احتفت الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، بالكاتب والأديب الكبير محمد خليل، ضمن برنامج "العودة إلى الجذور"، الذي أقيم في مسقط رأسه بقرية البصراط بمركز المنزلة بمحافظة الدقهلية، وذلك في إطار برامج وزارة الثقافة للاحتفاء برموز الإبداع الأدبي والفكري في مختلف المحافظات.
شهدت الاحتفالية حضور الشاعر د. مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، ود. عاطف خاطر مدير فرع ثقافة الدقهلية، إلى جانب نخبة من الأدباء والنقاد وشعراء المحافظة، وسط إقبال كبير من أهالي القرية الذين حرصوا على مشاركة ابن قريتهم لحظة تكريمه.
أدارت اللقاء الأديبة د. سمية عودة رئيس نادي الأدب المركزي بالدقهلية، حيث استعرضت السيرة الذاتية لخليل وتوقفت عند أبرز محطاته الإبداعية ومؤلفاته ومناصبه وجوائزه، إضافة إلى الألقاب التي أطلقت عليه، ومنها "أيوب القصة القصيرة" و"عميد السرد العربي"، تقديرا لدوره في تطوير المشهد السردي المصري والعربي.
واستهل اللقاء بكلمة للشاعر د. مسعود شومان، عبّر فيها عن سعادته بالوجود على أرض الدقهلية الأرض الطيبة، مؤكدا أنه حرص على حضور هذا الاحتفاء اعترافا بالمسيرة الأدبية الثرية للأديب محمد خليل وما قدمه من جهد كبير في إثراء الثقافة المصرية.
وأشار شومان إلى أن هذا التكريم يعد "وقفة وفاء" ورسالة امتنان لمبدع أعطى الكثير، وأن الاحتفاء بالأدباء في حياتهم هو دعم للحراك الثقافي، وتحفيز للأجيال الجديدة، وربط بين حاضر الأدب المصري وتاريخه. وختم كلمته بإهداء قصيدة إلى الدقهلية بعنوان "يا وردة النور في الدلتا".
وفي كلمته، أكد د. عاطف خاطر أن تكريم محمد خليل جاء "عن استحقاق"، فمنجزه الأدبي شكل صوتا لأمته، يعكس تجاربها ويجسد تراثها وقيمها النبيلة كالحرية والعدل والأمل ومقاومة الظلم.
وأشار خاطر إلى أنه جرى إطلاق اسم محمد خليل على قاعة ببيت ثقافة البصراط تكريما له ولدوره الثقافي في المحافظة.
من جهته، تحدث الناقد والروائي د. أشرف حسن عن تجربة خليل السردية، مؤكدا أنه وهب حياته للناس وله جمهور واسع من القراء. وأشار إلى أنه أول من قدّم القصة القصيرة بالصوت أمام الجمهور، مشاركا إياهم في بناء النص، وأنه استلهم من الشعر رمزياته وتكثيفه.
وتوقف حسن عند رمزية الأم في أعمال خليل بوصفها "الشمعة" التي تحمل دلالات العطاء والصمود، موضحا أن أسماء شخصياته تحمل دائما معادلا موضوعيا ذا دلالة رمزية، كما في قصة "مرثية للحب المخنوق" التي تدور حول حرب الخليج.
وقدم حسن دراسة نقدية حول المجموعة القصصية "نونوات النساء والقطط" استعرض خلالها بنية قصصه وخصائص أسلوبه، مؤكدا أن خليل "مهندس للقصة القصيرة" يعتمد ضبطا محكما للبناء وتوظيفا واعيا للفنون الأخرى، خصوصا المسرح وتقنيات الكورس والبريختية.
وتبرز الدراسة حضور الحروب والعنف في نصوصه من صبرا وشاتيلا إلى الخليج، وتكشف اهتمامه بالطفل بوصفه مركزًا للصراع ومرآة للبراءة المقهورة، إلى جانب العلاقة الرمزية بين النساء والقطط بما تحمله من أبعاد أمومية وإنسانية، وتخلص إلى أن خليل يقدم سردا يمزج الذهنية بالتأمل ويعكس واقعا عربيا مضطربا.
وأشاد د. علي الغريب الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنصورة، بما قدمه محمد خليل خلال مسيرته، واصفا إياه بأنه كاتب أفنى عمره مجاهدا في محراب الكلمة، وأنه صاحب بصمة مميزة في الأدب المصري، عالج قضايا المهمشين في الدقهلية عبر تسع مجاميع قصصية تمثل رصدا عميقا للواقع المصري.
وأشار الغريب إلى أن أعمال خليل درست تحت إشرافه في رسائل علمية، وأن الكاتب ترك أثرا اجتماعيا كبيرا، من بينها تأسيس مستشفى الخير بالبصراط التي ترأسها لأكثر من خمسة وعشرين عامًا، معتبرا إياه رمزا يجمع بين الإبداع والتفاعل الاجتماعي في نموذج فريد.
وفي ختام اللقاء، ألقى الكاتب محمد خليل كلمة عبر فيها عن امتنانه لكل من شارك في تكريمه، ووجه الشكر لهيئة قصور الثقافة، مشيدا ببرنامج "العودة إلى الجذور" وما يحمله من بعد إنساني في تكريم المبدعين في مواقع نشأتهم الأولى.
واختتمت الأمسية بتسليم درع الهيئة وشهادة التقدير للأديب محمد خليل تقديرا لعطائه المتميز في إثراء الحركة الأدبية المصرية.
جاء التكريم ضمن برنامج "العودة إلى الجذور" الذي أطلقته الإدارة المركزية للشئون الثقافية، ويهدف إلى إلقاء الضوء على سيرة ومسيرة كبار الكتاب، وتقديم شهادات حول علاقتهم بالمكان وتراثه عبر العودة إلى جذورهم الأولى.
ونُفذت الفعالية بالتعاون بين الإدارة العامة للثقافة العامة، وإقليم شرق الدلتا الثقافي برئاسة الكاتب أحمد سامي خاطر، وفرع ثقافة الدقهلية.