الثلاثاء 4 نوفمبر 2025

ثقافة

حديقة الأزبكية.. «مسرح الفن» أكثر من 150 عامًا من الجمال والحكايات

  • 4-11-2025 | 15:27

حديقة الأزبكية.

طباعة
  • همت مصطفى

في قلب القاهرة، حيث تتنفس الذكريات عبق التاريخ وتتراقص ظلال الماضي مع أنفاس الحاضر، تقف حديقة الأزبكية شاهدة على قرن ونصف من التحولات الحضارية والثقافية، هذه الحديقة التي تحولت من بركة مائية في العصر المملوكي إلى واحدة من أعرق الحدائق النباتية في مصر، لم تكن مجرد متنزه للترفيه، لكنها  كانت ولا تزال وستبقى ما حيينا للأبد  رمزًا حيًا لارتباط الطبيعة بالفن، والجمال بالإبداع.

ميلاد حديقة  الأزبكية وارتباطها بالمسرح

في عام 1864، تم ردم البركة التي كانت تتوسط الميدان حي الأزبكية، لتولد في مكانها عام 1872 حديقة الأزبكية على يد المهندس الفرنسي «باريل ديشان بك»، على مساحة 18 فداناً أحيطت بسور من البناء والحديد وفُتحت بها أبواب من الجهات الأربع،  لكن الخديوي إسماعيل، صاحب الرؤية الثقافية الطموحة، لم يكتفِ بإنشاء حديقة نباتية، بل أراد أن يجعل من الأزبكية مركزاً حضارياً وفنياً يضاهي عواصم أوروبا.

 

فأقام في طرف الأزبكية الجنوبي مسرحين عظيمين: المسرح الكوميدي الفرنسي الذي أُنشئ في 2 نوفمبر 1867 وافتُتح في 4 يناير 1868 تحت إدارة الخواجة منسي، ودار الأوبرا الخديوية التي أصبحت قبلة عشاق الفن والموسيقى. هكذا تحولت الأزبكية إلى فضاء ثقافي متكامل يجمع بين جمال الطبيعة وسحر المسرح، بين خضرة الحدائق ونور الفن.

الأزبكية.. مسرح الاحتفالات الكبرى

 وبعد الانتهاء من تشجير الحديقة وتزيينها وإنارتها، عُين مسيو «باريليه» الفرنسي ناظراً لها ولجميع المتنزهات الأخرى. وأصبحت الحديقة مسرحًا لأهم الاحتفالات الرسمية والشعبية، حيث احتفلت الجالية الإنجليزية في يونيو 1887 بعيد الملكة فيكتوريا، بينما احتفلت الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو.

أما الاحتفالات المصرية في الحديقة فكان أبرزها الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني واحتفالات الجمعيات الخيرية والمحافل الماسونية، حيث كانت الموسيقى العسكرية تعزف، وتُقام السرادقات، ويحيي أشهر المطربين حفلاتهم، ومن بينهم عمالقة الطرب والغناء في أزمنة الفن الجميل ومنهم : الشيخ يوسف المنيلاوي، وعبده الحامولي، ومحمد عثمان.

من قصر العدل إلى الفنادق الفاخرة

لم تكن الأزبكية مجرد حديقة ومسارح،لكنها  كانت محورًا حضاريا متكاملا،  ففي عهد وزارة «نوبار باشا»، تم استخدام قصر العتبة الخضراء كمقر للمحكمة المختلطة، ثم تحول إلى دار القضاء العالي المعروف حاليًا في المنطقة التي أُطلق عليها ميدان الإسعاف. وفي منتصف القرن التاسع عشر تم إنشاء مستشفى أهلي بميدان الأزبكية.

و كانت المنطقة تضم عدداً من أفخم الفنادق في ذلك العصر، منها الأسطوري «شبرد» و«الكونتيننتال» بالإضافة إلى «وندسور» و«إيدن بالاس»، مما جعل الأزبكية قلب القاهرة النابض بالحياة والثقافة والضيافة.

حريق 1952 وتقسيم الحلم

لكن القدر كان له رأي آخر،  بعد حريق القاهرة الذي حدث في 26 يناير 1952، طرأت على ميدان الأزبكية تغيرات جذرية، فتم نقل مكاتب شركات الطيران التي كانت موجودة بفندق شبرد، الذي دُمر تماماً في الحريق  إلى ميدان التحرير. وتم تقسيم ميدان الأزبكية نفسه بمساحته الهائلة إلى أربعة أماكن تضم حاليًا مبنى البنك المركزي الجديد، ومحطة بنزين، وجراج الجمهورية، ومبنيين تابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية والتأمين الصحي.

 وعن حديقة الأزبكية الأصلية، فقد قُسمت هي الأخرى، وشُيد على جزء منها سنترال الأوبرا، واخترقها شارع 26 يوليو فقسمها إلى قسمين، لتفقد بذلك الكثير من وحدتها ورونقها التاريخي، لكنها تظل حتى اليوم شاهدة على عصر ذهبي من تاريخ القاهرة الثقافي والفني.

واليوم، ومع زيارة وزير الثقافة لهذا المكان التاريخي، تتجدد الآمال في إعادة الحياة والبريق لهذه المنطقة العريقة التي كانت يوماً قلب الحياة الثقافية المصرية النابض.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة