يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، واسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين، والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري»
ونلتقي اليوم مع الدكتور كمال عيد .. «صانع النهضة المسرحية»
كان وسيظل الأستاذ الدكتور والعالم الجليل وهو المخرج المسرحي الكبير كمال الدين عيد، أحد رموز الإبداع الفني وأحد رواد النهضة المسرحية الحديثة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فهو أثرى الحياة الفنية والثقافية بصفة عامة، و المسرحية بصفة خاصة في الوطن العربي، بالكثير من إبداعاته وإنتاجه الفني والأدبي، مؤلفا ومترجمًا ومخرجا حتى يظل رغم رحيله عن عالمًا نجما لامعا في سماء المسرح المصري والعربي.
بداية الرحلة والمشوار
ولد المبدع كمال الدين عيد، عام 1931م، وتخرج في المعهد العالي للتمثيل عام 1952م، بدأ حياته العملية بالعمل كمفتش للمسرح المدرسي بالإسكندرية عام 1955م، ثم انتقل للعمل كمفتش للمسارح والملاهي بمصلحة الفنون.
وأرسل في بعثة دراسية إلى دولة المجر، ليحصل على بكالوريوس أكاديمية الفنون المسرحية عام 1962م، ثم حصل على درجة الماجستير في الآداب الدرامية من جامعة «بودابست» عام 1970م
حصل كمال عيد على درجة الدكتوراة في فلسفة الآداب الدرامية من أكاديمية العلوم المجرية عام 1974م، وبعد عودته عين مخرجًا بالمؤسسة المصرية للمسرح والموسيقى، ثم عين وكيلًا للمعهد العالي للفنون المسرحية.
قيمة فنية مهمة في المسرح العربي
قدم كمال عيد مساهمات بارزة وقيمة ومهمة في إثراء مسيرة الفن المسرحي بعدة دول عربية شقيقة، سواء عن طريق التدريس بالجامعات والمعاهد الفنية، أوعن طريق تأسيس بعض الفرق والإشراف على التدريب العملي لأعضائها وإخراج بعض عروضها، بالإضافة إلى تأسيسه لقسم الفنون المسرحية بجامعة بابل.
أحد أعمدة النقد المسرحي
كمال عيد أحد هو أعمدة النقد المسرحي وتدريسه، أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب والأبحاث والمقالات، ما بين التأليف والترجمة، أصبح أغلبها مراجع مهمة لكل دارس ومتذوق لفنون المسرح، وتناولت مؤلفاته جوانب متخصصة في علوم المسرح، منها: «المسرح الاشتراكي»، «المخرج المسرحي»، «المفاهيم السيكولوجية في مسرح الطفل»، «أعلام ومصطلحات المسرح الأوروبي»، «دراسات في الأدب والمسرح»، «زوايا جديدة في الدراما»، «المعمل المسرحي»، «سينوغرافيا المسرح عبر العصور».
وألف كمال عيد أيضًا: «ومناهج عالمية في الإخراج المسرحي»، «قضية الأوبرا بين التقليدية والتجديدية»، «اتجاهات في الفنون المسرحية المعاصرة»، «أعلام ومصطلحات المسرح الأوروبي»، «علم الجمال المسرحي»، «علم الدراما شيء وعلم الدراماتورجيا شيء آخر»، وغيرها الكثير.
صانع النهضة المسرحية الحديثة
ويعد كمال عيد أحد رموز الإبداع الفني في مصر وخارجها، وأحد رواد النهضة المسرحية الحديثة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، فقد وضع مع زملائه المبدعين من المسرحيين، منهم «كرم مطاوع، سعد أردش، جلال الشرقاوي، كمال ياسين، سمير العصفوري»، وغيرهم من شباب المسرح المصري آنذاك، البنات الأولى للنهضة، مستفيدين من دراساتهم في الخارج ومسلحين بإيمانهم بدور المسرح في تطوير المجتمع.
كنوز في الإخراج المسرحي
أخرج كمال عيد الكثير من المسرحيات، وكانت بداية مسيرته الفنية من خلال المسرح، حيث قام بإخراج مسرحية «ثم تشرق الشمس» عام 1962م، ومن أبرز مسرحياته: «سهرة مع تشيكوف»، «شفيقة ومتولي»، «الضفادع»، «طبول في الليل»، «مشهد من الجسر»، «أهلا فأر السبتية»، «الأستاذ»، بالإضافة إلى عروض مسرحية أخرى قدمت بالثقافة الجماهيرية.
وانتقل كمال عيد للعمل في السينما في الثمانينات في القرن الماضي، حيث كانت أول أعماله فيلم «وقيدت ضد مجهول» عام 1981 م كمدير تصوير، ثم فيلم «الخط الساخن» عام 1986م، ومن أبرز أعماله أيضًا «موعد مع الذئاب، جواز مع سبق اﻹصرار»، وسافر إلى المملكة العربية السعودية في التسعينيات، حيث شارك بتدريس العلوم المسرحية بجامعة الملك سعود بمدينة الرياض، قبل أن يعود إلى مصر عام 2001م، واستقر بها كأستاذ للنقد المسرحي في العديد من الأكاديميات والمعاهد الفنية بمصر.
حصاد و ثمار الرحلة
حصل كمال الدين عيد على العديد من الجوائز والتكريمات، منها: تكريم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية عام 2016، باعتباره أحد رواد المسرح المصري، جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2018.
وللعالم الجليل والأستاذ كمال الدين عيد، أحد أيقونات القوى الناعمة والمسرح المصري في تاريخ مصر الحديث، تلاميذ كثيرون بامتداد مختلف دول الوطن العربي، فقد قام بالتدريس في أغلب معاهد الدول العربية للفنون، وأشرف على رسائل الماجستير والدكتوراه في المعاهد والجامعات العربية المختلفة، وهو من سيبقى أثره رغم رحيله عنا في هذه الحياة بفنه وعلمه الزاخر الذي تركه بيننا.
ورغم أننا نشهد اليوم الذكرى الثالثة لرحيل الأستاذ والمعلم وصانع صانع النهضة المسرحية الحديثة حيث غيبه الموت صباح يوم 14 يوليو 2022م، لكنه سيظل باقيا في ذاكرة المسرح المصري والعربي وفي ذاكرة طلابه.