الثلاثاء 22 يوليو 2025

بورتريه الهلال

محمود البنا .. صوت السماء الذي أيقظ القلوب

  • 20-7-2025 | 13:54

محمود علي البنا

طباعة
  • همت مصطفى

محمود البنا.. من شبرا باص إلى آفاق العالم 

في عالم تتفرد  فيه الأصوات وتتنافس النبرات، يبرز صوته كالنسيم العليل يتسلل إلى القلوب قبل الآذان، فهو  صوت يحمل في طياته عبق التاريخ وعطر الإيمان،  وهو  لم يكن مجرد قارئ للقرآن الكريم، بل كان نبعًا صافيًا  تتدفق منه أنهار الروحانية، وجسرا من نور يربط بين الأرض والسماء،  إنه صوت من السماء الأثير الذي يصل إلى  القلوب الشيخ محمود علي البنا. 

وفي زمن كانت فيه الإذاعة المصرية تبحث عن أصوات تليق بكلام الله، وكانت القلوب تتوق إلى من يرتل لها آيات الذكر الحكيم بصدق وخشوع، ظهر هذا الرجل الاستثنائي كشمعة تضيء درب الحائرين، وكنسمة إيمان تعانق أرواح المستمعين في كل بيت مصري.

لم يكن الشيخ محمود علي البنا مجرد صوت يخرج من أجهزة الراديو، بل كان رسالة حية تنطق بكلام الله، وترجمة صوتية لمعاني القرآن تتجاوز حدود اللغة لتصل إلى أعماق الروح. صوت يحمل في نبراته عبق قرى الدلتا وأصالة الريف المصري، ممزوجاً بعلم أزهري عريق وموهبة ربانية فريدة.

 وظل الشيخ محمود علي البنا،  بين أعلام القراء في مصر والعالم العربي، رجل جعل من صوته جسرًا بين الناس وخالقهم، ومن تلاوته نافذة يطل منها المؤمنون على جنات النعيم، ومن كل آية يرتلها قطرة ندى تروي القلوب الظمأى في صحراء الحياة.

الميلاد والنشأة

 ولد الشيخ محمود علي البنا فى قرية شبرا باص في مركز شبين الكوم، بمحافظة المنوفية فى 17 ديسمبر 1926م، وحفظ القرآن الكريم فى كتاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش، وأتم حفظه وهو فى الحادية عشرة، ثم انتقل إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي، وتلقى القراءات فيها على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي.

في القاهرة .. ودراسة  المقامات و الموسيقى 
حضر الشيخ محمود علي البنا إلى القاهرة عام 1945م، وذاع  صيته ودرس علوم المقامات و الموسيقى على يد الشيخ درويش الحريري، واختير قارئًا لجمعية الشبان المسلمين عام 1947م، وكان يفتتح كل الاحتفالات التى تقيمها الجمعية، وفي عام 1948م استمع إليه على ماهر باشا، والأمير عبد الكريم الخطابي وعدد من كبار الأعيان الحاضرين فى حفل الجمعية، وطلبوا منه الالتحاق بالإذاعة المصرية، والتحق الشيخ «البنا» بالإذاعة عام 1948م، وكانت أول قراءة له على الهواء فى ديسمبر 1948م من سورة «هود»، وصار خلال سنوات قليلة أحد أشهر أعلام القراء فى مصر.

سفير القرآن الكريم
اختير الشيخ  محمود البنا قارئا لمسجد عين الحياة في ختام الأربعينيات، ثم لمسجد الإمام الرفاعي في الخمسينيات في القرن الماضي، و انتقل للقراءة بالجامع الأحمدي في طنطا عام 1959م،  وظل به حتى عام 1980م حيث تولّى القراءة بمسجد الإمام الحسين ــ رضي الله عنه ــ  حتى وفاته، و ترك «البنا» للإذاعة المصرية ثروة هائلة من التسجيلات، إلى جانب المصحف المرتل الذي سجله عام 1967م، والمصحف المجود في الإذاعة المصرية، والمصاحف المرتلة التي سجلها لإذاعات السعودية والإمارات.

زار الشيخ محمود البنا العديد من دول العالم، وقرأ القرآن الكريم،  في الحرمين الشريفين والحرم القدسي والمسجد الأموي ومعظم الدول العربية وزار العديد من دول أوروبا ومن ضمنها ألمانيا عام 1978م، وكان الشيخ «البنا» من المناضلين من أجل إنشاء نقابة القراء، واختير نائبًا للنقيب عند إنشاء النقابة عام 1984م.

جوائز وأوسمة 
حصل الشيخ محمود علي البنا على العديد من شهادات التقدير والتكريم والأوسمة من مختلف الدول التي زارها، وتسلم من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هدية تذكارية عام 1967م، كما حصل على ميدالية تذكارية من القوات الجوية في عيدها الخمسين عام 1982م، وحصل على درع الإذاعة في الاحتفال بعيدها الذهبي عام 1984م،  ومنح اسمه من قبل الرئيس المصري السابق  محمد حسني مبارك وسام  «العلوم والفنون »عام 1990م، وتسلمه نجله الأكبر المهندس شفيق محمود على البنا، و كرمته محافظة الغربية بإطلاق اسمه على الشارع الرئيسى بجوار المسجد الأحمدي بمدينة طنطا.

الشيخ محمود علي البنا... صوت لا يرحل وتلاوة لاتغيب

وبعد رحلة عطاء حافلة بالعذوبة والخشوع، رحل الشيخ محمود علي البنا في 3 من ذي القعدة 1405 هـ / 20 يوليو 1985م، ودفن الشيخ في ضريحه الملحق بمسجده بقرية شبرا باص بمحافظة المنوفية، لكنه ظل باقيا بصوته الذي لا تخطئه الأذن، يميزه جمهوره في كل تلاوة، كأحد أعذب الأصوات التي سكنت وجدان العالم الإسلامي وأروقة المحافل القرآنية عبر الأجيال، وسيبقى محمود البنا من أشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة