الأحد 2 نوفمبر 2025

مقالات

درة متاحف العالم.. تاريخ كبير ووثائق حاضرة


  • 28-10-2025 | 15:08

د. زين عبد الهادي كاتب وأكاديمي

طباعة
  • د. زين عبد الهادي كاتب وأكاديمي
للثقافة والتاريخ والعالم وليس لمصر وحدها.. المتحف المصري الكبير يجسد عظمة الحضارة المصرية كلها 
ليس من قبيل الصدفة أن يكون المتحف الكبير  ( Grand Egyptian Museum   (GEM  
متحفا عالميا يمثل  حضارة مصر القديمة، والحقيقة أنه ليس مجرد متحف، بل هو صرح حضاري عالمي، يجسد تاريخًا يمتد لأكثر من 5000 عام، بعمارة عصرية تنافس أعظم المتاحف العالمية، وبتجربة زيارة تفاعلية لا مثيل لها، بل يمكن القول إنه أول متحف في العالم يُدمج فيه العلم، والفن، والتكنولوجيا، والاستدامة، والترفيه في كيان واحد، بما يجعله نموذجاً عالمياً يُحتذى به في تصميم المتاحف لعقود قادمة.
وهو يتفوق على متاحف مثل الفاتيكان في قلب روما، ومتحف المتروبوليتان في نيويورك، والمتحف البريطاني في لندن، ومتحف الأرميتاج في روسيا، بكونه أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة (الحضارة المصرية القديمة). ليس فقط يتميز عنها من حيث الحجم ، بل يتميز عنها من حيث كونه يعرض كنوز توت عنخ آمون كاملةً لأول مرة منذ اكتشافها عام 1922، بالإضافة إلى أنه يضم أكثر من 100,000 قطعة أثرية، من بينها مومياوات ملوكية ومراكب الشمس ومسلة معلقة، كما أنه يستخدم أحدث التقنيات التكنولوجية الرقمية مثل الواقع المعزز والعرض الثلاثي الأبعاد لتقديم تجربة تفاعلية فريدة .
إن الإرث الحضاري المصري أكبر من أن يتسع له متحف واحد لتنوع تاريخ مصر  وغزارة آثاره وهو ما يجعلها بلدا فريدا في إمكاناته الأثرية والتاريخية والثقافية ومن ثم السياحية، لذلك نجد لدينا متاحف متنوعة ومتخصصة، مثل المتحف الروماني والمتحف القبطي والمتحف الإسلامي والمتاحف المفتوحة سواء في المساجد المملوكية أو العثمانية أو الأديرة في الصحراء، وسواء كانت مدنا وواحات بأكملها، أو متاحف خاصة بشخصيات مثل متحف أحمد شوقي وأم كلثوم، أو متحف العقاد ومتحف نجيب محفوظ وغيرهم الكثيرين،  وكذلك متاحف متخصصة كالمتحف الزراعي ومتحف السكك الحديدية ومتحف البريد ومتحف العواصم مؤخرا في مدينة الفنون والثقافة،  وغيرها، هذا التنوع الهائل، مع غزارة المكتشفات الأثرية كان من الصعب أن يحصر في متحف واحد، ومع احتفاظ مصر بمتحفيها الكبيرين متحف ميدان التحرير ومتحف الحضارة، يأتي المتحف الكبير كدرة لتاج المتاحف في مصر، وواحدا من أكبر متاحف العالم بتصميمه وقاعاته ومساحته وبالطبع معروضاته الفريدة التي بدأت بالملك رمسيس.
تاريخ المتاحف في العالم:
هناك العديد من الآراء حول أول متخف تم إنشاؤه في العالم، فمنهم من يعيده إلى جامعة ومكتبة ومتحف الإسكندرية، ومنهم من يعيده إلى متحف أور في العراق ، حيث يقال أن أول متحف في العالم هو متحف إنيغالدي نانس، وقد أسسته الأميرة البابلية إنيغالدي ابنة الملك البابلي نابونيدوس في مدينة أور (العراق حاليًا) حوالي عام 530 قبل الميلاد، حيث جمعت الأميرة إنيغالدي العشرات من القطع الأثرية ورتبتها وعرضتها، مع وجود نصوص تشرحها. . ومع ذلك، إذا كنا نتحدث عن أول متحف حديث والمفتوح للجمهور بالمعنى المتعارف عليه اليوم، فإنه متحف أشموليان في جامعة أكسفورد ببريطانيا، والذي افتتح عام 1683. 
وقد افتتح أول متحف للجمهور وهو متحف «الأشموليان»  Ashmolean Museum في عام 1683م، في جامعة أكسفورد بلندن، وكان هذا المتحف يعرض مجموعة من الأشياء الأثرية والغريبة حيث أهدى إلياس أشمول، عالم الآثار الثري، مجموعته إلى الجامعة. 
تاريخ متاحف الآثار المصرية:
متحف الآثار المصرية في التحرير
يعد متحف الآثار المصرية بالتحرير أول  متاحف الآثار المصرية التي تم إنشاؤها في مصر،  و تعود الفكرة الأولى لبناء متحف  للآثار المصرية لعام 1835  والذي يعد أقدم متحف أثري بالشرق الأوسط (170,000 قطعة أثرية)، وتعود فكرة بنائه لمحمد علي باشا الذي أصدر مرسوماً في 15 أغسطس 1835 لوقف خروج الآثار من مصر، مما أسفر على إنشاء أول متحف مصري في القاهرة بالقرب من حديقة الأزبكية،  ثم تم التفكير في متحف أكبر يضم تلك الآثار المكتشفة، وتم وضع حجر الأساس له  في ميدان التحرير في 1 أبريل عام 1897، وافتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني في 15 نوفمبر 1902,  وقام بوضع تصميم المبنى  المعماري الفرنسي   مارسيل دورنيونMarcel Dourgnon  الذي فاز بالمسابقة الدولية عام 1895، وتميز المبنى بطرازه  النيو كلاسيكي الفرنسي  مع عناصر تناسب الطابع الأثري المصري، وقام ببنائه  الشركة الإيطالية المملوكة لـجوسيبي جاروزو وفرانشيسكو زافاريني  Giuseppe Garozzo and Francesco Zaffrani
 ولا تقتصر مجموعة المتحف على الآثار المعروضة أو مخازنه الممتلئة بالآثار بل هناك أرشيف يضم مجموعة كبيرة من الوثائق المهمة مثل: حوالي 30 رسماً معمارياً أصلياً   للمتحف صممها المهندس المعماري الفرنسي مارسيل دورنيون، إضافة مايقرب من 50,000 مادة فوتوغرافية   بأشكال مختلفة تتضمن صور مراحل بناء المتحف، وكذلك 28 مخطوطاً   خاصاً بالكتالوج العام للمتحف أعده علماء المصريات منهم: دارسي، وريزنر وماسبيرو، وأيضا أرشيف كامل للسجلات العامة   والسجلات المؤقتة والكتالوج العام لمعروضات المتحف.
وتعاقب على إدارة المتحف مجموعة من المصريين والأجانب كان أولهم المصري يوسف ضياء أفندي (1835-1850) كأول مدير للمتحف، مع مجموعة من علماء المصريات الفرنسيينة منهم أوغست مارييت   (Auguste Mariette) (1858-1881) - عالم المصريات الفرنسي ومؤسس مصلحة الآثار المصرية، وجاستون ماسبيرو   (Gaston Maspero) (1881-1886) - خلف مارييت وطور المتحف، وجريبو أوجينى   (Grébaut Eugène) (1886-1892)، وجاك دي مورجان   (Jacques de Morgan) (1892-1897)، وفيكتور لوريت   (Victor Loret) (1897-1899)، وجاستون ماسبيرو   (1899-1914) - عاد لتولي المنصب مرة أخرى، ثم تولى إدارته بعد ذلك مصريون.
متحف الحضارة:
 يعد هذا المتحف الأول من نوعه في مصر والعالم العربي، فهو أيضا خاص بالحضارة المصرية القديمة فقط، بدأت فكرته عام   1982 عندما أعلنت اليونسكو عن حملة دولية لإنشائه، ووضع حجر الأساس في الفسطاط بمصر القديمة في عام 2002، وتم افتتاحه في 3 أبريل عام 2021، وتعاقب على إدارته كل من   الدكتور الطيب عباس  الرئيس التنفيذي الحالي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، والدكتور أحمد غنيم الذي كان رئيساً تنفيذياً للمتحف قبل انتقاله للمتحف المصري الكبير، وتم تعيين جيهان زكي رئيساً للمتحف في مايو 2024.
وتتوفر العديد من الوثائق الرسمية والمراسيم الخاصة بإنشاء هذه المتاحف، منها: مرسوم محمد علي باشا   (1835) لإنشاء أول متحف مصري، ووثائق المسابقة المعمارية الدولية (1895) للمتحف المصري، والرسومات المعمارية الأصلية لمارسيل دورنيون، وقرارات وزارية   بتعيين مديري المتاحف عبر التاريخ، وأخيرا وثائق اليونسكو   الخاصة بالمتحف القومي للحضارة.
المتحف المصري الكبير (الجديد)  
بدأت فكرة بناء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي والذي تمثل استهلالية الاسمGEM اختصارا لاسمه باللغة الإنجليزية إلا أنها تعني أيضا في الإنجليزية كلمة الماسة أو الحجر الكريم، ووضع حجر الأساس للمتحف عام 2002، أما البناء فقد بدأ في مايو 2005، بتكلفة إجمالية حوالي 1.2 مليار دولار, سيتم افتتاحه في نوفمبر 2025 مع طباعة هذا العدد من مجلة الهلال.
يقع المتحف المصري الكبير في هضبة الجيزة، على مساحة شاسعة تبلغ حوالي 500,000 متر مربع، أي ما يعادل 117 فدانًا، ويطل مباشرة على أهرامات الجيزة الثلاثة، مما يجعله جزءًا من "المثلث الذهبي" للآثار المصرية.  أما الطراز المعماري للمتحف فهو يجمع بين الرمزية الفرعونية والحداثة المعمارية، والواجهة مستوحاة من شكل المثلثات، في إشارة رمزية إلى الأهرامات، وتحديدًا إلى نظرية التقسيم اللانهائي للمثلث التي طرحها عالم بولندي، كما يتميز بواجهة زجاجية شفافة تتيح للزوار رؤية الأهرامات من داخل المتحف، مما يخلق تناغمًا بصريًا فريدًا بين الماضي والحاضر، كما أن تصميم المتحف يشبه كتلة مخروطية تمثل أشعة الشمس عند التقائها مع قمم الأهرامات.
يمكن القول بأن فكرة إنشاء المتحف ظهرت في التسعينيات من القرن العشرين، بهدف تخفيف الضغط عن متحف التحرير وتوفير مساحة عرض أكبر للآثار المصرية ، وهكذا في عام 2002، تم وضع حجر الأساس الرسمي للمشروع، وتم تنظيم مسابقة معمارية دولية شارك فيها أكثر من 1557 مشروعًا من 83 دولة، وفاز بها ائتلاف من 14 مكتبًا استشاريًا من 5 دول بقيادة المكتب الأيرلندي Heneghan Peng Architects بعد منافسة شارك فيها 1555 تصميماً من 83 دولة.
وقد استوحى المكتب المصمم للمبنى فكرته من العلاقة الشمسية مع الأهرامات، حيث تُشكّل الواجهة الزجاجية المثلثة مخروطاً ضوئياً يتقاطع مع خط الشمس عند شروقها وغروبها خلف أهرامات الجيزة، مما يجعله متوافقاً فلكياً مع محيطه الأثري، كما تم استخدام الحجر الجيري المصري من طرة والمعادي في الواجهات، ليكون امتداداً طبيعياً لهضبة الجيزة، مع زجاج عاكس يعكس الأهرامات ويُخفي المبنى خلفها في بعض الزوايا.
يصل ارتفاع مبنى المتحف إلى 45 متراً في أعلى نقطة، أي بارتفاع يُقارب هرم زوسر في سقارة، ويُعد أعظم مبنى متحفي في العالم من حيث الحجم الأثري المُعروض تحت سقف واحد. كما ينقسم المبنى إلى كتلتين رئيسيتين هما  كتلة الجنوب (المتحف): بمساحة 92,623 م²، وتضم  قاعات العرض الدائمة والمؤقتة، وقاعة توت عنخ أمون (7,500 م²)، والدرج العظيم (6,000 م²)، ومركز الترميم (32,000 م²) تحت الأرض، ومخازن سرية مُحكمة الإغلاق (4,000 م²)، ومكتبة علمية، ومكاتب بحثية، ومعامل رقمية، أما الكتلة الثانية فهي كتلة الشمال  أو(مركز المؤتمرات): بمساحة 40,609 م²، وتضم قاعة مؤتمرات تتسع 900 فرد، وسينما ثلاثية الأبعاد 500 مقعد، ومطاعم، كافيهات، محلات تجارية، وكذلك مركزا ثقافيا بتكنولوجيا متقدمة.
كما يمكن القول أيضا أن مركز الترميم يعد مدينة علمية كاملة، وهو يقع بكامله تحت سطح الأرض بعمق 10 أمتار، ويرتبط بالمتحف عبر نفق آمن بطول 300 متر لنقل القطع، ويضم  19 معملاً، متخصصا  منها، معمل الميكروبيولوجي لفحص التلف الحيوي، ومعلم الأشعة تحت الحمراء والميكروسكوب الإلكتروني لتحليل المواد، ومعمل المومياوات لدراسة البقايا البشرية والحيوانية، ومعمل الأخشاب والأقمشة والمعادن النادرة، كما يعمل المعمل بالطاقة الشمسية بنسبة 35%، مع تبريد ذكي يحافظ على درجة حرارة ورطوبة ثابتة داخل المعامل.
أيضا يستخدم المتحف تقنيات ذكية متعددة داخل المبنى منها إنترنت الأشياء (IoT): أكثر من 30,000 حساس الذي يراقب درجات الحرارة والرطوبة داخل العرض، وحركة الزوار وكثافتهم، والحالة الإنشائية للمبنى، كما أن  الإضاءة  في المبنى تفاعلية تتغير وفقاً لحركة الزائر ونوع القطعة المعروضة، كما تستخدم تكنولوجيا الواقع المعززAR  حيث يُستخدم في نظارات الزائرين الذكية لرؤية القطع كما كانت عليه في عصرها، كذلك هناك العرض الهولوغرافي  في قاعة توت عنخ آمون، يُعرض مشهد افتتاح القبر عام 1922 بشكل ثلاثي الأبعاد
لا يقتصر الأمر على ذلك إذ تتوافر مجموعة من الحدائق والساحات التي تستخدم كمتحف مفتوح، وتضم  حديقة المعبد بمساحة  15,000 م²، وتضم نباتات عطرية استخدمها القدماء في الطق، وحديقة أرض مصر بمساحة 17,000 م²، محاكاة للبيئة الزراعية المصرية القديمة، بها قنوات مائية وأشجار نخيل وزهور لوتس، ومسرح الهرم وهو  مدرج مكشوف يتسع 1,000 فرد، يُستخدم للعروض الصوتية والضوئية بإطلالة مباشرة على الأهرامات، وممشى سياحي  سيتم ربطه بالأهرامات عبر كوبري علوي فوق طريق الفيوم، بطول 1.2 كم، يمكن للزائر السير أو ركوب الطفطف الكهربائي
أما قاعات العرض فتمثل  رحلة زمنية في مصر القديمة، وتضم  الدرج العظيم بمساحة 6,000 م² ويضم 87 قطعة ضخمة، منها تمثال رمسيس الثاني (11 متراً)، وكذلك مجموعة  توت عنخ آمون بمساحة  7,500 م²وتضم5,000 قطعة، منها القناع الذهبي والتابوت الثلاثي وعربات الحرب، وهناك القاعات الدائمة بمساحة 18,000 م²، وهناك 12 قاعة، تغطي 3 الحقب التاريخية التالية عصر ما قبل الأسرات، و الدولة القديمة، والدولة الوسطى والحديثة ، و متحف الطفل بمساحة 5,000 م² ويعرض نماذج تفاعلية، ألعاب تعليمية، واقع افتراضي ، كما أن هناك قاعات لذوي الاحتياجات الخاصة بمساحة 650 م² وتقدم عروض بريل، وعروض صوتية،  ولمسية
وبالنسبة للأمن والأمان واستدامة مبنى وأجهزة المتحف فهناك نظام أمني ذكي  يشمل كاميرات بتقنية 8K، وأنظمة تعرف على الوجه، وبوابات إلكترونية تُغلق تلقائياً في حالات الطوارئ، كما أن هناك تحكما مناخيا من خلال نظام HVAC متقدم يحافظ على درجة حرارة 20-22°م ورطوبة 45-55%، و يُعاد تدوير 80% من مياه الصرف لري الحدائق، كما يتم إنتاج  3 ميجاوات من الطاقة الشمسية عبر ألواح مدمجة في السقف.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة