شكلت ثورة 30 يونيو 2013 تحولًا حاسمًا على المستوى السياسي، وأيضًا في المشهد الثقافي المصري، فأسفرت عن تحولات عميقة في أشكال التعبير الفني والأدبي، ووسائل التواصل، وفي تعريف المثقف ذاته، وبينما كانت الثورة تعيد ترتيب البنية السياسية، أنتجت في الوقت ذاته أدوات ثقافية جديدة تعكس روح المرحلة وتواجه محاولات طمس الهوية المصرية.
في ضوء ذلك بدت ظواهر إبداعية غير مسبوقة من الشعارات التي تحوّلت إلى قصائد شعبية، وفن جرافيتي غزا الجدران، وصولًا إلى "الإعلام البديل" الذي قضى على احتكار الرواية الرسمية، كما أعادت الثورة تعريف المثقف، فلم يعد مقصورًا على النخبة التقليدية، بل امتد ليشمل الشباب الرقمي الذي حوّل منصات التواصل الاجتماعي إلى منابر للفكر والفن.
وفي حوار مع الروائي د. السيد نجم، نستكشف كيف تحوّل الغضب الشعبي إلى إبداع، وكيف استطاعت ثورة 30 يونيو أن توثّق لحظة فارقة في التاريخ المصري، عبر صنع لغة بصرية ولفظية جديدة عبّرت عن هوية مصر المتماسكة في مواجهة محاولات التشويه. هنا، حيث وُلد مشهد ثقافي جديد، ترك بصمته على جدار الزمن.
-كيف ترى تأثير ثورة 30 يونيو في الحفاظ على الهوية المصرية؟
"بدايةً، لا يمكن فصل الهوية المصرية عن قيم الوسطية والاعتدال التي تشكلت عبر آلاف السنين، وما حدث في فترة حكم الإخوان كان محاولة لفرض هوية مغايرة تناقض هذه القيم الجوهرية، من تشدد وعدم تباسط بل وتعقيد فى أمور الدنيا والدين، بحيث جعلت الجماعة الاخوانية أميز ما تتميز به الشخصية المصرية سبة وعيب يجب محاربته، وكل ذلك بدا جليًا في مواجهة مثقف مصرى شاب جديد يسعى بحرص وقوة للحفاظ على هويته.. فجاءت الثورة كرد فعل طبيعي للحفاظ على الشخصية المصرية بكل ما تحمله من سمات كالمرح والكرم وحب الحياة".
-وكيف تجلت هذه المقاومة للهوية المغايرة؟
لقد برز دور جيل جديد من المثقفين غير التقليديين، أضافته التقنية الرقمية، وأعنى إلى مفهوم مصطلح المثقف، فلم نعد نتحدث فقط عن الأدباء والفنانين، بل عن شباب تقنيين استطاعوا توظيف الأدوات الرقمية في الدفاع عن الهوية، وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي ساحة حقيقية للمواجهة الفكرية، حيث تحولت الشعارات الافتراضية إلى واقع ملموس في الميادين.
-هل تشرح لنا دور الشعارات في هذا السياق؟
أوجزت الشعارات التى انتشرت بسر التقنية الرقمية مجمل توجهات العامة والخاصة للحفاظ على الهوية، والشعارات الثورية لم تكن مجرد كلمات، بل كانت أعمالًا فنية بحد ذاتها، جمعت بين الفصحى والعامية، وتميزت بإيقاع موسيقي جذاب، هذه الشعارات مثلت وعيًا جمعيًا، كما حلل جوستاف لوبون تأثير الدعاية في تشكيل الرأي العام، وحملة "تمرد" خير مثال على كيف يمكن للشعارات المدروسة أن تجمع 22مليون موافقة على ﺇسقاط محمد مرسى وتحشد الملايين".
-وماذا عن الجانب الثقافي والإبداعي للثورة؟
شهدنا ولادة أشكال تعبيرية جديدة، الجرافيتي الذي تحول من فن هامشي إلى لغة شعبية، والكاريكاتير الساخر الذي أصبح سلاحًا في مواجهة التطرف، والصفحات الإلكترونية التي وثقت الأحداث بلغة الشباب، كل هذه الأشكال أثبتت أن الثقافة المصرية ليست متحفًا للآثار، بل كائنًا حيًا يتجدد باستمرار.
-برأيك، ما هو الإرث الثقافي الأهم لثورة 30 يونيو؟
الإرث الأهم هو إثبات أن الهوية المصرية قادرة على تجديد أدوات دفاعها، لقد استطعنا توظيف التقنية الحديثة لحماية قيم تراثية أصيلة الأهم من ذلك، أن الثورة علمتنا أن الثقافة ليست ترفًا، بل يمكن أن تكون سلاحًا فعالًا في معركة الحفاظ على الذات الوطنية. هذا الدرس هو ما يجب أن نحمله للأجيال المقبلة.
