في مثل هذا اليوم من عام 1906، أُسدل الستار على حياة أحد أعظم العقول في تاريخ الفيزياء النظرية، لودفيج إدوارد بولتزمان، الذي غادر العالم عن عمر يناهز 62 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا علميًا لا يزال يشكل حجر الأساس في فهمنا للطبيعة والكون.
ولد بولتزمان في 20 فبراير 1844 في مدينة فيينا، ونشأ في بيئة متواضعة، لكنه سرعان ما أظهر نبوغًا استثنائيًا في الرياضيات والفيزياء، درس في جامعة فيينا، وتدرّج في المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذًا للفيزياء النظرية في جامعة غراتس، ثم شغل مناصب مرموقة في جامعات لايبتزغ، ميونخ، وفيينا.
يُعرف بولتزمان بأنه الأب الروحي للميكانيكا الإحصائية، وهو العلم الذي يربط بين الظواهر المجهرية (مثل حركة الذرات والجزيئات) والظواهر الكلية التي نراها في حياتنا اليومية، مثل درجة الحرارة والضغط.
من أبرز إنجازاته:
- معادلة بولتزمان: تصف تطور توزيع الجزيئات في نظام حراري، وتُعد من أعقد المعادلات في الفيزياء النظرية.
- ثابت بولتزمان (k): رقم أساسي في الفيزياء، يربط الطاقة بدرجة الحرارة، ويُستخدم في تعريف الإنتروبيا.
- تفسير الإنتروبيا: في عام 1877، قدّم بولتزمان تعريفًا رياضيًا للإنتروبيا باعتبارها مقياسًا لعدد الحالات المجهرية الممكنة لنظام معين، وهو ما مهّد الطريق لفهم الفوضى والاحتمالية في الأنظمة الفيزيائية.
لم يكن بولتزمان مجرد فيزيائي، بل كان أيضًا فيلسوفًا، دافع بشدة عن الواقعية العلمية في زمن كانت فيه النزعة المثالية تهيمن على الأوساط الأكاديمية. خاض معارك فكرية ضد خصومه الذين شككوا في وجود الذرات، وكان من أوائل من دعموا نظرية أينشتاين حول الحركة البراونية، التي أثبتت لاحقًا صحة أفكاره.
رغم إنجازاته، عانى بولتزمان من اضطرابات نفسية حادة، وشعر بالإحباط من رفض المجتمع العلمي لأفكاره، وفي 5 سبتمبر 1906، أنهى حياته شنقًا في مدينة دوينو بإيطاليا، كانت وفاته صدمة للمجتمع العلمي، لكنها فتحت الباب لاحقًا لتقدير أعماله، خاصة بعد أن أثبتت التجارب صحة نظرياته.