الجمعة 28 يونيو 2024

المليارات تنفق لهدم الأزهر واستمالة شيوخه

8-3-2017 | 14:00

بقلم: د. عبدالمقصود باشا

 

الأزهر الشريف قلعة الإسلام الأولى، وحصن المسلمين الأول، أنشئ سنة ٣٥٩ هجرية، وافتتح للصلاة سنة ٣٦١ هجرية، ومنذ ذلك التاريخ وهو المنافح الأول عن بيضة الإسلام، والذاب الأول عن حياضه.

 

 

ونسأل سؤال هل كان إنشاء الأزهر فى مصر مجرد قفزة تاريخية ليؤدى غرض معين فى وقته ثم يندثر ويتلاشى أم كان إنشاؤه فى ذلك التاريخ أوامر إلهية تضمن له ولمرتاديه وعلمائه الدور الأول فى حماية الإسلام والمسلمين؟، أنشأه جوهر الصقلى بأمر من مولاه المعز لدين الله الفاطمى، وشاءت إرادته جل فى علاه أن يكون الحصن الأول للدفاع عن الإسلام، أمر بإنشائه المعز وخطط له جوهر وأسماه الله من فوق سبع سماوات، فكلمة الأزهر إذا أردنا أن نبحث عنها فى القاموس اللغوى نجد أنها تحمل معنى غير ما يعتقده الناس، العامة يعتقدون أنه سمى أزهرا نسبة إلى القصور الزاهرة التى كانت حول الجامع وقت إنشائه، وبعض العامة يعتقد أن سمى أزهرا نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إذا نظرنا إلى المعنى اللغوى لكلمة الأزهر لوجدنا أنها تطلق على الشمس، كما أنها تطلق على القمر، وهما معا يطلق عليهما الأزهران كما يطلق على التمر والماء الأسودان فى لغة العرب، هل لهذا المعنى دلالة ربانية؟، هل التسمية جاءت مصادفة أم انه سمى بهذا الاسم بتوجيه ربانى ليكون شمس الدنيا العلمية، وقمر الحياة الدينية، إذ بدون الأزهر لضاع الإسلام واندثر، ولحل بشمال إفريقيا والجزيرة العربية والشام والعراق وإفريقيا وآسيا كما ما حل بالأندلس، وما حل بغرناطة وطليطلة، ولأصبح الإسلام أثرا بعد عين.

وهنا ندخل إلى صلب القضية هل كان الأزهر الشريف بعلمائه وشيوخه تابعا يوما ما للسلطة أيا كانت سواء فى العصر الفاطمى أو الأيوبى أو المملوكى أو أسرة محمد على أو فى العصر الجمهورى؟ بالطبع ألف لا، لقد كان الأزهر الشريف ورجاله الحصن المنيع أمام أطماع محمد على وأجبره هو ومن بعده على أن يطبقوا مبادئ الشريعة الإسلامية.

الأزهر الشريف بزعامة شيخه الإمام المرحوم حسن العطار، رضى الله عنه، هو المتسبب الأول فى النهضة المصرية الحديثة فى عصر محمد على وخلفائه، فهو الذى أشار على محمد على أن يرسل وفودا من الأزاهرة إلى فرنسا وإنجلترا وألمانيا والنمسا لكسب المعارف الحديثة، والعلوم الفنية المتقدمة، ولقد كان الشيخ حسن العطار، شيخ الأزهر، هو صاحب الفكرة بعد أن رأى هو والشيخ الشرقاوى، والسيد عمر مكرم ما حل بمصر أثناء الحملة الفرنسية فأشاروا على الوالى الجديد محمد على بضرورة إرسال عدد من الطلبة الأزاهرة إلى أوربا لاكتساب معارف العلوم.

الأزهر الشريف كان الحصن للناس أمام السلطة ولم يكن يوما تابعا لحاكم أيا كان اسمه، رجال الأزهر كانوا لا يهابون الحكام، يروى أن الخديو إسماعيل زار الجامع الأزهر، وكان يجلس أحد العلماء إلى جوار عامود من أعمدته مادا قدميه، وحاول جنود الخديو أن يجبروه على يعتدل فى جلسته احترامًا لقدوم ولى النعم فرفض الشيخ إلا أن تظل قدمه ممدودة فلما مر عليه الخديو ظل على حاله، وبعد أن غادر أرسل إليه من يستميله بالمال، ولكن الشيخ رفض المال قائلا: «إن من يمد قدميه فى الأزهر لا يمد يديه إلى خديو مصر».

كان السلطان حسين والملك فؤاد ومن بعده ولده الملك فاروق يحرصون على حضور الدروس فى الأزهر الشريف والاستماع إلى علمائه، وكان الشيخ يجلس على كرسيه العالى وسلطان البلاد يجلس على الأرض وسط جمهور المستمعين والمتعلمين.

والشاهد على قوة نفوذ شيخ الأزهر المحمل، الذى كان يرسل عليه كسوة الكعبة إلى بلاد الحجاز يسلم خطام الجمل إلى شيخ الأزهر الشريف فى البداية وبعدها يسلم إلى الملك.

ومن الوقائع الثابتة فى التاريخ عندما قامت الحرب العالمية الثانية الإمام المراغى شيخ الأزهر قال من فوق منبر الأزهر الشريف: إن الحكومة المصرية وملكها أدخلوا مصر فى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، واحتجت بريطانيا وملكها الملك جورج وأرسلوا تهديدا شديد اللهجة إلى الحكومة المصرية، وأمرها أن تتصرف تصرفا مناسبا مع شيخ الأزهر يليق بكرامة الإمبراطورية البريطانية، وذهب المعتمد البريطانى فى مصر إلى الملك وأبلغه بالأمر، وطلب الملك من رئيس وزرائه أن يذهب إلى الأزهر الشريف ويقابل الإمام المراغى، ويطلب منه تعديل رأيه ولوح له بأن منصب شيخ الأزهر يخضع للملك، فاحمر وجه الشيخ المراغى وانتفض واقفا ورئيس الوزراء جالسا، وأشار له بكل جرأة وقال له «أتهدد شيخ الأزهر أنت ومليكك، والله لو شئت أن أخلع مليكك من عرشه لخلعته من هذا المكان»، أبعد هذا يقال بأن رجال الأزهر تابعون للسلطة.

إن الأزهر الشريف منذ عام ١٩٥٢ يتعرض للهجمات الشرسة، بل والمميتة والقاتلة على مدى ما يقرب من ٦٥ سنة، ولكنه صامد وسيظل كذلك.

الرئيس جمال عبدالناصر لم يجد مكانا يعلن منه القتال وصد العدوان الثلاثى سوى منبر الأزهر الشريف، ووقف وقال قولته الشهيرة «الله أكبر.. الله يقوينا.. والله ينصرنا».

والثابت أن شيوخ الأزهر لم يخضعوا فى أى وقت ولا فى أى عهد بعد ثورة ١٩٥٢ لأى ضغوط سواء فى عهد عبدالناصر أو السادات أو مبارك.

فى عام ١٩٦١ أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قانون تنظيم الأزهر رقم ١٠٣، ولا شك أن هذا القانون كان يريد به من أصدره الخير وكان شيخنا عبدالحليم محمود شيخ الأزهر حين توسع فى إدخال حملة الثانوية العامة إلى جامعة الأزهر يريد خيرا.

عندما زار حسنى مبارك الأزهر وخطب فى قاعة الإمام محمد عبده وقال ما نصه «والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها لترتفعن راية الأزهر».

إن الأزهر الشريف كان وسيظل هو الحصن المنيع والسد القوى أمام الهجمات الاستعمارية من الخارج والهجمات الشيطانية من الداخل، ولكن دائما وأبدا قدر النخيل العالى المقام والشجر المثمر هو أن يقذف بالحجارة، وهكذا الأزهر يقذف بالحجارة من أفاقين ومصاصى دماء، والأزهر لم يكن ولن يكون تابعا يوما للسلطه، لقد أرادت حكومات مصر على مر التاريخ سحب البساط من تحت أقدام الأزهر الشريف لأن الشعب متعلق به وكلمة شيوخه مسموعة بينهم، والأزهر الشريف كما قال الإمام الشعراوى، هو الذى صدر علم الإسلام للبلاد، التى نزل فيها الإسلام.

إن علماء الأزهر وشيوخه هم حملة العلم الوسطى الصحيح، وكما حفظ الله الإسلام بأبى بكر وعمر فى بدايات الدولة الإسلامية فإن الله حافظ الإسلام بالأزهر الشريف الآن، ومواقف شيوخه فى الحق شاهدة على ذلك، لقد وقف الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق، ضد مقررات مؤتمر القاهرة الدولى للسكان، الذى عقد عام ١٩٩٤ واعتبر أن مسودة إعلان هذا المؤتمر ضد الشريعة الإسلامية، وقال قولته الشهيرة «دون إقرار هذا خرط القتاد»، وفيما معناه قطع الرقاب، وبعدها أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك بيانا أكد فيه أن مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أى قرار يصطدم مع الدين والقيم، هل بعد ذلك يصح أن يقال إن الأزهر الشريف تابع للسلطة.

إن هناك أمولا تصرف بالملايين، والله لا أبالغ إن قلت بالمليارات لهدم الأزهر أو استمالة شيوخه، لكن عبر التاريخ بقى الأزهر شامخا متصديا لكل محاولات الهدم، ولن تنجح المخططات ولا المؤامرات وسيظل الأزهر حصن الناس والدين.