أكد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، أن التخفيضات المقدرة في ميزانية الأمم المتحدة لعام 2026 والتي تتضمن خفضا يتجاوز 500 مليون دولار، توازن بين المهام والموارد ومتطلبات الإصلاح، وجاءت بعد مراجعة شاملة لكيفية تنفيذ المهام وتخصيص الموارد.
وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، أكد "جوتيريش" أن هذه التخفيضات تأتي في إطار ضمان التوازن بين ركائز ميثاق الأمم المتحدة وهي: السلم والأمن، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، وكيفية تحسين العمل لاستخدام الموارد بأفضل السبل.
وتقترح التقديرات المنقحة - التي قُدمت إلى اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية - تخفيضات بنسبة 15.1% في الموارد و18.8% في الوظائف، في الميزانية العادية مقارنة بعام 2025، ويخضع حساب دعم عمليات حفظ السلام - الذي يمول الموظفين والخدمات الداعمين لبعثات الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم - لتخفيضات في الفترة 2025- 2026.
يُشار إلى أن اللجنة الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية - وهي هيئة فرعية تُقدم المشورة للجمعية العامة للأمم المتحدة - ستراجع المقترحات قبل إحالة توصياتها إلى اللجنة الخامسة للجمعية العامة، حيث تتخذ جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 193 القرارات بشأن المسائل المتعلقة بالإدارة والميزانية.
وقال "جوتيريش"، إن تخفيضات بهذا الحجم ستتطلب تنازلات، وإن الجهات الأممية حددت الآثار المحتملة على عملها، مثل تضييق نطاق أنشطتها، أو تعديل الجداول الزمنية، أو تقليل وتيرة التنفيذ، وقد استُثنيت من التخفيضات، البرامجُ والأنشطة التي تدعم الدول الأعضاء بشكل مباشر - ولاسيما أقل البلدان نموا والدول غير الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية، وجهود المناصرة للتنمية في الدول الإفريقية، كما تم الحفاظ على دعم صندوق بناء السلام ونظام المنسقين المقيمين للأمم المتحدة، وستواجه اللجان الاقتصادية الإقليمية تعديلات طفيفة، بينما يستمر نمو البرنامج العادي للتعاون التقني لتعزيز دعم بناء القدرات للدول النامية.
وذكر الأمين العام أن الأمم المتحدة ستتخذ التدابير اللازمة لحماية المهام الأساسية وجودة الخدمات، بما في ذلك إعطاء الأولوية للمخرجات عالية التأثير، وتجميع الخبرات بين الكيانات، والاعتماد على الوسائل الافتراضية والأتمتة (استخدام الأنظمة الأوتوماتيكية).
ووفقاً للأمين العام، تعمل الأمم المتحدة اليوم في عالم يتزايد فيه عدم اليقين السياسي والمالي، وفي هذه البيئة الصعبة، تهدف مبادرة الأمم المتحدة 80 إلى بناء أمم متحدة أقوى وأكثر فعالية، وتعكس التقديرات المنقحة للميزانية هذا الطموح، وتتضمن مقترحات لتحسين عمل المنظمة.
وفي هذا السياق، وإلى جانب التخفيضات، تقدم التقديرات المُعدلة أيضا المجموعة الأولى من المقترحات للأمانة العامة للأمم المتحدة في إطار مسار العمل 1 من مبادرة الأمم المتحدة 80، الذي يركز على الإدارة والعمليات.
وتشمل التدابير إنشاء مراكز إدارية جديدة في نيويورك وبانكوك، وتوحيد كشوف المرتبات في فريق عالمي واحد في نيويورك وعنتيبي ونيروبي، ونقل بعض الوظائف من مراكز عمل عالية التكلفة مثل نيويورك وجنيف إلى مراكز عمل أقل تكلفة.
وتشمل الخطط مزيدا من التوفير من خلال العقارات، إذ ستُخلي الأمم المتحدة مبنيين مُستأجرين في مدينة نيويورك بحلول عام 2027، ليبدأ التوفير السنوي المتوقع اعتبارا من عام 2028، وتهدف هذه التدابير مجتمعة إلى تقليل التكرار وتحسين الجودة وضمان تنفيذ المهام مع تلبية دعوة الدول الأعضاء إلى زيادة الكفاءة.
وقد أطلقت مبادرة الأمم المتحدة 80، في مارس 2025، وهي مبنية على 3 مسارات عمل، مسار العمل الأول يتضمن مقترحات بشأن الكفاءة وتحسين الإدارة، ولأول مرة تشمل التقديرات المنقحة هذا المسار، لتتبعه مقترحات إضافية للإصلاح في مرحلة لاحقة.
ومسار العمل الثاني حول مراجعة تنفيذ التفويض، وقد قُدم تقرير بهذا الشأن في أغسطس، وهو الآن قيد النظر من قبل مجموعة عمل غير رسمية حديثة الإنشاء، من المقرر أن تجتمع في 16 سبتمبر..أما مسار العمل الثالث فيركز على استكشاف إعادة تنظيم هيكلية وبرامجية من خلال مجموعات عمل على مستوى منظومة الأمم المتحدة، ومن المتوقع تقديم مقترحات أولية إلى الدول الأعضاء في وقت لاحق من هذا الأسبوع.
وقال الأمين العام، تمثل مسارات العمل الثلاثة إعادة توجيه مهمة للكيفية التي تعمل بها الأمم المتحدة، بهدف ضمان استمرار فعالية المنظمة ومصداقيتها واستدامتها.
وستراجع التقديرات المُعدلة أولا اللجنةُ الاستشارية لشؤون الإدارة والميزانية، والتي من المتوقع أن تعقد جلسات استماع هذا الأسبوع، بعد ذلك تُحال المقترحات إلى اللجنة الخامسة للجمعية العامة، حيث تتفاوض جميع الدول الأعضاء الـ 193 وتبت في مسائل الإدارة والميزانية، ومن المتوقع صدور قرار بهذا الشأن بحلول ديسمبر.
وفي حال اعتمادها، سيبدأ سريان التغييرات في عام 2026 مع تنفيذها تدريجيا، وستنعكس التغييرات الإضافية الناتجة عن مسارات العمل المختلفة في مشاريع الميزانيات المستقبلية.
وفي رسالة إلى موظفي الأمم المتحدة أقر الأمين العام "جوتيريش" بأن التغييرات ستؤثر على عملهم اليومي وحياتهم المهنية، وأقر بصعوبة الخيارات المطروحة في الميزانية المنقحة، وقال إن المساءلة عن القرارات بدأت معه باعتباره أمينا عاما للأمم المتحدة، ولكنها امتدت أيضا إلى المديرين والموظفين في جميع أنحاء المنظمة.
وشدد "جوتيريش" على ضرورة تنفيذ التغييرات بإنصاف وتعاطف واحترافية، وعلى أن لكل فرد دوره في دعم قيم الأمم المتحدة فيما تمضي هذه العملية قدما.