الخميس 30 مايو 2024

الأزهر والحاكم اتفاق لا يفسد الدين .. وخلاف لايجاوز الشرع

8-3-2017 | 14:06

تقرير يكتبه: طـــه فــرغـلى

العلاقة بين رجل الدين والحاكم دائما علاقة ملتبسة، الحاكم على مر العصور يحتاج إلى سلطة دينية تدعم أركان حكمه وتعضد ملكه، ولكن إذا تحدثنا تحديدا عن العلاقة بين رجال الأزهر والسلطة خاصة فى العصر الحديث سنجد فى الغالب أنها لا تسير على وتيرة واحدة، الشواهد التاريخية تؤكد أن رجال الأزهر، وإن كانوا يركنون إلى الحاكم وإلى السلطة الشرعية التى تحكم إلا أنهم فى وقت الشدة ينحازون إلى صفوف الشعب.

والرصد التاريخى للعلاقة بين رجال الأزهر والحكم يؤكد أن هناك فترات شهدت اقترابا شديدا من السلطة وأخرى شهدت شدا وجذبا ومعارضة.

والأزهر الشريف منذ بناه جوهر الصقلى فى عام ٩٧٠ ميلادية لم يكن طوال تاريخه يسير على نهج واحد فى العلاقة مع السلطة بل الأمر كانت تحكمه الظروف المحيطة.

ولكن المؤكد أن الأزهر لم يكن يوما بعيدا عن الأحداث، بل كان دائما فى القلب منها، وليس من الإنصاف القول أن الأزهر كان قريبا من الحاكم فى كل الأحداث بل دائما ما كانت تلجأ الجماهير إلى الأزهر الشريف وقت الشدة ليساندها ضد ظلم الحكام.

ضد المماليك

والمواقف التاريخية التى تؤكد ذلك عديدة، ففى يوليو ١٧٩٥، انفجر الشعب المصرى ضد حكم المماليك، رفضا للجبايات التى فرضها الأمير محمد بك الألفى، وهنا ثار الشيخ عبدالله الشرقاوى شيخ الجامع الأزهر، واعتصم وطلابه داخل الأزهر، لتنطلق التظاهرات فى الشوارع المصرية لثلاثة أيام، حتى استجاب أمراء المماليك لمطالب الثوار ووقعوا وثيقة بذلك فى ١٥ يوليو ١٧٩٥.

ثورة ضد الاحتلال الفرنسى

وفى عام ١٧٩٨، قاد شيوخ الأزهر الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، حيث احتشدت الجموع فى الأزهر للمنادة بالجهاد ضد الفرنسيين، وهاجموا الفرنسيين ومعسكراتهم وقتلوا الجنرال ديبوى حاكم القاهرة، مما دفع قوات نابليون بونابرت لاقتحام صحن الأزهر، وضرب الجامع بالمدافع.

دعم الإرادة الشعبية

وفى عام ١٨٠٥، حث الأزهر، الشعب المصرى على رفع شعار «الشعب يريد إسقاط خورشيد باشا»، وذهب عدد من قيادات الأزهر على رأسهم عمر مكرم وعبد الله الشرقاوى إلى محمد على باشا وولوه الحكم وأعلنوا عزل خورشيد باشا.

فما كان من خورشيد باشا إلا أن قال «إنى مولى من طرف السلطان فلا أعزل بأمر الفلاحين ولا أنزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة»، ليأتى الفرمان العثمانى بالرضوخ لإرادة الشعب الذى ساندته سلطة الأزهر الشريف وشيخه.

ثورة ١٩١٩

وعندما ثار الشعب المصرى فى عام ١٩١٩ لم يكن الأزهر الشريف بعيدا عن الأحداث ولعب دورا هاما فى الثورة

وكان منبرا لإلهاب حماس الشعب، وقاد أئمة الأزهر المظاهرات، وخطب خطيب الثورة القمص سرجيوس، من على منبر الأزهر ، داعيا لاستقلال مصر، ومؤكدا على الوحدة الوطنية.

الحرب العالمية الثانية

وعندما دقت طبول الحرب العالمية الثانية، رفض الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر آنذاك، مشاركة مصر فى الحرب ورفض تأييدها، معلنا أن مصر لا ناقة لها ولا جمل فى هذه الحرب، ولم ينتظر وقتها تعليمات السراى الملكى أو الحكومة ليعلن رأيه.

وغضبت الحكومة الإنجليزية من موقف شيخ الأزهر، وطالبت من الحكومة المصرية إصدار بيان حول موقف الإمام المراغى.

وكان رد شيخ الأزهر على رئيس الوزراء المصرى حسين سرى باشا الرافض لموقفه، «أتهدد شيخ الأزهر؟ وشيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة، لو شئتُ لارتقيت منبر مسجد الحسين، وأثرت عليك الرأى العام».

ضد الملوك

وكثيرا ما وقف شيوخ الأزهر فى وجه ملوك مصر، فالإمام مصطفى المراغى أيضا؛ رفض الاستجابة لطلب الملك فاروق، ملك مصر، بإصدار فتوى تحرم زواج الملكة فريدة طليقته من أى شخص آخر بعد طلاقها، قائلا «إن المراغى لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله».

وفى سنة ١٩٥٠ انتقد شيخ الأزهر عبد المجيد سليم البشرى، بزخ الملك فاروق بسبب رحلة شهر العسل التى قام بها مع زوجته ناريمان، وقال شيخ الأزهر عبارته البليغة الجامعة «تقصير وتقتير هنا، وتبذير وإسراف هناك» وكانت الصحف وقتها قامت بنشر مجموعة صور للملك وهو يقوم برحلة شهر العسل، فى وقت يئن الشعب المصرى وطأة الفقر، وهو ما جعل الشيخ يطلق تصريحه الشهير الذى أوجع الملك فاروق ليعزله على الفور، وكانت هذه أول حالة عزل لشيخ الأزهر.

وساءت العلاقة بين الملك والأزهر بسبب تدخل السلطة المستمر فى شئون الأزهر، ورفض الشيخ إبراهيم حمروش، الذى تولى المشيخة فى الفترة من ١٩٥١ إلى ١٩٥٢ تدخل السلطة فى شئون الأزهر، كما رفض قرار الحكومة بتقليص ميزانيته.

الأزهر والرؤساء

الرؤساء من جانبهم لم يغفلوا عن قوة الأزهر الروحية فى التأثير على المواطنين فمن فوق منبره أطلق الرئيس جمال عبدالناصر دعوة المقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦،

وقال فى خطابه الشهير آنذاك «إذا كانت بريطانيا بتعتبر أنها دولة كبرى، وفرنسا بتعتبر أنها دولة كبرى، احنا شعب مؤمن.. حيكون شعارنا دائماً الله أكبر.. الله يقوينا.. والله ينصرنا».

ولكن لم تسر العلاقة بين الأزهر والرؤساء فى مصر الجمهورية على وتيرة واحدة وشهدت مزيدا من الشد والجذب، ففى عهد الرئيس جمال عبدالناصر كانت هناك معارضة أزهرية لقانون تنظيم الأزهر رقم ١٠٣ لسنة ١٩٦١، ورغم معارضة بعض الأزاهرة لمشروع القانون إلا أنه صدر.

وقد أعاد ذلك القانون تنظيم الأزهر بصورة جذرية حيث أصبح تابعًا لوزارة الأوقاف بشكل كامل وأصبحت جميع الموارد المالية له تخضع لإدارة الدولة، كما أصبح من حق الرئيس أن يعين شيخ الأزهر بعدما كان يتم اختياره داخل منظومة الأزهر، كما تم إعادة تشكيل المجلس الأعلى للأزهر وضم إليه ثلاثة خبراء فى التعليم الجامعى تعينهم الحكومة، كما حدث توسع فى الكليات التابعة للأزهر فبعدما كانت هناك ٣ كليات فقط تابعة له تم إضافة كليات مثل الطب والقانون والتجارة والهندسة.

السادات والأزهر

وحاول الرئيس أنور السادات تقليص صلاحيات شيخ الأزهر، فما كان من الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود إلا تقديم استقالته الأمر الذى أحدث دويا هائلا فى مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي؛ مما اضطر السادات إلى معاودة إصدار قرار أعاد فيه الأمر إلى سابق عهده، وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه فى الأسبقية قبل الوزراء مباشرة.

وفى عهد السادات، اعترض الأزهر بقياده الإمام عبد الحليم محمود على قانون الأحوال الشخصية، حيث أكد عدم مطابقة بعض مواده للشريعة الإسلامية، ونجح الإمام حتى وفاته فى عدم خروج القانون للنور.

مؤتمر السكان

وفى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك لم تسر الأمور على وتيرة واحدة، وإن كانت كلماته التى قالها فى افتتاح مقر مشيخة الأزهر الشريف فى حديقة الخالدين بالدراسة تزين الجدران حين قال «لترتفعن مآذن الأزهر‏,‏ ولتعلون كلمته وتتعالى هامته فى الآفاق ما بقى فينا عرق ينبض ونفس تؤمن بالله وتعاليمه».

إلا أنه فى عام ١٩٩٤ خاض الأزهر الشريف والإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق، معركة شرسة ضد مؤسسة الرئاسة بسبب بعض البنود الواردة فى مسودة إعلان مؤتمر القاهرة الدولى للسكان.

واعتبر الإمام الأكبر أن مسودة المؤتمر بها قرارات تناهض الأديان وتعتدى على الكرامة الإنسانية؛ حيث وجد أن بنود المؤتمر تبيح الشذوذ الجنسي، وتبيح الإجهاض، والحمل بدون زواج.

وعقب بيان جاد الحق أصدر الرئيس الأسبق حسنى مبارك بيانه الذى أكد فيه أن مصر المسلمة لن تسمح للمؤتمر بأن يصدر أى قرار يصطدم مع الدين والقيم.

وثائق الأزهر

وفى الأعوام الأخيرة التى شهدت أحداثا مصيرية مرت بها مصر وعلى رأسها ثورتا ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، لم يكن الأزهر بعيدا عن هذه الأحداث، وإن كان قد لحق بقطار ثورة ٢٥ يناير متأخرا، وبعد أن ملأت الجماهير الميادين.

وفى ٢٠ يونيو ٢٠١١، أعلن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وثيقة، عقب ثورة ٢٥ يناير، لتحديد طبيعة المرجعية الإسلامية ودعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة.

كما أصدر الدكتور أحمد الطيب فى ٣١ أكتوبر ٢٠١١ وعدد من المثقفين وثيقة الربيع العربى لدعم إرادة الشعوب العربية فى تحقيق الديمقراطية، والتى وجهوا فيها الدعوة إلى الحكام والرؤساء بضرورة الاستجابة لمطالب شعوبهم.

وأكدت الوثيقة مناصرة علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة لإرادة الشعوب العربية فى التجديد والإصلاح، التى انتصرت فى مصر وتونس وليبيا، ولاتزال محتدمة فى سوريا واليمن.

وثيقة الحريات

وفى ١٠ يناير ٢٠١٢ أصدر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وثيقة الحريات العامة، بالتعاون مع عدد من المثقفين، أكدوا فيها ضرورة احترام حريّة العقيدة، وأشارت الوثيقة إلى أن حرية الرأى والتعبير هى المظهر الحقيقى للديمقراطية وتضمنت الوثيقة بندًا خاصًا بحرية الإبداع.

الأزهر والإخوان

وفى عهد حكم الإخوان خاض الأزهر الشريف معارك ضارية ضد محاولات سيطرة الجماعة الإرهابية على الأزهر، وإن كان الأمر لم يخل من بعض المواءمات السياسية من باب الانحناء للعاصفة حتى تمر، وفوت الأزهر الفرصة على الإخوان للسيطرة على مفاصل المشيخة، وتم إفشال مخططهم للسيطرة على منصب مفتى الجمهورية بعد أن طرح اسم عبدالرحمن البر مفتى الجماعة ليصبح مفتيا للجمهورية.

كما رفض الأزهر فى يناير ٢٠١٣، مشروع قانون الصكوك الإسلامية الذى طرحته جماعة الإخوان، نظرا لوجود مخالفات شرعية فى بعض بنوده.

ورفض الأزهر حق تملك الأجانب من غير المصريين للصكوك، باعتباره مخالفا للشرع، لأنه لا يجوز لأجنبى التصرف فى الأموال والأصول الثابتة المملوكة للشعب.

مبادرة نبذ العنف

وفى ٣١ يناير ٢٠١٣، وقعت عدد من الفصائل السياسية برعاية الأزهر الشريف على أربعة مبادئ لحماية الدولة المصرية، تضمنت الالتزام بقداسة وحرمة الدم والعرض والمال، والتأكيد أنه إذا كان هناك خلاف فى السياسة فإن واجب التيارات الالتزام بالسلمية فى التعبير عن هذا الخلاف، وكذلك دعوة المنابر الدينية والثقافية لنبذ مبدأ العنف والعودة للسلمية، ورفض عمليات الإقصاء السياسى وأن يكون الحوار مبدأ لإنهاض الوطن.

ثورة ٣٠ يونيو

واشتد الحصار والتضييق على الأزهر، وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب وسط رفض لكل أشكال الخضوع والاستسلام لمحاولات اختطاف المؤسسة الدينية وتصاعد مخطط عزل الإمام الأكبر.

وجاءت ثورة ٣٠ يونيو لينحاز الأزهر وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب لإرادة الشعب.

وشارك الطيب فى إعلان خارطة الطريق معتبرًا مشاركته واجبًا شرعيًا.

السيسى و الطيب

ومنذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية، وأساس العلاقة مع مؤسسة الأزهر الشريف تتمحور حول قضية رئيسية وربما وحيدة قضية تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف والمتشدد.

والمؤكد رغم الخلاف الذى بدا ظاهرا فى العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والأزهر إلا أن الاحترام المتبادل والتقدير هو ما يسود بين الرئيس والإمام.

الأزهر من جانبه يرى أنه يؤدى واجبه فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الدينى على أكمل وجه، إلا أن الخطاب الرئاسى فى كثير من المناسبات يؤكد أن الجهد الذى تبذله المؤسسة الدينية ليس على قدر المطلوب والمستهدف فى إطار الحرب على جماعات الظلام والإرهاب.

الرئيس السيسى ومنذ توليه المسئولية خاطب الإمام الأكبر بشكل واضح وصريح أكثر من مرة، وفى أكثر من مناسبة، فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الدينى.

وكان الرئيس واضحا عندما خاطب الإمام الأكبر قائلا « أنتم مسئولون أمام الله بشأن تصحيح وتجديد صورة الخطاب الدينى المغلوطة، وضرورة القيام بثورة دينية لتصحيح المفاهيم الخاطئة المأخوذة عنه، وسأحاججكم يوم القيامة أمام الله عن مسئوليتكم تجاه نشر الفكر الوسطى الصحيح المعتدل ومحاربة الأفكار المتشددة والتنظيمات الإرهابية».

نداء الرئيس تكرر كثيرا وبصيغ مختلفة، وظهر للعيان أن الرئيس غير راض عن أداء المؤسسة الدينية فى ملف تجديد الخطاب الدينى، ولكن عندما كثر الحديث عن اشتداد الخلاف وأن هناك أزمة بين الإمام والرئيس خاصة بعد احتدام الخلاف بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف حول الخطبة المكتوبة انحاز الرئيس فى هذه القضية إلى الإمام الأكبر.

وفى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف هذا العام وجه الرئيس حديثه للإمام الأكبر قائلا: «بحبك وبحترمك وبقدرك، إياكم فاكرين غير كده تبقى مصيبة، أنا بحب الإمام، وعارف دور الأزهر ومقدره كويس فى مصر والعالم كله، وهو القلعة المستنيرة اللى ممكن نعتمد عليها لأنها هتحيى صحيح الدين، وهذه غضبة فى الله، لا يليق والله بهذا المقام أن يقدم للناس ويبقى الخراب والدمار فى كل حتة على أنه نصر للعظيم ربنا، لا والله والله لن يقوم أبدا بناء على الهدم والقتل والتدمير».

وجاءت قضية الطلاق الشفهى لتثير الجدل مرة أخرى حول العلاقة بين الإمام والرئيس خاصة بعد أن مازح الرئيس الإمام قائلا «تعبتنى يا فضيلة الإمام» ، ودارت الأقاويل واشتد الجدل خاصة بعد بيان هيئة كبار العلماء الذى أكد وقوع الطلاق الشفهى، وتم تأويل ما جاء فى البيان وأعتبره البعض هجوما على الرئيس وفيه غمز ولمز.

وهدأت العاصفة بعد أن قابل الرئيس الإمام الأكبر قبل مؤتمر مجلس حكماء المسلمين الذى عقد الأسبوع الماضى.

الخلاصة من المحطات التى سبقت هى أن العلاقة بين الحاكم والأزهر لم تكن علاقة تبعية على طول الخط، بل كانت ترقى فى بعض الأحيان إلى درجة الصدام، إذا مس الأمر هيبة المؤسسة الدينية وإمامها الأكبر، أو تعدت السلطة السياسية على ما تعتبره المؤسسة الدينية ثابتا من ثوابت الدين.