ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في عددها الصادر اليوم السبت، أنه في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المنكوب بلا هوادة، بدأت أصوات دولية متزايدة، وإن كانت من دول صغيرة نسبيًا، تتحدى سياسات تل أبيب، في محاولة لفرض قيود على حربها الشعواء في غزة.
وبينما يشكك مراقبون في تأثير هذه الضغوط على المدى القريب، يرى آخرون، حسبما قالت الصحيفة في سياق تقرير، أنها قد تمثل بداية لتحول عالمي في التعامل مع إسرائيل. وفي خطوة لافتة، دعا بابا الفاتيكان البابا ليو الرابع عشر أمس الأول إلى "وقف فوري لإطلاق النار" في غزة، بعد غارة إسرائيلية أصابت الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في القطاع، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين كانوا يحتمون بداخلها وإصابة عشرة آخرين.
ورغم وصف السلطات الإسرائيلية للحادث بأنه "ذخيرة طائشة"، عبّر البابا عن حزنه العميق للخسائر التي لحقت بالمجتمع المسيحي الصغير في غزة، داعيًا إلى "الحوار والمصالحة"، في وقت تستمر فيه المفاوضات الهشة حول هدنة بين إسرائيل وحركة "حماس".
وأضافت "واشنطن بوست" أن هذه الدعوات لا تزال أقرب إلى الأمنيات، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي المتواصل لمواقع في غزة، بل وامتداد العمليات إلى سوريا، حيث تقول إسرائيل إنها تستهدف حماية الأقلية الدرزية من هجمات طائفية، فيما يرى محللون أن هذه التحركات تهدف أيضًا لترسيخ نفوذ إسرائيل في مرحلة ما بعد سقوط النظام هناك.
أما على الصعيد القانوني، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن إسرائيل تكبدت ضربة جديدة بعدما رفضت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي طلبًا لسحب أوامر توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023. وردّت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على بعض قضاة ومدعين في المحكمة، في محاولة للضغط عليها.
في المقابل، حقق وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر ما وصفه بـ"انتصار دبلوماسي" خلال اجتماعاته مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل، بعد أن نجح في إقناع الاتحاد الأوروبي بتجنب فرض عقوبات على إسرائيل، رغم تقييم سابق أشار إلى احتمال انتهاكها التزامات حقوق الإنسان.
إلا أن هذا الموقف الأوروبي أثار غضب منظمات حقوقية، حيث وصفت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار تراجع بروكسل عن العقوبات بأنه "لحظة مخزية في تاريخ الاتحاد الأوروبي" و"خيانة قاسية وغير قانونية لمبادئه".
ومؤخرًا، برزت ثلاثة دول أوروبية هي إيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا كرأس حربة في مواجهة إسرائيل. فقد اتهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، دولة الاحتلال بارتكاب "إبادة جماعية"، بينما يمضي البرلمان الإيرلندي قدمًا نحو تشريع يحظر التجارة مع مستوطنات الضفة الغربية وأعلنت سلوفينيا حظر دخول وزيرين إسرائيليين متشددين إلى أراضيها، في خطوة وصفتها وزيرة خارجيتها تانجا فايون بأنها "غير مسبوقة في الاتحاد الأوروبي".
وبحسب "واشنطن بوست"، فإنه رغم هذه التحركات، يرى محللون أن تأثيرها الفعلي قد يكون محدودًا، خاصة مع استمرار تردد القوى الأوروبية الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا في اتخاذ مواقف مماثلة، في وقت تتلاشى فيه مبادرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإحياء فكرة الدولة الفلسطينية.
كما استضافت جنوب أفريقيا، التي تقود قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وحكومة كولومبيا اليسارية، جلسة مجموعة لاهاي. واختتمت أعمالها يوم الأربعاء الماضي بموافقة 12 دولة على تنفيذ مجموعة من التدابير "لتحجيم" إسرائيل. وتشمل هذه التدابير منع وصول الأسلحة إلى إسرائيل وحظر السفن التي تنقل هذه الأسلحة ومراجعة العقود العامة مع الشركات المرتبطة باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
واختتمت الصحيفة تقريرها بقول إن الأيام الأخيرة شهدت انضمام دول أخرى لمؤتمر دولي يسعى إلى فرض ضغوط دبلوماسية على إسرائيل، وهي بوليفيا وكولومبيا وكوبا وإندونيسيا والعراق وليبيا وماليزيا وناميبيا ونيكاراجوا وعُمان وسانت فينسنت والجرينادين وجنوب أفريقيا. ورغم أن هذه القائمة لا تضم قوى كبرى قد تثير القلق الحقيقي لدى قادة تل أبيب، اعتبر منظمو المؤتمر أن الخطوة تمثل بداية تحرك عالمي أوسع، قد يمهد لاحقاً لزيادة الضغط على إسرائيل دبلوماسيًا واقتصاديًا.