الأحد 16 نوفمبر 2025

فن

الإنسان البسيط بطلاً في أفلام محمد خان.. كيف جسد الواقع اليومي؟

  • 26-10-2025 | 03:50

محمد خان

طباعة
  • ندى محمد

تحل اليوم ذكرى ميلاد المخرج الكبير محمد خان، أحد أبرز صناع الواقعية في السينما المصرية، وصاحب بصمة إنسانية خالدة جعلت من الكاميرا عينًا ترى الناس لا الأبطال المصنوعين. 

لم يكن خان مجرد مخرج، بل كاتب سيناريو ومؤلفًا، ومؤرخًا بصريًا التقط نبض الشارع المصري، ورفع وجوه البسطاء إلى شاشة السينما، مؤمنًا بأن الإنسان البسيط هو البطل الحقيقي، مهما بدت حكايته عادية.

ولد محمد خان في 26 أكتوبر 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، ونشأ في القاهرة بجوار دار سينما مكشوفة ألهمته حب السينما منذ الصغر، في عام 1956 سافر إلى لندن لدراسة الهندسة، وهناك تعرف على شاب سويسري يدرس السينما وأصبح صديقًا له، ما دفعه على ترك الهندسة والالتحاق بمعهد السينما في لندن، حيث أتيح له التعرف على التيارات السينمائية الأوروبية لمدة سبع سنوات.

بعد عودته إلى مصر عام 1963، عمل في الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف في قسم قراءة السيناريو، لكنه لم يستمر أكثر من عام، وسافر إلى لبنان للعمل كمساعد مخرج مع مخرجين لبنانيين مثل يوسف معلوف وديع فارس وفاروق عجرمة. بعد نكسة 1967 عاد إلى لندن قبل أن يعود إلى مصر نهائيًا عام 1977.

بدأ خان مسيرته كمخرج بفيلم «ضربة شمس» عام 1978، لتتوالى بعد ذلك أعماله مثل: طائر على الطريق، موعد على العشاء، زوجة رجل مهم، خرج ولم يعد، الحريف، أحلام هند وكاميليا، فارس المدينة، أيام السادات، في شقة مصر الجديدة، فتاة المصنع، وقبل زحمة الصيف. كما ساهم في كتابة القصة والسيناريو لفيلم سواق الأتوبيس للمخرج عاطف الطيب.

تعاون خان مع أبرز نجوم السينما المصرية، من بينهم أحمد زكي، نور الشريف، سعاد حسني، وعادل إمام، وقدم لهم أدوارًا خالدة أكسبتهم مساحات جديدة من الإبداع، ومع ذلك، نشب خلاف قوي بين خان وعادل إمام أثناء تصوير فيلم الحريف بسبب تدخلات إمام في العمل، مما أدى إلى قطيعة استمرت حتى رحيل خان.

لم تكن الواقعية عند خان موضة سينمائية، بل موقفًا إنسانيًا، فهو لم يسعَ للزخرفة البصرية أو الحوارات المصطنعة، بل ركز على التفاصيل اليومية التي تعكس الحقيقة دون تجميل، من موظف بسيط يركض خلف موعد على العشاء، إلى فتاة تحاول إثبات نفسها في مجتمع يرفضها، في أفلامه، تتحرك الكاميرا برفق، كعين تراقب دون أن تقاطع الحياة، ملتقطة وجوهًا لم تفسدها الشهرة، وأماكن حقيقية تعكس الواقع كما هو.

وحرص خان على إظهار أبطال لا يصنعون المعجزات، ولا يهزمون العالم، بل يقاومون قسوة الواقع بصمت، ومن «أحلام هند وكاميليا» إلى «موعد على العشاء»، منح خان بطلاته حضورًا مركزيًا نادرًا، فكانت المرأة في أفلامه إنسانة من لحم ودم، تتألم وتحلم وتقاوم، لا مجرد ظل أو زينة. 

كانت شخصياته النسائية صريحة ومعقدة، تتصارع مع المجتمع وتواجه قيوده اليومية، بينما لم يكن رجال خان دائمًا أقوياء، بل أحيانًا مهزومين يسعون فقط للكرامة.

حصل خان على الجنسية المصرية رسميًا في عام 2014 في سن الثانية والسبعين، بعد سنوات طويلة من المطالبة، رغم أنه كان مصري الهوى والانتماء منذ البداية. 

وكان آخر أعماله فيلم «قبل زحمة الصيف»، الذي تدور أحداثه في قرية سياحية بالساحل الشمالي، حيث يقضي الدكتور يحيى وعائلته عطلتهم الصيفية، وتتبدل أحداث العطلة مع وصول موسم الصيف ذروته، وشارك في بطولته كل من هنا شيحة وماجد الكداوني.

ترك محمد خان إرثًا سينمائيًا ضخمًا، ودخلت أربعة من أفلامه قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية: أحلام هند وكاميليا، زوجة رجل مهم، خرج ولم يعد، فتاة المصنع. 

رحل في 26 يوليو 2016، لكن أفلامه لا تزال تُعرض وتُدرس وتُلهم أجيالًا جديدة، لأنها لم تكن مجرد ترفيه، بل كانت تصويرًا حيًا للحياة اليومية، وكتابة بالكاميرا لسيرة الناس والمجتمع المصري، مؤكدًا أن الإنسان هو البطل الحقيقي، حتى وإن لم يُصفّق له أحد.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة