الأحد 7 سبتمبر 2025

مقالات

حكايات مزمنة.. بطل خفي

  • 7-9-2025 | 11:32
طباعة

كنت أقف في طابور المصعد بالمستشفى، فرغم أن هناك أكثر من مصعد، إلا أن أغلبها مخصص للأطباء والتمريض ونقل سرائر المرضى غير القادرين على الحركة، لم يتبقى سوى مصعد واحد مخصص للمرضى القادرين والزائرين، ورغم الزحام كان يكفي بالكاد.

وبينما أنتظر دوري، وقع بصري على مشهد لن أنساه ما حييت، سرير متحرك يتجه نحو غرفة العمليات، لكنه لم يحمل مريضاً واحداً كما هو معتاد، بل شخصين معاً رجل مسن وطفل لم يتجاوز التاسعة من عمره.

تنازلت عن دوري في المصعد، وأخذت أراقب السرير عن قرب تساءلت! لماذا يرقد عليه اثنان؟ هل هو الزحام؟ أم مجرد مصادفة؟ لكن الحقيقة التي تكشفت أمامي كانت أكبر من كل توقعاتي.

لم يكن الرجل والد الطفل، بل زوج والدته ومع ذلك، كان أرحم به من أبيه، يرافقه في جلسات علاجه، ويقف إلى جواره في كل لحظة تعب، ويوم العملية أصر على أن يرافقه حتى غرفة العمليات، لا يتركه وحيداً في مواجهة الخوف، تمدد بجانبه على السرير، كأنه يقول له بصمت "أنا هنا.. والله العظيم ما هسيبك".

وعند باب العمليات، نزل الرجل من أعلى السرير، وقام بتقبيل جبين الطفل في هدوء ثم مضى داخلاً إلى غرفة العمليات، أما الصغير فانهار باكياً، وسجد عند باب الغرفة يتضرع، ظل هكذا حتى خرج حبيب روحه من الداخل، مسح دموعه سريعاً ووقف بجانبه في شجاعة، لكنه هذه المرة لم يجرؤ على الصعود بجانبه، فقد أدرك أن الألم أصبح أعمق من أن يُقتسم.

ذلك المشهد لم يكن مجرد قصة عابرة في مستشفى، بل درس في الوفاء، جعلني أُدرك أن البطولة في مواجهة المرض ليست حكراً على الأطباء أو الأجهزة الطبية، بل هناك بطل خفي لا يقل أهمية المرافق.

المرافق هو شريك التعب، الحارس الصامت على باب الألم، ذلك الذي يقتسم مع المريض قلقه وخوفه ويمنحه الأمان في لحظات الانكسار.

في قصص المرض التي عايشتها ورصدتها، اكتشفت أن المرافق يستحق أن نكتب عنه كثيراً  وربما أجعل كتابي القادم بعنوان بطل خفي"المرافق.. شريك التعب والألم".

أخبار الساعة

الاكثر قراءة