الأربعاء 30 يوليو 2025

تحقيقات

"لله درك يا ابن عباس".. موضوع خطبة الجمعة اليوم

  • 11-7-2025 | 09:31

مصلون

طباعة
  • محمود غانم

تأتي خطبة صلاة الجمعة، اليوم، تحت عنوان: "لله درك يا ابن عباس"، حيث يستهدف هذا الموضوع التوعية بخطورة الفكر الضال وكيفية التصدي العلمي له، وفقًا لوزارة الأوقاف.

وفيما يلي نص خطبة صلاة الجمعة:

الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، هدى أهل طاعته إلى صراطه المستقيم، وعلم عدد أنفاس مخلوقاته بعلمه القديم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وتاج رؤوسنا، وقرة أعيننا، وبهجة قلوبنا محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإننا نقف اليوم وقفة تأمل عند حادثة عظيمة، ومناظرة فريدة، سطّرها التاريخ الإسلامي بمدادٍ من نور؛ إنها مناظرة الصحابي الجليل، حَبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع الخوارج. تلك الحادثة لم تكن مجرد سجالٍ عابر، بل كانت رحمةً من الله، ونموذجًا يُحتذى به في التعامل مع الفكر الضال، وسبيلًا لانتشال الأمة من هوة الشقاق والخلاف.

لقد خرج الخوارج عن جماعة المسلمين، شقّوا عصا الطاعة، وكفّروا بالمعصية، واستحلّوا الدماء، ظنًّا منهم أنهم يحسنون صنعًا، وأنهم على الحق المبين. عميت أبصارهم عن فهم مقاصد الشرع، وتحجّرت قلوبهم عن سماع صوت الحكمة، يفهمون الظواهر ويغفلون عن الجواهر، يركّزون على الحرف ويتركون الروح. وقد نتج عن ذلك أن قامت تيارات فكرية في زمان سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، بتكفير المجتمع، وحمل السلاح في وجهه.

أيها الكرام، يشاء الله أن يُقيم سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في زمانه نموذجًا فريدًا في الجرأة والوضوح في مواجهة هذا الفكر المنحرف؛ فقام يناقشهم، ويُفند باطلهم، ويرد عليهم في كل النقاط التي تطرفوا فيها، من مسائل الحاكمية، والولاء والبراء، والتكفير، واستحلال الدماء، والغلظة في الفهم. وقد ضرب رضي الله عنه مثلًا للعالم الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، والذي لا يترك الساحة للفكر المتشدد حتى يعيث فيها فسادًا.

لقد بيّن لهم، قولًا وفعلًا، أن فكر التطرف في حقيقته قُبحٌ شديد، قُبح يعتدي على كل ما في الشريعة من نورٍ ورحمة وسعة وجمال، وأن ما يحمله هذا الفكر من عنفٍ في المظهر، وغلظة في الفهم، وضيق في الأفق، لا يمتّ إلى هدي الإسلام بصلة، وإنما هو غلوٌّ مردود، تُحصَّن المجتمعات من شرّه بالعلم والحوار والبيان.

أيها الناس، هذه رسالة إلى أصحاب الفكر المنحرف: هل أنتم حقًّا تفهمون حكم الله؟ سؤال إلى خوارج العصر: هل سألتم أنفسكم حقًّا، هل الرحمة تتجسَّد في قتل الأبرياء، وتدمير الأوطان، ونشر الخوف والرعب بين الناس؟ ألم يقل ربُّ العزة في كتابه الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}؟

أيَّتُها الأمة المرحومة، لقد امتدّ هذا الإشكال إلى واقعنا المعاصر، فقامت تيارات متطرفة في زماننا، نتيجة هذا الفهم السقيم، بتكفير المسلمين، مما يُوصلنا إلى أن نصبح أمام منهجين:

منهجٌ فكريٌّ مستقيمٌ مستنير، يقابله منهجٌ فكريٌّ سقيمٌ مضطربٌ، مفعمٌ بالتشنج، غاضبٌ مندفعٌ عدوانيٌّ، عنده حماس للفهم دون فقه، ولا بصيرة، ولا أدوات، ولا تأهيل.

ويظهر هذا الفكر عبر الزمان على هيئة موجات متتالية، وكلما مضت عدة أجيال، برزت منه موجة جديدة ببينة مغايِرة، وتحت شعار واسم جديدين، لكنها تستصحب طريقة التفكير بعينها، وتعيد نفس المقولات والنظريات، وترتكب الأخطاء الفادحة في فهم الوحي بعينها.

أيها الكرام، لقد أثمرت هذه المناظرة المباركة ثمارًا عظيمة، حيث رجع من الخوارج ما يقارب ألفين أو ألفين وخمسمئة رجل، وهو عدد هائل في ذلك الوقت، وهذا يدل على قوة الحجة، وصفاء المنهج، وتوفيق الله لمن قام بواجب البيان.

فكيف واجه ابن عباس التطرف في زمانه؟ واجهه بالعلم الراسخ، والفهم العميق، والحوار الهادئ، والبيان الشافي، بعيدًا عن الغلظة والشدة في بداية الأمر، وإنما بالحجة التي تقيم الدليل وتوضح السبيل، ليعلمنا ابن عباس رضي الله عنهما دروسًا بليغة في مواجهة التطرف في كل زمان ومكان، وأنه لا يُواجه بالشدة والعنف إلا بعد استنفاد كل وسائل الحوار والبيان.

فلله درُّك يا ابن عباس.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها المؤمنونَ، إنَّ الضمير جوهر روحاني، ووارد قلبي، يحكم تصرفات الإنسان وتفكيره، ويدلُّه الله به على الخير والشر، ويرشده به إلى رضاه، لذلك سعى الإسلام إلى تربية المسلم على يقظة الضمير، والخوف من الله ومراقبته، وتذكيره في كلّ أحوالِه بأنَّ هناك ربًّا جلَّ شأنه، لا يغفل، ولا ينام، ولا ينسى، وإلى هذا الحال قد أشار سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديثِ جبريل - عليه السلام: «قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

عباد الله، اعلموا أنَّ منهج الإسلام في تربية الضمير، وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس ضمان لسعادة الأفراد والمجتمعات والدول، وأنه بغياب الضمير لن يكونَ إلا الشقاء، والفشل إداريًّا واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا؛ لأنَّه مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناس، لا بدَّ من سبب النجاح في ذلك كله، ألا وهو: «يقظةُ الضمير»، في الأقوال والأفعال، بل وحتى في المشاعر وأعمال القلوب.

أيها الناس، ازرعوا في قلوب أولادكم أنَّ الضمير هو المانع لكل وجوه الفساد، فهو المانع للموظف أن يرتشي، أو يسرق، أو يختلس، والكاتب أن يُزوِّر ويدلِّس، والطبيب أنْ يهمل في علاج مريضه، والمعلِّم أن يقصِّر في واجبه، والمرأة أن تفرِّط بواجبها، والتاجر من أن يغشَّ، ويحتكر، ويدلِّس في تجارته، وهكذا في كل مجال؛ إذا حيا الضمير تكون السعادة والإصلاح، وإذا غاب الضمير، يكونُ الفشل والفساد.

اللهم أصلح فساد قلوبنا، وانشر في بلادنا بساط الأمن والرخاء والسكينة والإخاء.

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة