في كل مرة يمر فيها منتخب مصر بمرحلة انتقالية صعبة، يعود السؤال الأزلي إلى الواجهة هل ما زال للمدرب الوطني مكانته؟!.
ومع تولي حسام حسن القيادة الفنية للمنتخب، تجدد الجدل واتسعت دائرة النقاش بين مؤيد يرى فيه روح الحماس والغيرة، ومعارض يشكك في قدرته على إدارة جيل يحتاج إلى هدوء أكثر من الانفعال.
لكن بعيداً عن الانحيازات، ثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها، مشروع حسام حسن أصبح هو الاختبار الحقيقي لعودة هيبة المدرب المصري، وعودة روح المنتخب قبل الخطة.
فحين تولى حسام حسن المسؤولية، لم يكن المنتخب في أفضل حالاته، جيل يتغير، أسماء كبيرة غابت بالإصابة أو العمر، وجمهور فقد صبره بعد سنوات من النتائج المتذبذبة.
لكن للأسف حسام حسن لم يدخل المعادلة بهدوء المعتادين، دخل بروحه المعروفة، حماس طاغ، ضغط مستمر، وحدة في التعامل مع اللاعبين.
فكرة حسام حسن الأساسية لم تكن الخطة والتكتيك فقط، بل إعادة بناء شخصية المنتخب، تلك الشخصية التي صنعت مجد جيل حسن شحاتة، كان اللاعبون يدخلون الملعب وكأنهم يدخلون معركة وطنية.
وبين النقد والدفاع حسام حسن لا يتراجع، فمنذ اللحظة الأولى، وجد حسام حسن نفسه في قلب العاصفة، انتقادات للأداء، جدل حول الانفعالات، تساؤلات عن اختيارات اللاعبين، ومع ذلك ظل يكرر رسالته" اصبروا على المدرب الوطني مثلما تصبرون على الأجنبي".
هذه الجملة لم تكن مجرد دفاع عن النفس، بل كانت تلخيصاً لمعاناة كل مدرب مصري تولى المنتخب في السنوات الأخيرة.
فالمصري على عكس الأجنبي، لا يحصل على رفاهية فترة السماح، يحاسب منذ أول مباراة، ويطالب بنتائج فورية، حتى لو كان الفريق في مرحلة إعادة بناء.
ويبقى السؤال هل يملك حسام حسن مشروعاً؟، ما فعله حسام حسن حتى الآن يشير إلى أنه يتحرك في اتجاه مشروع واضح، تدوير دماء جديدة، الدفع باللاعبين المحليين ومنحهم جرأة المشاركة الدولية، تحضير ذهني قوي، إعادة فكرة اللعب بشراسة التي افتقدها المنتخب في السنوات الأخيرة.
وبالرغم من أن التنظيم الدفاعي تقليدي لكنه فعال يعتمد على الصلابة، وقلة المخاطرة، والضغط العالي في أوقات معينة، هذا المشروع لا يزال في بدايته، لكنه يحمل ملامح طريق قد يعيد مصر إلى قوائم المنافسة الحقيقية.
ورغم هذا المشروع الواضح، فإن بعض تصريحات حسام حسن تفتح بابا مشروعاً للنقد، تصريحه الأخير عن مصطفى محمد بأنه ربع محترف حتى لو جاء بدافع الانضباط بدا لكثيرين غير مناسب، ليس لأن اللاعب فوق النقد، بل لأن المدرب الوطني يحتاج أن يكسب لاعبيه قبل أن يعاتبهم علناً.
النقد الفني مقبول، والتقويم حق أصيل للمدرب، لكن الأوصاف التي تقال على الملأ قد تتحول إلى أزمة بلا داعي، خصوصا حين تكون موجهة إلى أحد أبرز المحترفين في أوروبا وأكثرهم تأثيراً هجومياً في الفترة الحالية.
وهذا يفتح الباب لسؤال أخطر هل يستطيع حسام حسن تحقيق التوازن الصعب بين الانضباط والشياكة الإعلامية؟!.
هذه مهارة تحتاج إلى دقة بقدر دقة اتخاذ القرارات داخل الملعب، بعدما أصبح المدرب الوطني صورة على المحك، فنجاح حسام حسن لن يكون نجاحاً شخصياً فقط، بل انتصاراً لفكرة المدرب الوطني، وإخفاقه إن حدث لن يحاسب عليه وحده، بل سيُستخدم ذريعة للعودة إلى موضة المدرب الأجنبي مهما كانت التكلفة.
الكرة المصرية تحتاج إلى مدرب مصري قوي، قادر على منافسة الأجنبي ليس بالشهادات وحدها، بل بالشخصية والقراءة والمشروع.
وفي هذا التوقيت، يبدو أن حسام حسن هو آخر الفرص الجادة لإثبات أن المدرب المصري يمكنه قيادة جيل كامل نحو بطولة كبيرة.
ولهذا فإن حسام، دون أن يقصد، يحمل على كتفيه عبئاً ثقيلاً، عبء إثبات أن المصري قادر على قيادة مشروع كبير بمستوى المنتخبات الكبرى.
وفي النهاية بقاء حسام ليس قرار اتحاد فقط بل قرار شعب، والحقيقة أن مستقبل حسام حسن مع المنتخب لن يحدد فقط بالنتائج أو الاجتماعات الرسمية، ففي كرة القدم المصرية، المدرب الذي يصنع حالة، ويستعيد هوية المنتخب، ويجعل الجمهور يشعر بالثقة هذا المدرب يبقى بإرادة الناس قبل إرادة المسؤولين.
وبين الحماس والانتقاد، والجدل والآمال، يقف حسام حسن أمام لحظة تاريخية، إما أن يصبح المعلم الجديد للكرة المصرية، أو يترك مكانه بحثاً آخر عن مدرب أجنبي.
وبصرف النظر عن الخلافات، فإن حسام يملك إصراراً من نوع خاص، وقدرة على تحريك الدوافع الداخلية لدى اللاعبين، وهي مقومات نادرة في أي مدرب، ولكن عليه الإيمان بأن شخصية المنتخب أهم من أي رسم تكتيكي، وأن اللاعب المصري يحتاج لمدرب يعي تركيبته النفسية قبل مهارته.
وأن النجاح في كرة القدم ليس مرتبطاً بالاسم فقط، بل بالظروف والدعم والاستقرار، وحسام حسن يملك ما لا يملكه كثيرون، شغف لا ينطفئ، روح قتالية تسبق صافرة البداية، إيمان مطلق بأن المصري يستطيع.
وإذا صبرت الجماهير، ووفرت الإدارة المناخ المناسب، وواصل اللاعبون الالتزام فإن مشروعه قد يكون بداية عودة الثقة المفقودة في المدرب الوطني، وإن تحقق ذلك، سيكتب التاريخ جملة واحدة،حسام حسن المعلم الجديد.