في كتابه الخالدون مائة أعظمهم محمد لعالم الفلك والرياضيات الأمريكي اليهودي “مايكل هارت”، الذي ترجمه أنيس منصور وصدر عن المكتب المصري الحديث بالقاهرة عام 1978، يقول:
"لقد اخترت محمد رسول الله (570-632م) في أول القائمة لأنه الإنسان الوحيد الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي. وهو الذي دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائدًا سياسيًا وعسكريًا ودينيًا لا يُبارى، وبعد 13 قرنًا من وفاته فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويًا متجددًا. وأكثر هؤلاء الذين اخترتهم قد وُلدوا ونشأوا في مراكز حضارية وبين شعوب متحضرة سياسيًا وفكريًا، إلا محمدًا عليه السلام يختلف عنهم كثيرًا، فقد وُلد سنة 570 ميلاديًا في مكة جنوب شبه الجزيرة العربية، في منطقة متخلفة من العالم القديم، بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن. مات أبوه وهو لم يخرج بعد إلى الوجود، وكانت نشأته في ظروف متواضعة بل وصعبة بجميع المقاييس، وكان لا يقرأ ولا يكتب. ولم يتحسن وضعه المادي إلا في الخامسة والعشرين من عمره عندما تزوج أرملة غنية. ولما قارب الأربعين، كانت هناك أدلة كثيرة على أنه ذو شخصية فذّة بين الناس، وكان أكثر العرب في ذلك الوقت وثنيين يعبدون الأصنام، علاوة على ذلك فقد كان يسكن مكة عدد قليل من اليهود والنصارى، وكان هو على علم بهاتين الديانتين. وفي الأربعين من عمره امتلأ قلبه إيمانًا بأن الله واحد أحد، وأن وحيًا ينزل عليه من السماء، وأن الله قد اصطفاه ليحمل رسالة سامية إلى الناس جميعًا. وأمضى محمد عليه السلام ثلاث سنوات يدعو لدينه الجديد بين أهله وعدد قليل من الناس، وفي سنة 613 ميلاديًا أذن الله لمحمد بأن يجاهر بالدعوة إلى الدين الجديد فتحوّل قليلون إلى الإسلام. وفي سنة 622 هاجر إلى المدينة المنورة، وهي تقع على بُعد 200 كم من مكة المكرمة، وفي المدينة اكتسب الإسلام مزيدًا من القوة، واكتسب رسوله عددًا كبيرًا من الأنصار.
وكانت الهجرة إلى المدينة نقطة تحوّل في حياة الرسول الكريم، ففيها ناصره الكثيرون، وبسرعة اكتسب الإسلام قوة ومنعة، وأصبح محمد صلى الله عليه وسلم أقوى وأعمق أثرًا في قلوب الناس. وفي السنوات التالية تزايد عدد المهاجرين والأنصار، واشتركوا في معارك كثيرة مع أهل مكة من الكفار، وانتهت كل هذه المعارك في سنة 630 بدخول الرسول مكة منتصرًا. وقبل وفاته بسنتين ونصف شهد محمد عليه السلام الناس يدخلون دين الله أفواجًا فحمد ربه. وانتشر الإسلام بعد وفاة الرسول في جنوب شبه الجزيرة العربية. وتحدث الكاتب عن الرسول والإسلام والمسلمين من كافة الجوانب، حتى قال مايكل هارت: "إن هذا الامتزاج بين الدين والدنيا هو الذي جعلني أؤمن بأن محمد رسول الله هو أعظم الشخصيات أثرًا في تاريخ الإنسانية جمعاء، لذا كان هو أعظم المائة الذين اخترتهم في هذا الكتاب".
علاوة على ذلك فقد اتفق كُتّاب ومستشرقو الشرق والغرب على أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم العظماء في تاريخ البشرية، وأجلّهم قدرًا في سيرته العطرة التي خيّمت على العالم ومنحته الحب والسلام. هكذا قال عنه الكاتب والفيلسوف الإنجليزي (برنارد شو): "إنه منقذ البشرية، وإن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في هداية تفكيره وعقله الراجح في كل أمور الدنيا والآخرة". وقال عنه الشاعر والسياسي الفرنسي (ألفونس دي لامارتين) أكبر شعراء المدرسة الرومانسية الفرنسية: "من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟ ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه؟! عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان. أعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم".
كما قال عنه (يوهان غوته)، أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثًا أدبيًا وثقافيًا ضخمًا للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له أبلغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية في العالم، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من أهم وأبر ثرواتها.
وكان النبي محمد بالنسبة لنابليون نموذجًا يُحتذى به، لكونه قائدًا يمتلك كاريزما طبيعية استثنائية، وخطيبًا مفوّهًا، وعبقريًا عسكريًا ليس له نظير، كما يظهر ذلك في الفصل السابع من الكتاب بعنوان "القانوني ورجل الدولة" أو "بطل العصر الرومانتيكي"، والشخصيات التي كان لها دور في الحياة، واستطاعت أن تجعل لنفسها في التاريخ شأنًا كبيرًا. ومن هذا المنطلق اختلفت الكلمات والأخبار التي نقلها المستشرقون عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث نجد المنصفين منهم نقلوا حال وأخبار النبي كما كانت واقعًا، فتحدثوا عن مولده وحياته قبل البعثة، كما نقلها المؤرخون الذين عاصروا النبي أو التابعون أو من نقل عن المعاصرين والتابعين، وذكروا أحوال زواجه وبعثته والأعمال التي قام بها في مكة والمدينة، وتأثيراته على المجتمع المكي والمدني بصورة خاصة، وعلى المجتمع العربي والعالمي بصورة عامة.
ومن الجدير بالذكر أن ما ذُكر من أقوال بعض المستشرقين بحق الرسول الأعظم إنما هو الشيء القليل من مجموع الكتب والمجلدات والأبحاث والدراسات التي لا يمكن عدّها واستقصاؤها، وقد كُتبت هذه القراءات والموسوعات الكبيرة لتشهد لهذا الإنسان بالعظمة، وتقف وقفة إجلال وإكبار أمام هذه الشخصية الفريدة التي لم تشهد الخليقة لها نظيرًا أو مثالًا سواء على مستوى الأخلاق أو المواقف الفذة التي قام بها وضحّى بالغالي والنفيس في سبيلها، وتحمل مجتمع الجاهلية وممارساته الظالمة من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور. فإذا وقفنا على أكثر من كتاب بعنوان (حياة محمد) نجد أن المستشرقين دبّجوا عن حياة النبي وأعماله الكثير، ممن أرادوا إظهاره للعالم. وفي هذا الصدد نجد عدة معانٍ ذكرها المتخصصون عن الاستشراق والمستشرقين والمعنى والدلالة، وهي ما يهمنا في هذا المقام الذي نتحدث فيه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو إلقاء الضوء على الاستشراق الذي نقل إلى العالم الغربي مجمل ما هو حاضر في الإسلام ونبي الإسلام.
وهذه التعاريف ذكرها الدكتور محسن الويري في كتابه دراسات إسلامية في الغرب مثل: الاستشراق يعني العلم بالعلم الشرقي، والتخصص في الدراسات الشرقية، وتتبع ومعرفة أي أمر عن الشرق الأقصى أو الأدنى أو الأوسط بحسب الحالة، سواء ما هو مرتبط بالعقائد أو التاريخ أو الأوضاع المعاصرة، ومعرفة العلوم والآداب والعادات والتقاليد الخاصة بأهل الشرق في كل مناحي حياتهم. كذلك ذكر إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق عدة تعريفات تعرفه للخاصة والعامة منها: أسلوب في التفكير مبني على تمييز متعلّق بوجود المعرفة بين الشرق والغرب.
وفي أقوال المستشرقين في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة ما ورد منها في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي، نجد المؤرخ الإنجليزي (جيبون أوكلي 1737-1794) صاحب كتاب أفول وسقوط الدولة الرومانية، الذي يُعد من أهم وأعظم المراجع في موضوعه والذي جاء في ستة أجزاء، وقد تعرض فيه لذكر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
ليس انتشار الدعوة الإسلامية هو ما يستحق الانبهار، وإنما استمراريتها وثباتها على مر العصور. فما زال الانطباع الرائع الذي حفره محمد في مكة والمدينة له نفس الروعة والقوة في نفوس الهنود والأفارقة والأتراك حديثي العهد بالقرآن، رغم مرور اثني عشر قرنًا من الزمان. لقد استطاع المسلمون الصمود يدًا واحدة في مواجهة فتنة الإيمان بالله، رغم أنهم لم يعرفوه إلا من خلال العقل والمشاعر الإنسانية. فقول "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" هي ببساطة شهادة الإسلام، ولم يتأثر إحساسهم بألوهية الله (عز وجل) بوجود أي من الأشياء المنظورة التي كانت تتخذ آلهة من دون الله. ولم يتجاوز شرف النبي وفضائله حدود الفضيلة المعروفة لدى البشر، كما أن منهجه في الحياة جعل مظاهر امتنان الصحابة له (لهدايته إياهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور) منحصرة في نطاق العقل والدين.
أما الكاتب الأمريكي (واشنطن إيرفنج 1783-1859)، الذي كان معروفًا أكثر بكتاباته في مجال الأدب القصصي، وكتابات السيرة الغيرية عن كل من جورج واشنطن وأوليفر غولد سميث، وقد عمل وزيرًا أمريكيًا في إسبانيا، فقد كانت له عدة كتب ومقالات في مدح الرسول الأعظم. ففي كتابه عن حياة محمد قال: كان محمد في أوج مجد رسالته محافظًا على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به. وذكر أمرًا آخر في موضع آخر من الكتاب وصف فيه النبي بالتواضع وسمو أخلاقه بما لا نجده في غيره من الملوك والحكام وحتى أهل الديانات الأخرى. كما كان منكرًا لذاته في كل تصرفاته، رحيمًا بعيدًا عن التفكير في الثراء والمصالح المادية، فقد ضحّى بالكثير من الماديات في سبيل الروحانيات التي اتسم بها. كذلك نادى بعدم نسبة المسلمين إليه كما فعل بعض أصحاب الديانات السابقة الذين نسبوا إلى أسماء أنبيائهم، ولم يستعمل محمد وأتباعه عبارة "محمدي" أو "المحمدية".
وكان لامارتين الشاعر والسياسي الفرنسي المخضرم منبهرًا بشخصية الرسول عليه السلام، وذكر عنه أنه شخصية مثالية نادرة تُقاس في هذا الزمن بأعلى المقاييس بين شخصيات العظماء والعباقرة التي شهدها التاريخ. وقال عنه إنه من المشاهير الذين سنّوا القوانين وأقاموا النظم القويمة في العالم، وقاد الملايين من الناس الذين كانوا يمثلون ثلث العالم في ذلك الوقت، وقضى على الأفكار والمعتقدات الباطلة، وقد صبر صبرًا عظيمًا في حياته حتى نال من ربه النصر المبين. وكان طموحه موجهًا إلى غاية واحدة وهي الإيمان، وهو ما يدل على اليقين الصادق الذي أعطاه الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته للمادية الدنيوية النقيضة لما يرمي إليه في جمع الناس على كلمة سواء واحدة (بالحكمة والموعظة الحسنة). هذا هو محمد الفيلسوف في نظر "لامارتين" كما هو الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة بدون أنصاب ولا أزلام. هذا هو محمد بالنظر إلى جميع المقاييس البشرية.
كما قال عنه المستشرق الألماني (برتلمي سانت هيلار) صاحب كتاب الشرقيون وعقائدهم: إن محمد الرسول هو أكثر عرب أهل زمانه ذكاءً وأشدهم تدينًا وأعظمهم رأفة، وقد نال سلطانه الكبير بفضل تفوقه، وإن دينه الذي دعا إليه أهل زمانه والبشر جميعًا كان جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته.
وقال عنه الكاتب الاسكتلندي "توماس كارليل"، وهو الذي كانت أعماله وكتاباته شديدة التأثير في العصر الفيكتوري في كلاسيكياته المعروفة، ففي كتابه الأبطال وصف توماس كارليل النبي الأعظم محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: إنه غاية في الرفعة والكمال المطلق الذي حضر في شخصيته الفريدة الباهرة، والذي كان زهده في الدنيا وإعراضه عنها مضرب الأمثال، وهو ما جعل منه شخصية متفردة في العالم نال عنها أعلى المراتب الإنسانية والمعنوية. كما أضاف في موضع آخر من كتابه عن شرف بئر زمزم وقدسية الحجر الأسود وحج القبائل ومنشأ مدينة مكة المكرمة وكيف أصبحت في عهد الرسول والرسالة.
أما السير "وليم موير"، وهو أحد الساسة الكبار في الحكومة الإنجليزية، فقد كانت له كتابات سياسية وفكرية متنوعة، ذكر في إحداها أوصاف ومميزات الرسول محمد عليه السلام التي امتاز بها عن باقي أهل زمانه ومن كان قبله ومن جاء بعده. فذكر في كتابه حياة محمد ما كان يمتاز به منذ صغره في زمن الجاهلية الذي كان الناس فيه يفتقدون مثل تلك الأخلاق والصفات التي كان يتصف بها الرسول عليه السلام. وقال في موضع آخر من الكتاب: إن محمدًا نبي المسلمين لُقّب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرفه وأخلاقه وحسن سلوكه. ومهما يكن من أمر، فإن محمدًا أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أنعم النظر في تاريخه المجيد، وذلك التاريخ الذي ترك محمدًا في طليعة الرسل ومفكري العالم. وفي كتابه الإسلام ذكر موير: إن النبي محمدًا في شبابه طُبع بالهدوء والدعة والطهر والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تعرف وتتصف بها. كما ذكر أيضًا: إن محمدًا لم يكن في وقت من الأوقات طامعًا في الغنى، وإنما سعيه كان لغيره، ولو ترك الأمر لنفسه لآثر أن يعيش في هدوء وسلام قانعًا بحاله. وقال إن النبي محمدًا في شبابه طُبع بالهدوء والدعة والطهر والابتعاد عن المعاصي التي كانت قريش تعرف بها. إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه في موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالد خلود الأبد. وإني أرى كثيرًا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة، يعني في ذلك أوروبا.
أما المستشرق الهولندي "رينهارت دوزي"، وكان أستاذًا للعربية في كلية الآداب بجامعة لندن، واشتهر بدراسة تاريخ بلاد الأمازيغ والأندلس، وله مؤلفات أشهرها تكملة المعاجم العربية أو المستدرك، فقد كان له دور مهم في مدح النبي وإنصافه بذكر بعض ما امتاز به، وكذّب القساوسة في بعض اتهاماتهم عنه فقال: لو صح ما قاله القساوسة من أن محمدًا نبي كذاب، فكيف نعلل انتصاره؟ وما بال فتوحات أتباعه تترى وتتلو إحداها تلو الأخرى؟ وما بال انتصاراتهم على كل الشعوب لا تقف عند حد معين؟ وكيف لا يدل ذلك كله على معجزة الرسول؟ وتحدث "رينهارت" في كتاب آخر بعنوان عرب أسبانيا حيث جعل مولد النبي حدثًا كان العالم كله في أمس الحاجة إليه بسبب انحطاطه خلقيًا وعلميًا. ومن هنا كان لا بد من وجود هادٍ يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فقال: في عهد هذه الأحوال الحالكة، ووسط هذا الجيل شديد الوطأة في ممارساته الظالمة في كل شيء، وُلد محمد بن عبد الله في شهر أغسطس في 29 منه عام 570. من هذا نرى أن العالم الإنساني كان بحاجة إلى حادث جلل يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويضطرهم إلى النظر والتفكير في أمر الخروج من المأزق الكبير الذي تورطوا فيه.
ننتقل إلى عالم آخر من علماء ألمانيا اهتم بصفة خاصة باللغة السنسكريتية الهندية القديمة، وأسهم في الدراسات المقارنة في مجالات اللغة والدين وعلم الأساطير، على الرغم من أن علماء العصر الحديث قد نبذوا الكثير من نظرياته، وهو "ماكس مولر 1823-1900". وكان يعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة أدنبرة، وقام خلال تدريسه للإسلام عقيدة وتاريخًا وحضارة لعدة أجيال من الطلبة من شتى الجنسيات. وفي كتابه عظماء الشرق يذكر النبي عليه السلام وما فعله في الجزيرة العربية والعالم عمومًا، واعتبر وجود النبي هو الذي بث الروح السامية في نفوس المسلمين، كما اعتبر هجرة الرسول من مكة إلى المدينة بمثابة القوة والإصرار والعزيمة والثبات على الموقف. وكان يصف الهجرة بأنها نوع من الخلاص والبعد عن المكائد التي كان يحيكها مشركو قريش.
قال مولر: لقد نفذت روح الإسلام من محمد رسول الله إلى المسلمين، إلى الهداة والصالحين، وإن هذه الروح القوية الوثابة حدت بالنبي إلى الهجرة بينما كان أعداؤه من المشركين يجدون في البحث عنه للخلاص منه. ومن الغريب أن أعداء النبي من المشركين لم يقنعوا أنفسهم بتركه مكة، بل تعقبوه في هجرته، وضربوا على منزله سياجًا من الحيطة للقبض عليه. ولكن روح الإسلام الدفينة في الأعماق ألهمته أن يتناول قبضة من التراب فتناولها ورمى بها عليهم فأخذتهم سنة من النوم تمكن خلالها من النجاة منهم إلى الصحراء حيث اختفى في غار ثور. وكان الإسلام وما في ثناياه من روحانية وقوة، جعل الحمام يبيض على باب الغار. ولما أفاق أعداؤه من نومهم تتبعوا آثار الغار، وأخذتهم هواجس الظن لعلمهم بأن النبي لا يمكن بأي حال أن يكون في الغار. فمن يُرد أن يؤمن بوحدانية الله، فعليه أن يشاهد بسهولة يد الله المحركة للكائنات من غير أن تبصرها العين المجردة، خاصة عندما أحيطت حياة النبي ورعايتها من يد العدوان برعاية الطير الذي اندفع إلى حمايته بيد الإله الخافية عن الأبصار.
أما الطبيب المستشرق الفرنسي (جوستاف لوبون 1841-1931) المعني بالحضارة الشرقية، ومن أشهر أعماله: "حضارة العرب"، "حضارة الهند"، "باريس 1884"، "الحضارة المصرية"، "حضارة العرب في الأندلس"، وهو أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، فلم يسر غوستاف لوبون على نهج مؤرخي أوروبا الذين صار من تقاليدهم إنكار فضل الإسلام على العالم الغربي، وعن أخلاق الرسول عليه السلام. ومن خلال وصفه يظهر لنا أن هذا الشخص لم يكن عاديًا، لأن الصفات التي كان يحملها لم تكن تتناسب مع المجتمع الذي كان يعيش فيه، فذكر ما نصه: "كان محمد شديد الضبط لنفسه، كثير التفكير، صموتًا، حازمًا، سليم الطوية، وكان صبورًا، قادرًا على تحمل المشاق، بعيد الهمة، لين الطبع، وديعًا، ومقاتلًا ماهرًا، فكان لا يهرب أمام الأخطار، ولا يُلقي بيديه إلى التهلكة، وكان يعمل فوق طاقته لإنماء خلق الشجاعة والإقدام والتضحية في قومه".
أما الكونت "هنري دي كاستري" (1850-1927)، وله كتاب بعنوان "أوروبا والإسلام"، فقد أثبت في مقطع منه نبوة النبي باعتباره مخالفًا لما كان في زمانه من أديان وكتب سماوية، حيث يثبت أن معتقدات تلك الكتب تناقض ما جاء في القرآن، فقال: "أما فكرة التوحيد فيستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي من مطالعته التوراة والإنجيل، إذ لو كان قرأ تلك الكتب لردّها، لاحتوائها على مذهب التثليث وهو مناقض لفطرته مخالف لوجدانه منذ خلقته، فظهور هذا الاعتقاد بواسطته دفعة واحدة هو أعظم مظهر لحياته، وهو بذاته أكبر دليل على صدقه في رسالته وأمانته ونبوته".
وفي كتاب "تاريخ العرب" للمستشرق الفرنسي "كليمان هوار" (1854-1927)، فقد عزى قبول السيدة خديجة للنبي عليه وعليها السلام إلى الثقة العالية التي حصلت لها منه في أمور رأتها علامة كبيرة على قبوله زوجًا لها، فقال: "كيف تعرّف محمد إلى خديجة، وكيف أمكن أن يحصل على ثقتها ويتزوجها؟ وكان الجواب على هذا الشق لا زال غير معروف عندنا، وأما على الشق الثاني فقد اتفقت الأخبار على أن محمدًا كان في الدرجة العليا من شرف النفس والأمانة الخالصة، وعلى ذلك كان يلقب بالأمين، أي بالرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى درجة، إذ كان المثل الأعلى في الاستقامة".
أما "أتيين دينيه"، وهو رسام ذو حس استشراقي وكاتب ذو شهرة عالمية ومن عائلة برجوازية، فقد ذكر كيفية تربية الرسول عليه السلام، وكيف عاش في البادية مما ألهمه القوة والشجاعة وتحمل الصعاب، فذكر في كتابه "محمد رسول الله": "إن الصحة الأخلاقية والجسدية التي يدين بها إلى البادية ساعدته كثيرًا على تحمل ما ابتُلي به من محن، وما كابده من قريش من صعاب".
وعن المستشرق الإنجليزي "وليام مونتغومري وات (1887-1976)"، ذكر في كتابه "محمد في مكة" ما نصه: "إن استعداد هذا الرجل لتحمل مشاق الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدًا وقائدًا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه الكريم، ولمَ لا، إذ لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير بها مثل ما فُعل بمحمد".
كذلك كان المستشرق الروماني "كونستاس جيورجيو"، المولود عام 1916، صاحب كتاب "نظرة جديدة في سيرة رسول الله"، الذي هاجم فيه القساوسة الذين اضطروا إلى تحريف القرآن لحذف اسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتبهم الدينية التي ذُكر فيها اسمه للطعن في نبوته، فذكر في كتابه "نظرة جديدة على حياة رسول الله" ما نصه: "ويرى المسلمون أن النصارى حرّفوا كلمة السيد المسيح، لأنه قال: إنه سيأتي من بعدي "بريكلي توس"، ومعناها باليونانية (أحمد) وهو بمعنى (الممدوح) وهو اسم نبي المسلمين. و(محمد) معناها الأكثر مدحًا. ويروي أن اليهود ذكروا هذه الكلمة "بريكي تول"، ويعلمون أن السيد المسيح سيخلفه (أحمد). وللعهدة على الرواية، ليلة ولادة رسول الله (ص) اضطربوا كثيرًا وتخوفوا من وضع آمنة بنت وهب".