يظل نجيب محفوظ واحدًا من أكثر الأدباء الذين ارتبط اسمهم بروح الحارة المصرية ونبضها، تسللت تفاصيل الأزقة والبيوت والعلاقات الشعبية إلى معظم أعماله، حتى يشعر القارئ أنه يعيش داخل تلك الحكايات، يتألم لآلام شخصياتها، ويضحك لفرحهم، ويتحمس معهم لرفض الظلم والنضال من أجل الحرية، غير أن محفوظ، الذي اشتهر بواقعيته الدقيقة، قرر الخروج عن هذا الإطار في روايته الأكثر إثارة للجدل «أولاد حارتنا»، العمل الذي اعتمد فيه رمزية مختلفة، ليصبح أحد أسباب حصوله على نوبل، وفي الوقت نفسه أحد الأسباب التي كادت تنهي حياته.
محاولة اغتيال نجيب محفوظ
تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال خسيسة حين اقترب منه شاب متطرف، ضيق الأفق، ليطعنه في عنقه طعنة نافذة، رغم أن محفوظ استقبله بحفاوة ظنًا منه أنه أحد محبيه، إذ كان معروفًا بكرمه ولطفه وعدم رفضه لأي شخص يطلب مصافحته، لكن ذلك الشاب قابل سماحة محفوظ بالعنف، مدفوعًا بأفكار متطرفة أقنعته بأنه يقوم بعمل «بطولي» و«شرعي».
كان المحرضون يرددون الاتهامات الجاهزة ضد محفوظ، معتبرين أنه «ازدرى الأديان» من وجهة نظرهم بسبب استخدامه اسم «الجبلاوي» في «أولاد حارتنا»، متجاهلين رمزية الرواية ومقاصدها الفنية، بل إن الجاني نفسه لم يقرأ له رواية واحدة.
وجرت الحادثة يوم الجمعة 14 أكتوبر 1994، في نفس اليوم الذي يوافق ذكرى حصوله على نوبل، وكأن اختيار التوقيت كان رسالة انتقامية من تلك الرواية التي رأوا فيها «كفرًا وإلحادًا»، ورغم هذا الهجوم الوحشي، فوجئ الجميع بروح محفوظ الكريمة التي غلبت عليه حتى في أشد المواقف قسوة، إذ قال: «أتمنى لو لم يعدما»، ورغم طلبه هذا، نفذت العدالة حكمها وأُعدم الجاني وشريكه.
رواية «أولاد حارتنا»
تدور الرواية حول شخصية الأب «الجبلاوي» الذي يعيش في صحراء المقطم في شارع يحمل اسمه، داخل قصر كبير تحيط به أسوار عالية، يقرر الجبلاوي، مع تقدمه في العمر، أن يسلم إدارة أملاكه لابنه الأصغر «أدهم» بدلًا من ابنه الأكبر «إدريس»، فيثور الأخير ويُطرد من القصر، ثم يبدأ في تدبير الخداع لإسقاط أدهم وطرده بدوره، وهو ما يحدث بالفعل.
منذ نشرها، اعتُبرت «أولاد حارتنا» واحدة من أكثر الروايات إثارة للجدل في العالم العربي، إذ سمح محمد حسنين هيكل بنشرها مسلسلة في الأهرام، ورغم الهجوم الشديد الذي تعرض له، أصر على استمرار نشرها حتى نهايتها، مؤكدًا أن للكتّاب والأدباء الحق الكامل في التعبير والإبداع.