الثلاثاء 24 يونيو 2025

مقالات

بناء الدولة الوطنية في مصر

  • 24-6-2025 | 15:00
طباعة

علينا هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو المجيدة 2013، التي فجّرها وقادها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتؤكد أن مصر تشهد تغييرات واسعة النطاق لبناء دولة حديثة وعصرية، وفقاً لأفضل المعايير الدولية، لتتمكن من اللحاق بركب التطورات العالمية التي يشهدها المجتمع الدولي، إيماناً من القيادة السياسية بأنه لا يمكن الانفصال عن المتغيرات العالمية. فانتقلت مصر من مرحلة تثبيت أركان الدولة وتعزيز تماسك مؤسساتها واستعادة الاستقرار، إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة والمشروعات القومية العملاقة.

بيان 3 يوليو

ثورة 30 يونيو

الأمر الذي يؤكد أن هذه الثورة العظيمة أسهمت بشكل جوهري وأساسي في تأسيس مصر الحديثة، ووقفت إلى جانب الثورات الكبرى مثل ثورة عرابي باشا، وثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، وثورة يوليو 1952 التي قادها الزعيم جمال عبد الناصر، ثم هذه الثورة العظيمة التي أبدعها جيشنا البطل بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

وقد كان الهدف الأساسي للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة من 2014 وحتى 2018، هو الحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة بمقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وترسّخ على مدار هذه الفترة أن استعادة مكانة الدولة يتطلب عملاً وجهداً متواصلين، وأن عملية البناء والتنمية مستمرة وصولاً إلى مستقبل مشرق، مع التأكيد على أن بناء مصر الجديدة القوية أصبح راسخاً في وجدان الجميع، مع الالتزام باحترام حقوق الإنسان، وترسيخ قيم التعايش المشترك والتسامح، وتأكيد التلاحم بين الدولة والمواطنين باعتبارهما أساساً لاستمرار وبقاء الدول.

12 سنة من المجد

وتأتي الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، لتحمل معها آمالاً جديدة لكافة المصريين وطموحات وآفاقاً واسعة للدولة المصرية في تحويل تلك الطموحات والآمال إلى واقع ملموس يشعر به كل المواطنين، ويتأكدون أن الدولة تبذل قصارى جهدها لرفع مستوى معيشتهم.

والذي حدث في 30 يونيو 2013 أن الملايين خرجوا إلى الشوارع في جميع المحافظات المصرية مطالبين بإسقاط حكم الإخوان. وانتشرت الموجة الثورية، وكانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية، وقام جيشنا العظيم في بيانه يوم 1 يوليو بإمهال جميع الأطراف لمدة 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين، في إطار حمايته للشرعية الشعبية.

ومع اقتراب هذه المهلة من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، اجتمعت القوات المسلحة بكافة القوى الوطنية والسياسية والأزهر الشريف، لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية.

كلمة وزير الدفاع

وفي اليوم الثالث من يوليو، ألقى الفريق عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع في ذلك الوقت، خطاباً على الهواء مُحاطاً بالقوى الوطنية، أعلن فيه عن خارطة طريق جديدة تبدأ بتعطيل الدستور، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار الجليل عدلي منصور، رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس جديد. وأنا لا أتصور لماذا لا يكتب المستشار الجليل عدلي منصور شهادته أو مذكراته عن هذه الفترة المهمة من تاريخنا؟

وكما نذكر جميعاً، فقد تقرر في ذلك الوقت، من خلال بيان القوات المسلحة والقوى السياسية، تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً للبلاد وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة تعكس حالة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا بإقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحياد، والعمل على دمج الشباب، أيضاً تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية وتمثل مختلف التوجهات.

وقد لاقت هذه القرارات ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل الرئيس الإخواني. وقد خرج الشعب مجدداً في 26 يوليو 2013 ليُعلن تأييده الكامل لجهود القوات المسلحة الباسلة ووزارة الداخلية في مكافحة الإرهاب المنظم.

خارطة طريق جديدة

وقد تم وضع خارطة طريق للمستقبل سارت مصر على خطاها والتزمت بجميع مراحلها، وأقر الشعب المصري دستوره الجديد، وذلك بعد استفتاء شعبي أُجري في يناير 2014، وانتهى بموافقة 98.1 بالمائة من الناخبين على الدستور الجديد، الذي يُعد إنجازاً كبيراً في تعزيز الحقوق والحريات، وبه تكون مصر قد أسست لشرعية دستورية وسياسية جديدة.

ثم تم إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2014، والتي تُعد الاستحقاق الثاني لخارطة الطريق بعد الدستور، وتمكن المرشح الرئاسي في ذلك الوقت، المشير عبد الفتاح السيسي، من حسم منصب رئاسة الجمهورية، والذي حصل من خلاله على نسبة 96.9بالمائة من الأصوات الصحيحة، مقابل 3.1بالمائة للمرشح الرئاسي المنافس.

وقد أقسم الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين الدستورية في الثامن من يونيو 2014، رئيساً لمصر أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، وفقاً لأحكام المادة 144 من الدستور الجديد، وبحضور الرئيس المؤقت للبلاد آنذاك، المستشار عدلي منصور، في لحظة تاريخية فريدة وفارقة في تاريخ مصر، شهدت تسليماً سلمياً للسلطة وتوقيع وثيقة تسليم السلطة في تقليد غير معهود، وثّق حقبة تاريخية جديدة.

تحديات ما بعد الثورة

وقد واجهت الدولة المصرية العديد من التحديات بعد الثورة، حيث لم تخضع لمحاولات كسر إرادتها، وانطلقت في مسيرتي البناء والتنمية جنبًا إلى جنب مع مكافحة الإرهاب. جاء بناء الإنسان المصري من خلال محاور رئيسية هي: التعليم والصحة والثقافة على رأس أولويات الدولة خلال الفترة الرئاسية الثانية، بعد أن كانت الأولوية في الفترة الأولى لبناء وتجديد البنية التحتية القومية وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وعلى الصعيد السياسي، يأتي التحرك الخارجي للدولة المصرية لعام 2019 من أجل استكمال مسيرتها في الدفاع عن المصالح الوطنية المصرية في الخارج، من خلال عملية مراجعة دقيقة لجهودها وخطط العمل والأهداف التي سعت لتحقيقها على مدار عام 2018، وتحديد الأهداف التي سوف تحرص على تحقيقها خلال عام 2019، وذلك في ظل رؤية واستراتيجية تضع ملامحها الحكومة وتقررها القيادة السياسية لكافة أجهزة ومؤسسات الدولة.

ويأتي هذا التحرك الخارجي انطلاقًا من تطورات الأوضاع الداخلية في البلاد وأولويات برنامج عمل الحكومة، وذلك خلال الفترة من 2018 حتى 2022، والتي يأتي على رأسها تحقيق التنمية الشاملة من خلال زيادة معدلات نمو الاقتصاد، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتخفيض البطالة، فضلاً عن تطوير أداء كافة القطاعات والمؤسسات بالدولة.

دولتنا وتحركها الخارجي

ومن هذا المنطلق، فقد شهد عام 2018 استمرارًا لجهود التحرك الخارجي للدولة المصرية في تأمين المصالح والأهداف الوطنية في دوائر السياسة الخارجية المصرية العربية والإفريقية والإسلامية، فضلاً عن باقي الدوائر الجغرافية الأخرى، وكذلك المحافل الإقليمية والدولية التي تنشط فيها مصر، بما يخدم تنفيذ برنامج عمل الحكومة وتحقيق أهدافه.

إن ثورة 30 يونيو كانت بداية الطريق لمصرنا الحبيبة نحو الجمهورية الجديدة، وهكذا يمكن وصف نقطة التحول التي دوّنها المصريون في سجلات الكرامة والعزة والشرف، حيث سطّروا بأحرف من نور في كتب التاريخ أنهم شعب لا يعرف المستحيل، وذلك بعدما انتفضوا في الثلاثين من يونيو عام 2013 لإعادة البلاد إلى المسار الصحيح وإنقاذ الدولة من مخاطر التفكك في ظل سياسية استقطاب نفذتها جماعة الإخوان الإرهابية، فضلاً عن محاولاتهم لمحو وطمس الهوية الثقافية والحضارية.

ثورة الإنقاذ

وتأكيدًا على ذلك، وصف بعض الخبراء الاستراتيجيين ثورة 30 يونيو بأنها "ثورة الإنقاذ"، حيث رسمت مسارًا جديدًا للعمل الوطني المصري الخالص، لتنطلق مسيرة البناء والتنمية الحديثة على كافة الأصعدة والمستويات، استنادًا إلى دعائم قوية وأسس متينة تتمثل في حالة التلاحم الشعبي والاصطفاف الوطني خلف القيادة المصرية لمجابهة كافة التحديات.

كما أكد الخبراء الاستراتيجيون أن ثورة 30 يونيو كانت البداية لتدشين مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، نقلتها من مرحلة الضياع والتفكك إلى مرحلة البناء والتنمية، كما رفعت تلك الثورة شعار العمل للحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة، فضلاً عن أنها كانت السبيل لاستعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية.

وحدة وأمن مصر

وفي هذا الإطار، قال أحد الخبراء إن ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 استطاع المصريون من خلالها أن يحفظوا وحدة وأمن بلادهم من مخططات خارجية كانت تستهدف بالأساس تقسيم مصر والتفريط في أرضها، بالإضافة إلى أن ثورة 30 يونيو كانت بداية الطريق نحو الجمهورية الجديدة، حيث شهدت فترة ما بعد الثورة تطهيرًا لأرض مصر من الإرهابيين إلى جانب خوض معركة التنمية والتعمير في كافة ربوع الوطن.

وإضافة إلى ذلك، وقوف القوات المسلحة الباسلة إلى جانب شعب مصر كان هدفه حماية إرادة المصريين ودعم متطلباتهم في مستقبل آمن ومستقر ومزدهر، علاوة على أن الثورة نجحت في عودة الوحدة الوطنية بين المصريين بعد محاولات يائسة من جماعة الإخوان الإرهابية في خلق مجتمع قائم على أساس الاستقطاب والفرقة، حيث أن ثورة الثلاثين من يونيو وقفت حائط صد أمام مخططات تستهدف التفريط في أرض مصر، حيث أجهضت تلك الثورة مخطط الجماعة الإرهابية في منح أجزاء من الأراضي المصرية لأطراف أخرى، وبقيت أرض مصر متماسكة وحرة أبية، مستعصية على أي خائن.

وقد أشاد أحد الخبراء الاستراتيجيين بما شهدته مصر بعد ثورة 30 يونيو من مسيرة تنمية شاملة وبما تحقق من إنجازات متميزة، مستعرضًا المشروعات القومية العملاقة، ومن بينها مشروع "حياة كريمة" وغيرها من المبادرات الرئاسية لصالح المواطنين، فضلاً عن مشروعات إنشاء المدن الجديدة والمدن الذكية.

إعادة اكتشاف الذات

كما أن الدولة المصرية بعد الثلاثين من يونيو استطاعت إعادة اكتشاف ذاتها وإمكاناتها، وسخرت مواردها بما يعود بالنفع على شعبها ومحيطها. أيضًا ما شهدته مصر خلال السنوات العشر الماضية في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي من إنجازات تفوق الخيال.

وبعد ثورة يونيو، رسمت خطتها المستقبلية واضحة المعالم "رؤية مصر 2030"، فضلاً عن إطلاق المبادرات الرئاسية التي غيرت وجه مصر وهيأت الطريق نحو الانطلاق إلى الجمهورية الجديدة.

وقال أحد الخبراء إنه لا يمكن فصل ثورة الثلاثين من يونيو أو تقييمها بعيدًا عن ما حدث في الخامس والعشرين من يناير عام 2011، حيث خرجت شريحة كبيرة من المصريين ينادون بتغيير وجه مصر إلى الأفضل، وفي الوقت نفسه تم الزج بعناصر تريد أهدافًا غير التي نادى بها المصريون الوطنيون.

إن وقائع التاريخ القديم والأيام الراهنة والأوقات التي عشناها تؤكد أن الشعب المصري يمتلك حسًّا وطنيًا ووعيًا حقيقيًا، وشعر المصريون أن ثورتهم قد اختُطفت في اتجاه لا يريدونه، ليبدأ المصريون في الحشد من جديد بهدف استعادة ثورتهم وإزاحة مختطفيها من المشهد وإسقاط نظام الإخوان.

30 يونيو إنجاز نادر

إن المصريين قد نجحوا نجاحًا مبهراً في الثلاثين من يونيو، عكس كل ما توقعه جميع دول العالم، وُصف الشعب المصري بأنه البطل الحقيقي، حيث وقف المصريون أمام نظام له توجهاته الخارجية، واستطاعوا إسقاطه. وقد لعبت القوات المسلحة المصرية دورًا فعالًا في الانحياز لصالح الشعب المصري، حيث حمت القوات المسلحة إرادة المصريين، وأمنت المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة الثلاثين من يونيو.

إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع وقتها، والتي وجهها للمصريين لمنحه تفويضًا لمكافحة الإرهاب المحتمل، كانت خطوة مهمة تعكس وعي ورؤية قواتنا المسلحة للمشهد في ذلك الوقت، حيث لبّى المصريون نداء القوات المسلحة، وامتلأت الميادين والشوارع عن آخرها ثقة من المصريين في قواتهم المسلحة وقائدها وقتها المشير عبدالفتاح السيسي.

إن الدولة المصرية سارت بعد ثورة الثلاثين من يونيو في مسارات عدة، أبرزها المسار الأمني الذي تمثل في مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب المسار التنموي، حيث شهدت البلاد طفرة عمرانية وتنموية غير مسبوقة في تاريخها، فضلاً عن العمل على تحديث القوات المسلحة المصرية ومنظومات التسليح المختلفة.

إنها أيام تاريخية مرت بها مصر واستقرت في الذاكرة الوطنية المصرية لتبقى إلى الأبد، ومن المؤكد أنها ستظهر جلية وواضحة في أعمال أدبية وفنية وتسجيلية ستبدعها العقلية المصرية النادرة.

أنا لا أتصور لماذا لا يكتُب المستشار الجليل عدلي منصور شهادته أو مذكراته عن هذه الفترة المهمة من تاريخنا؟

المستشار عدلي منصور

الرئيس السيسي يؤدي اليمين الدستورية في المحكمة الدستورية العليا

رسمت ثورة 30 يونيو مساراً جديداً للعمل الوطني المصري الخالص، لتنطلق مسيرة البناء والتنمية الحديثة على كل الأصعدة والمستويات استناداً إلى دعائم قوية وأسس متينة

الرئيس عبد الفتاح السيسي

بناء مصر الجديدة القوية أصبح راسخاً في وجدان الجميع، وكان التلاحم الشعبي والاصطفاف الوطني خلف القيادة المصرية أهم ملامح المرحلة

الثورة العرابية

سعد زغلول وثورة 1919

جمال عبد الناصر

ثورة 30 يونيو كانت البداية

لتدشين مرحلة مفصلية في تاريخ مصر نقلتها من مرحلة الضياع والتفكك، إلى مرحلة البناء والتنمية

الاكثر قراءة