الإثنين 11 اغسطس 2025

عرب وعالم

فرنسا تستقبل أكثر من 100 مليون زائر في 2024 دون احتجاجات سياحية

  • 11-8-2025 | 12:53

فرنسا

طباعة
  • دار لهلال

رغم تصاعد موجات الاحتجاج في العديد من الدول الأوروبية ضد ما يُعرف بـ"السياحة المفرطة"، تبقى فرنسا – الدولة الأكثر زيارة في العالم – استثناءً لافتًا، إذ نجحت في استقبال أكثر من 100 مليون زائر في عام 2024 دون أن تشهد اضطرابات أو مظاهرات مماثلة لما حدث في إسبانيا أو البرتغال أو اليونان .


ففي الوقت الذي استخدم فيه مواطنون في دول أوروبية أخرى مظاهر احتجاجية، مثل مسدسات المياه والجداريات الساخرة، للتعبير عن استيائهم من الاكتظاظ وارتفاع تكاليف المعيشة، وُجهت الأنظار إلى النموذج الفرنسي الذي بدا أكثر توازنًا، نتيجة استراتيجية استباقية اعتمدت على مفاهيم السياحة المستدامة وتوزيع الزوار جغرافيًا وزمنيًا.


كانت فرنسا قد بدأت منذ سنوات في تبني سياسات طويلة الأجل تهدف إلى تخفيف الضغط على المدن الكبرى، وتعزيز السياحة البيئية والمسؤولة. ففي عام 2021، أطلقت الحكومة خطة "وجهة فرنسا" الممتدة لعشر سنوات، والتي خُصص لها نحو 1.9 مليار يورو بهدف دعم السياحة المستدامة، عبر تشجيع استخدام القطارات بدلًا من الرحلات الجوية القصيرة، وتوجيه الزوار نحو مدن متوسطة الحجم ومناطق ريفية وجبلية أقل اكتظاظًا.


كما قامت فرنسا بحظر الرحلات الجوية الداخلية على المسارات التي يمكن قطعها بالقطار في أقل من ساعتين ونصف، في خطوة رمزية وتشريعية تعزز بدائل النقل منخفضة الانبعاثات.


تمتلك فرنسا إحدى أوسع شبكات السكك الحديدية في أوروبا بطول يتجاوز 28 ألف كيلومتر، منها نحو 2,800 كيلومتر مخصصة للقطارات عالية السرعة. هذا ما يجعل من التنقل بين المناطق المختلفة أمرًا ميسرًا حتى للزائرين الذين يقيمون في المدن الصغيرة، حيث توجد محطات قطارات حتى في المناطق التي يقل عدد سكانها عن 20 ألف نسمة.


وقد أدى ذلك إلى تحول في أنماط السياحة، حيث أصبح بإمكان السائح الانتقال بسهولة من باريس إلى مرسيليا في أقل من ثلاث ساعات، ما ساهم في تقليل الضغط على العاصمة، وتشجيع السفر إلى وجهات غير تقليدية.


وأشارت "فيرونيكا ديكواترو"، المسؤولة في منصة "أوميو"، إلى أن تركيز السلطات الفرنسية تحول من مجرد جذب السياح إلى تحسين جودة التجربة السياحية، من خلال توزيع أعداد الزوار على مدار العام، وترويج السياحة الخضراء والاجتماعية والرقمية.


ويلاحظ أن الزوار في فرنسا لا يتركزون في مناطق محددة، بل يتوزعون بين قلاع وادي اللوار، وأسواق عيد الميلاد في الألزاس، ومزارع الكروم العضوية، والقرى الساحلية التي ازدادت شعبيتها بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تكشف عن إمكانية اكتشاف مناطق نابضة بالحياة تبعد ساعة أو ساعتين فقط عن باريس.


في مواجهة أزمة الإيجارات قصيرة الأجل، التي خلقت مشاكل سكنية في مدن أوروبية كبرى مثل برشلونة ولشبونة، تحركت فرنسا بشكل أسرع من خلال تشريعات حاسمة. فقد سمح قانون "لوا لو مور" للسلطات المحلية بتحديد سقف للإيجارات السياحية، وتقييد عدد الليالي المسموح بها للعقارات السياحية إلى 90 ليلة سنويًا، مع فرض غرامات على المخالفين.


وقالت "مارين برات"، خبيرة السفر، إن فرنسا لطالما كانت دولة متعددة المناطق والثقافات، وهو ما جعلها وجهة سياحية ثرية ومتنوعة، يتنقل فيها الزوار بين التاريخ والطبيعة والطهو والثقافة. وأكدت أن الاهتمام يزداد من الأسواق الجديدة، مثل الهند وجنوب شرق آسيا وأستراليا وأفريقيا، حيث يبحث الزوار عن تجارب أصيلة ومحلية خارج المدن الكبرى.


رغم كل الجهود لتخفيف الضغط عن العاصمة، لا تزال باريس تحتل موقعًا استثنائيًا، لا سيما بعد استضافتها لدورة الألعاب الأولمبية الأخيرة، والتي جذبت أكثر من 50 مليون زائر في 2024 وحده، لتؤكد أن "مدينة الأضواء" لا تزال نقطة جذب رئيسية على خارطة السياحة العالمية.


بهذا التوازن الفريد بين الاستدامة والانفتاح، وبين الجذب والتنظيم، تقدم فرنسا نموذجًا ناجحًا يُحتذى به في إدارة السياحة، في وقت تواجه فيه العديد من الدول الأوروبية تحديات متزايدة في هذا القطاع الحيوي.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة