بقلم – سناء السعيد
آن الأوان للجامعة العربية اليوم أن تبادر ــ فى ظل الأمين العام الدبلوماسى المحنك السفير أحمد أبوالغيط ــ بإصلاح الخلل، الذى نجم عن قرارها فى نوفمبر ٢٠١١ بتعليق عضوية سوريا بالجامعة، وهو القرار الخطيئة والذى لم يكن إلا بداية لتعميق الأزمة فى سوريا وإعطاء مظلة للغرب المريض لفرض عقوبات على سوريا، بعد أن فتح القرار الأبواب على مصراعيها أمام التدخل الأجنبى وانخراط المجتمع الدولى فى القضية، وهو ما يذكر بالموقف الذى ارتكبته الجامعة فى حق ليبيا عندما منحت قوى دولية تفويضا للتدخل فى ليبيا، وهو ما ألحق الأذى بالجامعة ودورها.
ارتكبت الجامعة العربية خطيئة مميتة بانحيازها لطرف فى الصراع المحتدم بين النظام السورى وقوى المعارضة، لم تدرِ الجامعة يوما أن اتخذت هذا القرار المشبوه أنها بذلك أطلقت النار على دورها وعلى علة وجودها كمؤسسة قامت فى الأصل على التوافق والإجماع، ودأبت دوما على تحاشى تبنى دور طرف فى أى صراع داخلى فى أية دولة عربية، ولهذا كان قرار تجميد عضوية سوريا صادما لا سيما وهى عضو مؤسس للجامعة؛ حيث كانت ضمن الدول السبع التى وقعت على بروتوكول الإسكندرية عام ١٩٤٤ .
ولهذا فإن قرار المقاطعة جاء ليشكل خروجا على الدور التوفيقى للجامعة، ومن ثم اعتبر سابقة خطيرة لجأت من خلاله إلى إثارة الفتنة عبر تحريض جيش الدولة على التمرد على دولته والخروج على النظام والانشقاق عنه والانضمام إلى المعارضة، وهو أمر كان كفيلا بإشعال حرب أهلية.
منطق عجيب غريب نسفت الجامعة من خلاله طبيعة وجودها كمنظمة عربية قادرة على حل النزاعات، ومساعدة الأطراف المعنية على التوصل إلى تسوية، وهو موقف غير مسبوق للجامعة عقدت من خلاله الحل، وبالتالى لم يتقبله المواطن العربى، لا سيما أن هذا الموقف الشائه استعدى النظام الذى احتمى بالجامعة؛ أملا فى أن تساعده على الخروج من مأزقه عبر مبادرة عربية تهدف إلى حماية وحدة البلاد، وتسد الطريق على أى احتمال للتدخل الأجنبى.
فقدت الجامعة العربية دورها القيادى عندما أسلمت اللجام لدولة قطر التى سارعت وفرضت سطوتها على كل قرارات الجامعة لكى لا يكون هناك وجود إلا لرؤيتها العقيمة وبالتالى حادت الجامعة عن الطريق، وبدلا من استكمال دورها فى محاولة إنجاز مصالحة وطنية، تغلق أبواب الخطر وتوفر الأرضية لتسوية سياسية، وتؤكد وحدة سوريا الوطن والشعب والدولة، بدلا من ذلك وجدناها وقد سلمت أمرها كله للتحرك القطرى الذى اتخذ مواقف متشنجة حيال القيادة السورية، ثم كان أن دخلت أمريكا على الخط ومارست ضغطا لرفع حدة اللهجة العربية ضد سوريا، وسارع وزير خارجية فرنسا ليقول إن المبادرة العربية ماتت، ثم جاء تصريح أمريكى يدعو المسلحين ــ ممن صنفهم تجاوزا على أنهم معارضة معتدلة ــ إلى عدم تسليم أسلحتهم.
أما قطر فلقد لعبت أسوأ الأدوار فى هذا السياق، فهى الدولة التى قادت المسيرة نحو تجميد عضوية سوريا فى الجامعة، ففى ١٢ نوفمبر ٢٠١١ قرر وزراء الخارجية العرب تعليق العضوية اعتبارا من ١٦ نوفمبر ٢٠١١، وتلا رئيس الوزراء القطرى البنود المشؤومة والتى تضمنت فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد دمشق، ومطالبة الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق، كان القرار يعنى دعم المعارضة ضد النظام، كان التحول دراميا بصورة لم يتوقعها أحد، الجزائر ومصر عارضتا ذلك، لبنان واليمن رفضا وامتنع العراق، وظلت سلطنة عمان مستاءة، لقد صدق المندوب الجزائرى يومها عندما قال:( إن قطر هى رأس حربة فى المشكلات التى تتعرض لها الأمة العربية).ورد عليه حمد بن جاسم قائلا: (سيأتى الدور عليكم).
غاب عن الجامعة العربية وأمينها العام وقتئذ الدكتور نبيل العربى أن تعليق عضوية سوريا باطل قانونيا، كما أنه لم يحصل على إجماع، ثم كيف بمنظمة عربية ترضى بتمرير بند يدعو للتدخل الخارجى فى الشؤون الداخلية لدولة عضو فيها، ويقوض أسس السلام والاستقرار فى المنطقة؟، الغريب أن نبيل العربى المؤتمن على تنفيذ الميثاق حاد عن الحق وتناغم مع قطر ومضى يبرر تعليق العضوية على أساس أن إقراره يتم بثلثى الأصوات الحاضرة، رغم أن الميثاق يؤكد بشكل واضح وصريح ضرورة وجود إجماع من المجلس فى حالتى الفصل أو التعليق، يومها بادر يوسف أحمد المندوب السورى الدائم لدى الجامعة بالتعليق موجها كلامه لحمد بن جاسم قائلا: ( هذا تآمر منك شخصيا، وتجاوز على القانون والميثاق، أنت رأس المطية والتخريب ليس فى سوريا فقط بل على مستوى الدول العربية الأخرى. أنت والأمين العام تجرمان بحق سوريا وبحق الأمة العربية، أنتما عملاء وتنفذان أجندة غربية وسيحاسبكما الشعب العربى فى يوم من الأيام على هذه الجرائم التى ترتكبانها).
لقد فقدت الجامعة العربية الكثير منذ أن قامت بتعليق عضوية سوريا، نظرا لما تمثله سوريا من ثقل فى محيطها العربى والإسلامى، فهى بوابة للوجود العربى والقومى فى المنطقة.
وللحديث بقية