الإثنين 17 نوفمبر 2025

تحقيقات

156 عامًا على افتتاح قناة السويس.. من فكرة فرعونية إلى شريان العالم الحديث

  • 17-11-2025 | 10:25

قناة السويس

طباعة

يحتفل المصريون والعالم في السابع عشر من نوفمبر من كل عام، بذكرى افتتاح قناة السويس، أحد أعظم المشاريع الهندسية في العصر الحديث التي غيرت خريطة التجارة العالمية وربطت الشرق بالغرب عبر ممر مائي واحد، حيث تكررت محاولات تنفيذها عبر العصور حتى أصبحت واقعا في القرن التاسع عشر لتغدو رمزا للإرادة المصرية وشريانا نابضا بالرخاء والتواصل الحضاري بين القارات.

 في مثل هذا اليوم عام 1869، كان افتتاح قناة السويس، لتبدأ من ذلك الحين تغيير خريطة العالم وتصبح أهم مجرى ملاحي في العالم، لتشهد محطات متعددة في تاريخ مصر منذ ذلك الحين وحتى اليوم، فيما أولى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتماما كبيرًا بتطوير قناة السويس، وكان أبرز ملامح التطوير إنشاء وافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة قبل ما يزيد عن 10 أعوام.

 

بداية فكرة قناة السويس

ويجمع المؤرخون على أن أول من فكر في ربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر مجرى مائي كان الملك الفرعوني سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة في محاولة لتسهيل التجارة بين الشرق والغرب عبر نهر النيل والبحيرات المرة، وتوالت المحاولات بعد ذلك على يد نخاو الثاني وداريوس الأول وبطليموس الثاني، ثم أعاد عمرو بن العاص فتح قناة في عهد الدولة الإسلامية عام 641م، وسميت آنذاك "قناة أمير المؤمنين"، قبل أن تردم لاحقا في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور عام 760م.

وفي عام 1798، أعاد القائد الفرنسي نابليون بونابرت طرح فكرة شق قناة تربط بين البحرين أثناء حملته على مصر وكلف المهندس جاك ماري لو بير وفريقه بإجراء دراسة أولية لمسار القناة إلا أن التفاوت بين منسوب البحرين أدى إلى تأجيل المشروع آنذاك.

وفي القرن التاسع عشر، أعاد محمد علي باشا التفكير في المشروع ضمن خططه لتحديث مصر إلى أن جاء المهندس والدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس الذي حصل في 30 نوفمبر 1854 على الامتياز من الخديوي سعيد باشا لحفر قناة تربط البحرين.

تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية عام 1858 برأس مال قدره 200 مليون فرنك فرنسي (حوالي 8 ملايين جنيه مصري آنذاك)، امتلكت مصر نصف أسهمها تقريبا.

وبدأ العمل رسميا في 25 أبريل 1859 بمدينة الفرما (بورسعيد حاليا)، بمشاركة نحو مئات الألاف من الفلاحين والعمال المصريين في ظروف شاقة مستخدمين أدوات بدائية لحفر ما يزيد على 74 مليون متر مكعب من الرمال، وفي 18 أغسطس 1869 التقت مياه البحرين للمرة الأولى، بعد عشر سنوات من العمل المتواصل.

وفي 17 نوفمبر 1869، شهد العالم حدثا أسطوريا عندما افتتح الخديوي إسماعيل باشا القناة رسميا في احتفال مهيب بحضور أكثر من ستة آلاف مدعو من كبار الشخصيات العالمية.

وتقدمت الإمبراطورة أوجيني زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث موكب الافتتاح، يرافقها إمبراطور النمسا، وملك المجر وولي عهد بروسيا والأمير عبدالقادر الجزائري والأمير توفيق ولي عهد مصر والكاتب المسرحي النرويجي هنريك إبسن وعدد من الملوك والسفراء والأمراء.

وبدأ الموكب بعبور اليخت الفرنسي الملكي "ايجيل" على متنه كبار المدعوين، يتبعه 77 سفينة منها 50 سفينة حربية، لتعلن للعالم ميلاد "شريان جديد للحياة" يصل بين البحرين الأبيض والأحمر، وأقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات بتكلفة بلغت مليون ونصف مليون جنيه.

 

أهم مجرى ملاحي في العالم

وبعد الافتتاح، أصبحت قناة السويس أحد أهم الممرات البحرية في العالم، إذ اختصرت المسافة بين موانئ أوروبا وآسيا بما يقارب 6 آلاف ميل بحري تقريبا.

وفي عام 1875 باعت مصر حصتها من أسهم الشركة إلى بريطانيا ثم أصبحت القناة لاحقا تحت السيطرة البريطانية حتى تأميمها في 26 يوليو 1956 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر، لتعود ملكيتها كاملة إلى الشعب المصري.

وتوقفت الملاحة مؤقتا بسبب العدوان الإسرائيلي في 5 يونيو 1967، وأعيد افتتاحها في 5 يونيو 1975 في عهد الرئيس أنور السادات، لتبدأ مرحلة جديدة من التطوير والتوسعة حتى أصبحت اليوم من أهم الممرات الاستراتيجية في العالم.

وتبقى قناة السويس رمزا خالدا في تاريخ مصر والعالم؛ شريانا عالميًا للتجارة العالمية، وشاهدا على عبقرية المصريين وإصرارهم منذ عهد الفراعنة حتى اليوم ، وفي ذكرى افتتاحها كل عام يجدد المصريون فخرهم بهذا الإنجاز الذي صنع التاريخ وأعاد رسم خريطة العالم الاقتصادية، لتظل القناة في قلب الوطن وقلب العالم.

 

قناة السويس الجديدة

وفي السادس من أغسطس عام 2015، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي قناة السويس الجديدة كأحد أبرز المشاريع القومية في العصر الحديث، وجاءت فكرة المشروع لتوسيع المجرى الملاحي وزيادة طاقته الاستيعابية، من خلال حفر قناة جديدة موازية بطول 35 كيلومترا، إلى جانب توسيع وتعميق أجزاء من المجرى الأصلي بطول 37 كيلومترا.

أُنجز المشروع في وقت قياسي لم يتجاوز عاما واحدا، بتمويل وطني كامل، ليسهم في تقليل زمن عبور السفن، وزيادة الدخل القومي المصري من العملة الصعبة، وتنشيط حركة التجارة العالمية، وتعزيز مكانة مصر كمركز محوري للنقل البحري العالمي.

وتم تأسيس قناة السويس الجديدة بشكل موازٍ لقناة السويس القديمة من أجل تسهيل وتسريع عملية مرور سفن الشحن عبر القناة في كلا الاتجاهيين، والتقليل من مدة انتظار السفن العابرة للقناة، بالإضافة إلى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة من أجل التمكن من استيعاب النمو المستقبلي المتوقع للتجارة العالمية، وما يترتب على ذلك من جعل قناة السويس الطريق المفضل لدى السفن التجارية، ورفع الدخل القومي للبلاد، وتوفير فرص عمل جديدة وإيجاد مجتمعات حضرية جديدة، وتعزيز أرباح العملة الصعبة.

ومشروع قناة السويس الجديدة يهدف إلى زيادة الدخل القومي المصري من العملة الصعبة، تحقيق أكبر نسبة من الازدواجية في قناة السويس وزيادتها لنسبة 50% من طول المجرى الملاحي، وتقليل زمن العبور ليكون 11 ساعة بدلًا من 18 ساعة لقافلة الشمال.

كما يهدف المشروع إلى تقليل زمن الانتظار للسفن ليكون 3 ساعات في أسوء الظروف بدلًا من (8 إلى 11 ساعة) مما ينعكس على تقليل تكلفة الرحلة البحرية لملاك السفن ويرفع من درجة تثمين قناة السويس، ولإسهام في زيادة الطلب على استخدام القناة كممر ملاحي رئيسي عالمي ويرفع من درجة تصنيفها، كما يعمل على زيادة القدرة الاستيعابية لمرور السفن في القناة لمجابهة النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية في المستقبل.

ويعد المشروع خطوة مهمة على الطريق لإنجاح مشروع محور التنمية بمنطقة قناة السويس ودفع عجلة الاقتصاد القومي المصري لتحويل مصر إلى مركز تجارى ولوجيستي عالمي.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة