الخميس 18 سبتمبر 2025

ثقافة

الشيخ الحصري.. قارئ الأمة ومدرسة التلاوة المنضبطة في العالم

  • 17-9-2025 | 17:33

الشيخ الحصري

طباعة
  • دعاء برعي

تلألأ اسم القارئ الشيخ محمود خليل الحصري في تاريخ تلاوة القرآن الكريم، كأحد أهم وأبرز أعلام التلاوة في مصر والعالم بأثره، وتعد تلاوته مؤسسة قرآنية متكاملة شكّلت أداء ووجدان ملايين المسلمين حول العالم، ورسّخت معايير التلاوة الصحيحة، وكرّست حياته لخدمة القرآن الكريم كتابةً، وتلاوةً، وتعليمًا..

ميلاده ونشأته
وُلد الشيخ محمود خليل الحصري في 17 سبتمبر 1917، في قرية شبرا النملة التابعة لمحافظة الغربية، وسط دلتا مصر، وترعرع في بيئة ريفية بسيطة، طفلًا هادئ الملامح، حمل صوته منذ نعومة أظفاره ملامح ما أصبح عليه من تلاوة القرآن الكريم في ما بعد، فحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، لم يتجاوز الثامنة من عمره، والتحق بالأزهر الشريف، وتلقى علوم التجويد والقراءات على يد كبار العلماء، وظهرت براعته في تطبيق قواعد التلاوة.

أسس الشيخ الحصري في عالم تلاوة القرآن الكريم "مدرسة الأداء الرصين"، فتميز أسلوبه بالتركيز على سلامة النطق، ودقة المخارج، وضبط الأحكام التجويدية، ما جعله مرجعًا تعليميًا قبل أن يكون صوتًا عذبًا يهدي إلى الخشوع. ولم يميل إلى "التطريب المفرط" في التلاوة، لذا تميز أداؤه بالاتزان.
ويُحسب له أنه أول من سجّل المصحف المرتل كاملًا بصوته، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وهي الخطوة التي مثلت نقطة تحول فارقة في نشر القرآن الكريم، فقد كانت التلاوة، قبل ذلك، تُسمع في المساجد أو الحفلات، لكنها لم تكن محفوظة بنسق متكامل ومنضبط. 

سجّل الحصري المصحف برواية حفص عن عاصم، وتوالى تسجيله بالروايات الأخرى التي ضمت رواية ورش، وقالون، والدوري، ليكون أول من جمع بين الروايات الكبرى في تسجيلات صوتية حديثة.
كما سجّل المصحف المعلَّم لتعليم الأطفال والمبتدئين أحكام التلاوة، والمصحف المجود بأسلوب أدائي فني راقي الأمر الذي أسهم في جعل القرآن الكريم متاحًا بشكل غير مسبوق للمسلمين في كل مكان، وبجودة عالية، وأداء علمي منضبط.

منابر العالم تستمع للحصري
صدح صوت الحصري في منابر عالمية عدة منها المسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى، والحرمين الشريفين، وصدح صوته قارئًا للقرآن في مبنى الكونغرس الأمريكي وفي الأمم المتحدة، وفي البرلمان البريطاني، حاملًا راية الإسلام بصوت عذب نقي.

جهوده في نشر علوم القرآن
لم يكن الحصري قارئًا فحسب، لكن عالمًا في علوم القراءات والتجويد، فألّف أكثر من 10 كتب في هذا المجال، يعد أبرزها "أحكام قراءة القرآن الكريم"، و"القراءات العشر من الشاطبية والدرة"، و"معالم الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتداء"، و"مع القرآن الكريم".
وكان يُدرّس هذه العلوم في الأزهر، كما شارك في لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، وكان حريصًا على ضبط طباعة المصاحف في الداخل والخارج، والتصدي لأي تحريف أو خطأ.

أسس الحصري كذلك العديد من المدارس القرآنية، وشجع على فتح معاهد لتعليم القراءات، وكان يؤمن بأن التجويد فريضة وليس ترفًا صوتيًا، وأنه يجب أن يُدرّس في كل مراحل التعليم.

إرث إعلامي خالد
عندما نذكر إذاعة القرآن الكريم، لن نستطيع إغفال اسم الحصري الذي أسهم بجهوده في تأسيسها عام 1964، والتي تعد أول إذاعة متخصصة في القرآن الكريم تُبث على مدار اليوم، فكان أول صوتٍ يُبث على أثيرها هو صوت الحصري، بآيات من سورة الفتح.

وفاته
توفي الشيخ محمود خليل الحصري في 24 نوفمبر 1980، عن عمر ناهز 63 عامًا، بعد رحلة ثرية بالعطاء القرآني والعلمي، رحل الحصري لكن صوته بقي حاضرًا، يتردد في بيوت الله، وفي كل أرجاء العالم شرقًا وغربًا.

أخبار الساعة