قال علماء وخبراء حرائق إن ما يُعرف بـ"حرائق الزومبي" – وهي حرائق تشتعل تحت طبقات الثلج وتظل كامنة طوال فصل الشتاء – قد بدأت في الاشتعال مجددًا مع ارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى بداية شرسة لموسم حرائق الغابات في كندا، خصوصًا في مقاطعة بريتش كولومبيا، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 49 حريقًا نشطًا.
وتُعرف هذه الظاهرة أيضًا باسم "الحرائق الشتوية" أو "المستمرة"، وتحدث عندما تشتعل التربة الغنية بالمواد العضوية مثل الخث والطحالب خلال الصيف، وتستمر في الاحتراق ببطء شديد تحت الأرض خلال فصل الشتاء .
وقال توماس ثيورر، الباحث في جامعة أبردين، في لقاء أجراه مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية نُشر في عدد اليوم الخميس:" إن الثلوج لا تطفئ النيران بل تعمل كعازل، مما يسمح لهذه الحرائق بالبقاء مشتعلة دون لهب حتى حلول الربيع".. مشيرًا إلى أن العلماء الآن يدرسون أسباب انتشار هذه الظاهرة وتأثيرها المحتمل على حرائق الغابات في المستقبل، خاصةً في ظل التغير المناخي وازدياد درجات الحرارة، خاصة وأن الحرائق التي تنتشر تحت الأرض تعد أصعب في مكافحتها، نظرًا لصعوبة اكتشافها والوصول إليها.
في سياق متصل، أفادت دائرة حرائق الغابات في كولومبيا البريطانية أنه بحلول منتصف الأسبوع، كان هناك 49 حريق غابات نشط في المقاطعة، والتي خمدت خلال فصل الشتاء من موسم حرائق عام 2024، وتقع جميعها في المنطقة الشمالية الشرقية بالقرب من فورت نيلسون.
وقالت جين بارون، عالمة بيئة الحرائق في جامعة كولومبيا البريطانية:" الحرائق المتبقية في شمال كولومبيا البريطانية هي أحد العوامل العديدة التي تساهم في حالة الحرائق الحالية في المقاطعة - فلو كانت الظروف الجوية أكثر برودة ورطوبة، لما كانت قادرة على العودة إلى نشاطها مرة أخرى".
وصدرت أوامر إخلاء لمناطق في كولومبيا البريطانية هذا الأسبوع، بينما تشهد ساسكاتشوان ومانيتوبا وأونتاريو أيضًا حرائق تغذيها قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.
وقد وصل دخان الحرائق إلى أوروبا والولايات المتحدة، وانتشر من نيويورك إلى ساحل الخليج. وقالت خدمة مراقبة الأرض الأوروبية كوبرنيكوس إنه من المتوقع تصاعد أعمدة إضافية في الأيام المقبلة.
كذلك، أوضحت "فاينانشيال تايمز" أن هذه التطورات هيمنت على اجتماع مجلس الوزراء الذي عقده رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في ساسكاتون في وقت سابق من الأسبوع، حيث ألتقى برجال الإطفاء والأشخاص الذين تم إجلاؤهم. كما تعرض حوالي 5% من إنتاج النفط الخام الكندي للتهديد مع إغلاق مواقع الإنتاج الرئيسية في منطقة الرمال النفطية في ألبرتا.
وتُفهم حرائق الزومبي بشكل أقل من أنواع أخرى من علم الحرائق، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنها كانت نادرة في السابق، وفقًا لما ذكره سيباستيان ويزوريك، الأستاذ في جامعة كلية كورك، مؤكدًا أنه "إذا عدنا إلى 60-100 عام مضت، لكانت حرائق الزومبي تظهر بشكل غير متكرر للغاية. لكنها الآن منتشرة في كل مكان ".
وأشارت دراسة في وقت سابق من هذا العام إلى أن حريقًا تحت الأرض يشتعل بالقرب من السطح قد ينطفئ بواسطة الرطوبة الناتجة عن ذوبان الثلوج اللاحق. لكن النار المشتعلة في أعماق التربة قد لا تتأثر بالرطوبة، التي قد تمتصها التربة السطحية أو تتبخر بسبب حرارة المادة المشتعلة في الأسفل، تاركةً الحرق الجوفي مستمرًا.
وتُعد الحرائق جزءًا طبيعيًا من دورة حياة الغابات الشمالية، لكن الاحتباس الحراري يُفاقم الظروف الجافة الكامنة وراء حرائق الغابات في نصف الكرة الشمالي.
وقال غييرمو راين، أستاذ علوم الحرائق في إمبريال كوليدج لندن:" يلعب تغير المناخ دورًا لأن الصيف يكون أكثر دفئًا ويسمح لمزيد من الحرائق بالانتقال إلى التربة، التي تجد بدورها الحماية من الثلوج، لكن الحرائق تعود في وقت أبكر عندما يكون الربيع أكثر دفئًا".
كما تُعد أراضي الخث حيوية في تخزين ثاني أكسيد الكربون، حيث تحتوي على كمية من الكربون تفوق ما تحتويه جميع غابات العالم مجتمعة. ويمكن للحرائق في مثل هذه المناطق أن تُطلق هذا الكربون المُخزن مرة أخرى في الغلاف الجوي، مما يُساهم بشكل أكبر في تغير المناخ.
وأشارت نماذج فيتشوريك وزملائه إلى أن حرائق الزومبي قد تحدث عندما يتسبب ارتفاع سريع في درجات حرارة السطح في تسخين الخث فجأةً عن طريق تنشيط الميكروبات، لتصل إلى درجات حرارة هائلة تحت الأرض دون أي شرارة أو أي اشتعال خارجي آخر.
وقال فيتشوريك: "يخشى الناس حرائق الزومبي، وهم في حيرة من أمرهم بشأن كيفية إخمادها. إنها حقًا تحت الأرض. هذا هو ما يخيفهم".
.