تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية.
هذه الشوارع التاريخية ليست مجرد معابر، بل تحكي حكايات ملوك ومفكرين وفنانين، ويقصدها الزوار من داخل مصر وخارجها للاستمتاع بجمالها وعبقها التراثي، فهي من أبرز معالم القاهرة، تجمع بين سحر الماضي ونبض الحاضر، وتشكل عنصرًا أساسيًا في خريطة السياحة الثقافية للمدينة، ومنها شارع محمد مظهر.
وُلد المهندس المصري محمد مظهر عام 1809 في مصر لأبٍ عثماني وأم مصرية، ورغم أهميته التاريخية، لا يُعرف على وجه الدقة تاريخ ميلاده ولا وفاته، كما تظل تفاصيل طفولته الأولى غامضة.
ويشير البعض إلى أنه تلقى تعليمه الأول في مدرسة رأس التين، ثم أوفد في بعثة علمية إلى فرنسا في مايو 1826، ضمن الدفعة الثانية التي أرسلها محمد علي باشا إلى أوروبا.
وكان يشرف على البعثة العالم الفرنسي ميسو جومار، هناك تخصص مظهر في دراسة الرياضيات والهندسة البحرية، وقد برز نبوغه وهو لم يتجاوز السابعة عشرة.
حقق مظهر نجاحًا لافتًا في فرنسا، فحصل على الجائزة الأولى في الإنشاء واللغة الفرنسية، والجائزة الأولى في مادتي الجبر والهندسة، كما تميّز في علوم الرياضيات واحتل المرتبة السادسة بين سبعين طالبًا.
درس في المدرسة الملكية بربون (College Royal de Bourbon)، وتتلمذ على يد الفيلسوف “أوجست كونت” مؤسس المذهب الوضعي، ما ترك أثرًا عميقًا في شخصيته العلمية، وقد امتدحه رئيس البعثة جومار قائلًا: "إن نبوغ مظهر أفندي في الرياضيات مما سترعي النظر"، ونظرًا لتفوقه، قُدم إلى المفكر “جون ستيوارت ميل” كأحد ألمع الطلاب الأجانب.
أقام مظهر في فرنسا عشر سنوات، ثم رحل إلى إنجلترا عام 1835 لاكتساب الخبرة العملية، قبل أن يعود إلى مصر، عينه محمد علي باشا ناظرًا لمدرسة المدفعية برتبة بكباشي، ثم تولى تنفيذ مشروعات هندسية كبرى، أبرزها بناء فنار الإسكندرية في رأس التين.
وفي عام 1844 شارك في إنشاء حوض لترميم السفن الحربية، وأسهم مع المهندس الفرنسي “موجيل” في بناء القناطر الخيرية، وتولى الإشراف على الجزء الخاص بفرع رشيد.
وقد مُنح رتبة أمير آلاي، ثم سافر مجددًا إلى فرنسا لوضع خطة إصلاح بعض عيون القناطر، وعند نجاحه في تنفيذها كرّمه الخديو إسماعيل برتبة الباشوية، وتولى منصب وزير الأشغال.
نال مظهر تقدير العلماء المعاصرين له، فقال عنه الطبيب الفرنسي “كلوت بك”: “هو المهندس المصري الذي تلقى العلم في فرنسا، ويجب أن يُمدح ويُشاد به”، ورغم غموض العديد من تفاصيل حياته، تتفق المصادر على وفاته عام 1873، بعد مسيرة صنعت حجر الأساس للهندسة المصرية الحديثة.