من وحى توحدنا لتحقيق حلم المونديال؟
بقلم – عبدالقادر شهيب
- لو اخترنا صورة تجسم حالة التماسك الوطنى لن أجد أفضل من صورة توحد كل المصريين جميعاً.. رجالا ونساء.. كبارا وصغارا.. أغنياء وفقراء.. مؤيدين ومعارضين.. على هدف واحد ولتحقيق حلم واحد طال انتظاره، هو حلم وصول منتخبنا الوطنى إلى مونديال موسكو لكرة القدم.. كانت ذروة هذه الصورة الجميلة بعد أن نجح اللاعب الفذ محمد صلاح فى إحراز ضربة الجزاء، وإمساكنا مجددا بالأمل الذى يراود عموم المصريين منذ نحو ٢٨ عاما مضت، وكاد يفلت منا عندما أحرز منتخب الكونغو هدفه ليتعادل وقتها مع منتخبنا الوطنى.. وعندما انطلقت صفارة الحكم تعلن انتهاء المباراة وفوز مصر وصعودها لمنافسات كأس العالم فى موسكو جمعتنا جميعا فرحة غامرة، رغم اختلاف مشاربنا وانتماءاتنا الاجتماعية والدينية والعرقية والفكرية والسياسية، ورغم اختلاف جنسنا وأعمارنا.. لقد وحدتنا الفرحة، مثلما وحدنا حلم المونديال وأمل الوصول إليه من قبل..
كانت لحظة جميلة مفرحة للتماسك الوطنى.. نسينا فيه خلافاتنا وأوجاعنا ومشاكلنا وهمومنا وحتى آلامنا، ولم نتذكر فيه سوى وطننا واسمه وعلمه ونشيده الوطنى وكيانه ومكانته.. جمعنا الأمل والحلم. ووحدنا التحدى.. ولم شملنا الإحساس بالفرحة الغامرة.
هذا التماسك الوطنى نحتاجه وبشدة ونحن نواجه تحديات أخرى أشد.. ونتصدى لتحقيق حلم أكبر من حلم المونديال.. ونخوض حربين فى وقت واحد.. فنحن نخوض حرباً شرسة فقدنا فيها شهداء غالين أعزاء ضد إرهاب منظم معولم يلقى دعما إقليميا وعالميا، ابتداءً من التمويل إلى توفير الملاذ الآمن، مروراً بالتسليح، وهو الأكثر وحشية من أى وكل إرهاب سبق أن واجهناه من قبل.. وفى ذات الوقت نحن نواجه تآمرا علينا يستهدف النيل من كيان دولتنا الوطنية لتقويضها فى إطار مخطط واسع يرمى إلى تقسيم الدول الوطنية فى منطقتنا إلى كيانات قزمية صغيرة، يسهل السيطرة وفرض الهيمنة عليها والتدخل فى شئونها وفرض الوصاية على شعوبها.. ورغم تغير ساكنى البيت الأبيض الأمريكى، إلا أنه مازالت هناك شخصيات وقوى ومؤسسات نافذة ومؤثرة فى الولايات المتحدة مازالت مقتنعة بجدوى هذا المخطط وأنه يحقق المصلحة الأمريكية وينبغى الاستمرار فى تحقيقه بوسائل وخطط جديدة، أو على الأقل حرمان دول منطقتنا من الاستقرار الذى نحتاجه لكى نمضى قدما فى حل مشاكلنا وبناء نهضتنا وتحقيق آمال شعوبها فى حياة حرة كريمة.
والخبرات التى تحصلنا عليها وتراكمت لدينا على مدى السنوات القليلة الماضية تؤكد لنا أهمية هذا التماسك الوطنى لنا فى هذا الوقت الذى نخوض فيه تلك الحرب المزدوجة ضد الإرهاب وضد مخطط استهداف كيان دولتنا الوطنية.. لقد تخلصنا من حكم الإخوان الفاشى المستبد عندما توحدنا جميعا وحافظنا على تماسكنا الوطنى بكل ما لدينا من قوة، فى مواجهة محاولات مخططة وممنهجة استهدفت ضرب هذا التماسك الوطنى.. تارة بمحاولات التحريض على الشرطة أولا ثم القوات المسلحة ثانيا.. وتارة أخرى بمحاولات إثارة الفرقة بين المسلمين والمسيحيين بالاستهداف المركز للمنشآت المسيحية خاصة الكنائس.. وتارة ثالثة بالسعى لتحويل الخلاف السياسى الطبيعى داخل المجتمع، والموجود فى كل البلاد، إلى صدام عنيف وفراق نهائى بين الفرقاء السياسيين.. لذلك كان لافتا للانتباه أن تستعيد الشرطة قدراً لا بأس به من ثقة الناس فى ظل إدراكهم أن تجاوزات بعض رجالها ليست تجاوزات ممنهجة، وأن من يرتكبها تجرى محاسبته، وأن تظل القوات المسلحة تحظى باحترام وتقدير عموم المصريين، رغم كل محاولات التشكيك فيها وفى جدوى عملية تحديثها وتزويدها بأحدث الأسلحة الآن.. وأيضا أن تبقى علاقات المسلمين والمسيحيين قوية لا تهتز رغم كل ما حدث من أجل تعكير صفو هذه العلاقات، ورغم استهداف كنائس المسيحيين وحياة الكثيرين منهم بعدة عمليات إرهابية متتالية.. وكذلك ألا يستجيب عموم المصريين لتلك الدعوات التى لم تتوقف طوال السنوات الأربع الماضية للخروج إلى الشوارع والميادين على غرار ما حدث فى ٢٥ يناير ٢٠١١ أو ٣٠ يونيه و٢٦ يوليو فى ٢٠١٣.. بينما خرج المصريون فقط مساء الثامن من أكتوبر ليلاً للاحتفال بوصول منتخبهم الوطنى إلى المونديال وللتعبير عن فرحتهم الكبيرة الطاغية بتحقيق حلم ظل يراودهم طوال ٢٨ عاماً مضت ويفلت منهم كلما اقتربوا من الإمساك به.
وهذا التماسك الوطنى الذى نتحدث عليه لا يعنى بالطبع إلغاء المعارضة فى البلاد أو تقييد حرية التعبير أو مصادرة الاختلاف فى الرؤى والآراء والمواقف السياسية، لأن هذا ضد الطبيعة البشرية.. فقد خلقنا الله متنوعين ومختلفين..فى الجنس واللون والتفكير والدين والانتماءات الاجتماعية والعرقية.. وهذا التنوع ثراء لنا.. ومفيد أيضا لنا.. ووجوده لا يمنع توحدنا على كلمة سواء لمصلحة هذا الوطن وأمنه، مثلما لا يعنى توحدنا إلغاء الاختلاف فى الرؤى والآراء.. وبالتالى التماسك الوطنى لا يلغى الحوار المجتمعى؛ بل إنه ضرورة لتحقيقه.
وبالتالى التماسك الوطنى لا يعنى عدم انتقاد الأخطاء أو كشف العيوب والسكوت على ممارسات الفساد، مثلما لا يعنى أيضا ممارسات أمنية غير سليمة أو القبول بتجاوزات بعض رجال الأمن.. بل لعله يقتضى مزيدا من النقد لكشف العيوب لإصلاحها وتصحيح الأخطاء، مثلما يقتضى مواجهة صارمة للفساد ومحاسبة أى رجل أمن يرتكب تجاوزات أمنية.
التماسك الوطنى هو توحد خالٍ من كل ذلك.. توحد موضوعى بيننا على حماية أمننا وكيان دولتنا الوطنية والحفاظ على هويتنا الوطنية وعلى مصلحتنا العامة التى تجمعنا جميعا.. مصلحتنا فى أن نحقق النصر والفوز فى كل معاركنا، خاصة معارك التنمية الاقتصادية وتحقيق نهضتنا الاقتصادية وأيضاً التنمية السياسية وإنجاز التحول الديمقراطى.
وهكذا التماسك الوطنى ليس اصطفافا مفروضاً علينا؛ ولكنه توحد فى الآمال والطموح والأحلام.. وتوحد تلقائى نابع منا تفرضه علينا مصلحتنا الجمعية.. مصلحتنا العامة التى تجمعنا ونتشارك فيها جميعا، رغم اختلافاتنا وتنوعنا الذى ينبغى أن يكون مصدر ثراء لنا وليس سببا للفرقة بيننا.
وبهذا المعنى فإن هذا التماسك الوطنى يتحقق من خلال توافر شروط ضرورية تتجاوز بكثير لحظات فرحة غامرة انتابتنا جميعاً بعد تحقيق حلم الصعود إلى كأس العالم والوصول إلى مونديال موسكو.. وأهم هذه الشروط سلطة تلتزم بقواعد وأسس الحكم الرشيد، ثم تواصل حقيقى دائم ومستمر بين الحكم والرأى العام.. تواصل عنوانه الشفافية والصراحة والإفصاح.. حتى يتسلح الرأى العام باليقظة التى نحتاجها فى مواجهة المؤامرات والدسائس والمخططات التى تحاك ضدنا للنيل من كيان دولتنا الوطنية ولسلبنا هويتنا الوطنية.
ومن بين شروط تحقيق التماسك الوطنى أيضا الحرص على تصحيح الأخطاء.. كل الأخطاء السياسية والاقتصادية والإدارية بالإضافة إلى أية أخطاء وتجاوزات أمنية.. تصحيح فورى - أولا بأول، فضلا عن الحرص على تحقيق إنجازات مستمرة وواضحة وملموسة لعموم الناس فى المجالين.. الأمنى والاقتصادى.
أيضا من بين شروط تحقيق التماسك الوطنى أن يتسلح الجميع.. مواطنين عاديين وسياسيين ومثقفين.. باليقظة السياسية، لنحمى أنفسنا من الوقوع فى الشراك التى تنصب لنا، وهى كثيرة ومتعددة ومتنوعة.. وسبق أن جربنا ذلك مراراً من قبل.. وخبرنا كم كانت شراكاً محكمة أثارت فتنة، مثلما حدث فى عملية اقتحام السجون فى نهاية شهر يناير ٢٠١١ التى دبرها ونفذها الإخوان بمساعدة ألف عنصر مسلح من حركة حماس وحزب الله اللبنانى لإثارة الخوف والذعر بين المصريين ولإحداث فتنة بينهم وبين الشرطة عندما روجوا أنها هى التى فتحت أبواب السجون لتهريب المساجين لترويع المصريين عقابا لهم على انتفاضهم.
ولن نحمى أنفسنا من الوقوع فى مثل هذه الشراك التى تنصب لنا إلا إذا أعلينا الاعتبارات الوطنية على المصالح الخاصة الضيقة أو اعتبارات التنافس أو فلنقل الصراع السياسى ،إعلاء الاعتبارات الوطنية على المصالح الخاصة الضيقة للسياسيين الأفراد وللقوى السياسية المختلفة من شأنه تعديل البوصلة السياسية لها لتتجه فى اتجاه تحقيق هذا التماسك الوطنى، وأيضا لحماية التماسك الوطنى من كل المحاولات التى تستهدف ضربه والقضاء عليه للنيل من كيان دولتنا الوطنية..
وهنا يصير ضرورياً الكشف بكل صراحة وكل جرأة لكل من يسير فى ركاب الإخوان يتحالف معهم أو يساعدهم على تحقيق أهدافهم الشريرة فى بلدنا، وأيضا كل من ينفذ الأجندة الأمريكية التى مازالت شخصيات ومؤسسات أمريكية تتمسك بها والتى ترمى لتقويض كيان الدولة الوطنية فى منطقتنا وإعادة دمج الإخوان فى العملية السياسية داخل بلادنا، وفرض أنظمة حكم تنتمى لتيار الإسلام السياسى فى منطقتنا.
كما يصير ضرورياً أيضا التقييم المستمر المستند إلى يقظة دائمة لكل ما يحدث وما نقوم به، سواء من قبل من هم فى الحكم أو من هم خارجه من بين القوى السياسية المختلفة.. فهذا التقييم سوف ينبهنا إلى أية أخطاء نقع فيها ويحثنا على تصحيح هذه الأخطاء ويمنح تماسكنا الوطنى مناعة قوية ضد كل المحاولات التى تستهدف تعكير صفوه والنيل منه وتقويضه.
ويرتبط بذلك أيضا ضرورة تسلح إعلامنا بقواعد وأسس المهنية.. فهذه المهنية هى التى ستقوده إلى الطريق الصحيح الذى يتعين عليه أن يسلكه، وستقنعه أن دوره أكبر من مجرد التصفيق الدائم أو الصفير المستمر.. والأهم هذه المهنية التى يجب أن يتسلح بها إعلامنا هى التى ستساعدنا فى تحقيق تماسكنا الوطنى، واستمرار هذا التماسك قائماً، وفى حمايته من كل المحاولات التى لا تتوقف لضربه وتقويضه، حتى تنجح المؤامرات التى تدبر لنا والمخططات التى تحاك ضدنا للنيل من كيان دولتنا الوطنية وسلبنا هويتنا الوطنية.
بذلك.. لن يقتصر تماسكنا الوطنى على لحظات يجمعنا فيها حلم كبير يراودنا أو توحدنا فيها الفرحة الغامرة لتحقيق هذا الحلم.. وإنما سنضمن استمرار هذا التماسك الوطنى بشكل دائم حتى نقدر على تحقيق بقية ما نحتاجه من انتصارات غير رياضية أيضا وإنجاز كل أحلامنا الأخرى فى المجالات المختلفة.