تتسارع وتيرة التطورات السياسية في الغوطة الشرقية بسوريا والتي تشهد مواجهات دموية مسلحة بين قوات النظام والمعارضة منذ أسبوعين، رغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 2401 يوم 24 فبراير الماضي ، وهو القرار الخاص بالهدنة الإنسانية ووقف الأعمال القتالية في سوريا لمدة ثلاثين يوما.
وتأتي الجلسة الطارئة المغلقة التي سيعقدها مجلس الأمن فى وقت لاحق اليوم، الأربعاء، لبحث وقف إطلاق النار فى سوريا، بطلب من فرنسا وبريطانيا، على خلفية تبادل الاتهامات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في شأن مسؤولية انتهاك وقف النار في سوريا.
فقد اتهمت وزارة الدفاع الروسية واشنطن بـما أسمته "انتهاك" قرار مجلس الأمن بوقف الأعمال القتالية، وذلك بسبب الاعتقاد الروسي بأن واشنطن تقاعست عن منع مقاتلي المعارضة من شنّ هجمات يومية على قوات النظام في الغوطة الشرقية والعاصمة دمشق، مشيرةً إلى أن هجمات المعارضة في الغوطة تهدف إلى تغيير حدود منطقة خفض التوتر. في حين اعتبر البيت الأبيض أن موسكو تجاهلت قرار مجلس الأمن، الذي يدعو إلى وقف النار لشهر على الأقل.
لماذا الغوطة الشرقية؟
وفقا للخبراء والمحللين، فإن ما تشهده الغوطة الشرقية يمثل حربا عالمية ساحتها سوريا وفق تصارع الإرادات العالمية والإقليمية، وبالتالي فإن الغوطة الشرقية ستحدد مستقبل وأفق التسوية في سوريا وذلك للاعتبارات التالية:
أولاَ: تتمتع الغوطة الشرقية بموقع استراتيجي يكسبها ثقلاً عسكريا يمكنها من تغيير موازين الصراع لصالح الطرف الذي يمكن أن يسيطر عليها، بسبب قربها من دمشق، ومنفذ للمرور إلى جميع المحافظات السورية.
ومن هنا يكتسب العرض الروسي للمعارضة السورية في الغوطة، بتأمين الخروج الآمن لهم ولأسرهم وأسلحتهم، أهمية كبيرة لأنه سيجعل المعارضة تتخلى عن آخر معقل كبير لها قرب العاصمة دمشق، بالتزامن مع معلومات عن نية موسكو إنهاء الحرب السورية سريعاً والخروج منها بأقل خسائر ممكنة.
وفي هذا الإطار، أوضح محللون سياسيون أن روسيا منذ حوالي ثلاثة أشهر كانت قد أعلنت إنتهاء الحرب والانتصار في سوريا، حيث بدأت بسحب بعض قواتها القتالية من هناك، لكنها أبقت بعض قواعدها العسكرية ، وتبدو روسيا مستعجلة لإنهاء الحرب لأنها تخشى الغرق في رمال متحركة مثلما حدث في أفغانستان حين كلفت الحرب يومها الاتحاد السوفيتي خسائر، كما تدرك روسيا أن قدرتها على الاستمرار في حرب طويلة محدودة بسبب التكلفة الاقتصادية للحرب.
ثانياً: أن الغوطة الشرقية تعد إحدى مناطق خفض التصعيد الأربعة التي توصلت القوى المعنية بالصراع السوري إلى اتفاق بشأنها في مايو 2017، وحينها أعلنت روسيا، خفض التوتر وتمرير قوافل المساعدات إلى الغوطة تمهيدا لبدء جولة جديدة من المفاوضات التي تهدف للوصول إلى حل سياسي، إلا أن المعارك المحتدمة بين المعارضة وقوات النظام السوري، أدت إلى عدم تطبيق قرار خفض التصعيد.
صراع أجندات
منذ أسبوعين تقريباً قامت قوات النظام السوري بعملية عسكرية كبيرة لفرض سيطرتها على الغوطة والتي لا تزال مستمرة، بهدف تغيير موازين القوى على الأرض وصياغة ترتيبات سياسية جديدة في المرحلة القادمة، من خلال التأثير على المفاوضات في كل من جنيف وسوتشي.
ففي جنيف عقدت عدة جلسات حوار بين ممثلي الحكومة والمعارضة السورية وبرعاية دولية تمثلت في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجموعة دولية مساندة للحل السلمي للأزمة ، وفي مؤتمر سوتشي في روسيا الذي جمع المعارضة السورية وممثلي الحكومة السورية تحت رعاية روسيا بالتنسيق مع تركيا وايران.
مجمل القول ، أن احتدام الصراع العسكري في الغوطة الشرقية، جاء بعد احتدام الأجندات السياسية لحل الصراع السوري، فمقابل مؤتمر سوتشي، أعلنت واشنطن منتصف فبراير الماضي استراتيجيتها للحل، ودعمتها بما أسمته "اللاورقة"، التي توافقت عليها مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبعض الدول العربية، وفحواها تعزيز التدخل السياسي والديبلوماسي والعسكري في الصراع السوري، وفرض حل يتأسس على تغيير النظام، بتغيير قواعد اللعبة التفاوضية، بصوغ دستور يتأسس على تقليص صلاحيات الرئيس، والفصل بين السلطات، وإقامة نظام برلماني، وتداول السلطة وضمان حقوق المواطنين وإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية وإجراء انتخابات، وفقاً لمعايير وضمانات دولية.
فضلاً عن أن تشابك وتعقد مصالح وحسابات القوى الأخرى المنخرطة في الصراع، يجعل من الغوطة الشرقية متغيراً استراتيجياً على قدر كبير من الأهمية نحو مسألة الوصول إلى تسوية سلمية مستدامة في سوريا، تعكس مدى إدراك هذه الدول لجدوى وقيمة مفاوضات سوتشي وجنيف خلال الفترة المقبلة.