيزيس»، «فيدرا» بفرنسا ،«سكة السلامة»، ياسلام سلم الحيطة بتتكلم»، الوزير العاشق في سوريا

وفي تونس «فيدرا»، «ما أجملنا»، «الوزير العاشق»، وفي الجزائر قدمت «الوزير العاشق»، الشبكة»،« الناس اللي في التالت»، «مجنون ليلى» بالمغرب، «سكة السلامة» بالسودان، مسرحيتي  «السلطان الحائر»، الناس إللي في التالت» بالكويت ،  والعرض نفسه بالإمارات الإمارات والأردن، 

ثمار الرحلة ..تكريم وجوائز

و حصدت  سيدة المسرح العربي العديد من الأوسمة وجوائز الدولة ومن بينها: وسام الجمهورية من الزعيم عبد الناصر عام 1966، وسام باي من تونس عام 1954، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد عام 1972م،

ووسام بدرجة فارس من الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان عام 1977، وسام اللجنة المصرية للتضامن الأفريقى الآسيوى عام 1984م، جائزة الدولة التقديرية عام 2006م، جائزة العلوم والفنون من الرئيس عدلي منصور عام 2013، جائزة النيل عام 2015م
المهرجان القومي للمسرح المصري 17 ..دورة سميحة أيوب

تم تكريم الفنانة القديرة سميحة أيوب من قبل بعدد كبير من المهرجانات المحلية والدولية من بينها بمصر: الدورة السادسة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي لعام 1994م، يوم المسرح المصري في عام 1994م، الدورة الأولى لمهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الجمعية المصرية لهواة المسرح في عام 2001م، الدورة السابعة للمهرجان القومي للمسرح المصري  في عام 2014م، تكريم خاص من الفنان محمد صبحي عام 2021م، كما تم إختيارها رئيسا شرفيًا لمهرجان الإذاعة والتليفزيون في دورته عام 2021م، وحمل المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الأخيرة الـ 17 اسمها.

كرمت سميحة أيوب بجميع الدول  العربية  الشقيقة تقريبًا ومن بينها: التتويج بمهرجان قرطاج الدولي بتونس عام 1985م، صالون الجزائر الخامس للسينما والمسرح والتليفزيون عام 1999م، المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر عام 2006م، نقابة فناني الأردن بالدورة الأولى لمهرجان طقوس عام 2008م، سلطنة عمان كما أختيرت رئيسة لجنة التحكيم للدورة الأولى للمهرجان الدولي عام 2005، كما تم اختيارها لإلقاء كلمة اليوم العربي للمسرح في دورته الأولى عام 2009م.

مخلصة للمسرح العام 

 وخلال رحلتها أصرت سميحة أيوب على عدم المشاركة في أي عروض تجارية، ولم تتعاون إطلاقا مع فرق القطاع الخاص، وانحصرت مشاركاتها من خلال ستة فرق فقط هي: »القومي، الجيب، العالمي، الحديث، الحكيم، و الغنائية الاستعراضية»، بالإضافة إلى بعض المسرحيات المصورة للتليفزيون.

وشاركت سميحة أيوب في بطولة أكثر من أربعمائة وخمسين عملًا فنيًا من بينهم: تسعين مسرحية، أربعة وأربعين فيلما، ومائتي وعشرين مسلسلًا و سهرة تليفزيونية، وما يقرب من مئة وخمسة عشر مسلسلًا وسهرة إذاعية، وذلك على مدار ما يقرب من سبعين عامًا.

صوت الخشبة ووهجها وصورة للوطن

وفي زمنٍ تتبدل فيه الوجوه وتذوب فيه الملامح، رحلت  صباح اليوم سيدة المسرح العربي، الفنانة الكبيرة سميحة أيوب، عن عمر ناهز الـ93 عامًا، لكن حضورها سيظل شامخًا، لا بفنّها فقط، بل بموقفها، بمبادئها، وبذلك البريق الذي لا يُشبه سواها.

لم تكن يومًا مجرد ممثلة على خشبة المسرح، بل كانت  وستبقى  ضميرًا فنيًا حيًّا، يُجسّد معنى الالتزام، والجمال، والمعرفة.،  كانت صوت الخشبة ووهجها، وصورة الوطن حين يُحكى بفن نقيّ، وكرامة راسخة.

لقد علمتنا سميحة أيوب أن الفن ليس زينة تُعلّق على جدار الزمن، بل هو موقف وجودي ورسالة ممتدة، وقيمة تتحدى الزوال. وفي كل إيماءة من أدائها، وكل كلمة نطقتها على الخشبة أو خلف الميكروفون، كانت تكتب سطورًا من ذاكرة مصر الثقافية، وتُخلّد لحظات من النور في ذاكرة المسرح العربي.

وسيبقى اسم سيدة المسرح العربي محفورًا، كأنها صوت للروح والجسد في مسرح الزمن ليس فقط على جدران المسارح أو في أرشيف الكتب، بل في قلوب كل من آمن أن المسرح حياة، وأن هناك من يجعل من الحياة فنًا خالدًا. 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة