تعد حلب واحدة من أقدم المدن العربية في التاريخ، تقع في شمال سوريا، وتشتهر بتراثها الثقافي والمعماري الفريد الذي يعكس تعاقب الحضارات المختلفة عليها.
ويتناول كتاب "حلب: تراث وحضارة" للمفكر والباحث الفرنسي جان كلود دافيد، الذي نقلته إلى العربية الدكتورة هلا أحمد أصلان، وراجع ترجمته كاظم جهاد، مدينة حلب بوصفها واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم؛ إذ يقدم المؤلف قراءة معمقة في نشأتها وتطورها ضمن نسيجها الجغرافي والحضاري، متسائلاً عن سرّ استمراريتها عبر العصور مدينة نابضة بالحياة: أهو تعدّد الحيوات التي مرت بها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد؟ أم أنها هوية حضارية متماسكة استطاعت تجاوز التقلبات السياسية والثقافية التي عرفتها المنطقة؟
ويطرح دافيد تساؤلات حول ما إذا كانت المدينة لا تزال تحتفظ بشواهد حية من تاريخها البيزنطي والروماني والهلنستي والآرامي والحثي والأكادي، أو أن ما تبقى مجرد جدران وقطع أثرية صامتة، لا تنطق إلا بما تبقى من تاريخها.
كما يطرح الكتاب جدلية الذاكرة والهوية في السياق الحلبي، ويقترح قراءة متعددة الأبعاد للمدينة، فهي في آنٍ واحد مدينة إسلامية ومسيحية ويهودية، عربية وآرامية وأرمنية وسريانية، كما أنها مدينة متوسّطية وسامية وشرقية وغربية.
ويسلط الكتاب الضوء على خصوصية المجتمع الحلبي، بما فيها من مشاهد الانتقاء والتفضيل والرفض لموروثات الماضي، ليظهر كيف تتجلى هذه المدينة بتراثها الغني ومهاراتها الحرفية التي تكونت بعيداً عن أنماط العولمة السائدة، بل أحياناً في مواجهتها، سواء بتعايش الثقافات أو بصراعاتها.
ويسعى المؤلف من خلال قراءة موضوعية، إلى تجاوز هذه النظرة النمطية وإنصاف مدينة حلب وتراثها، بعيداً عن الأحكام الجاهزة.
وجان كلود دافيد أحد أبرز المتخصصين في الجغرافيا العمرانية والتراث الثقافي للمدن التاريخية، بدأ شغفه بمدينة حلب من أطروحة الدكتوراه التي تناول فيها "المناظر الطبيعية الحضرية في حلب"، ليعمل لاحقاً متدرباً وخبيراً، ويشارك في إعداد مخططها العمراني وحماية مدينتها القديمة، شغل دافيد مناصب بحثية في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، وكرّس مسيرته لدراسة عمارة المدن السورية ومدن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ألّف دافيد عدداً من الكتب والدراسات المتخصصة عن التراث السوري والشرق أوسطي، أبرزها: الشعلان (2019)، وحلب بوابة المشرق (2003)، ووقف إبشير باشا في حلب (1982) .
أما مترجمة الكتاب، الدكتورة هلا أحمد أصلان، فهي باحثة معمارية سورية متخصصة في تاريخ الفن وتأهيل التراث الثقافي، حاصلة على دكتوراه من المدرسة التطبيقية للدراسات العليا في باريس، واستشارية في مشاريع إعادة تأهيل الأسواق التاريخية في سورية بعد الحرب. شاركت في أكثر من ستين بحثاً علمياً، ونالت جوائز عالمية مرموقة، ومن أبرز أعمالها المترجمة: "إعادة إعمار المدن الأوروبية بعد الأزمات"، و"مدينة حلب القديمة من النشوء حتى العصور الوسطى".