من الطبيعي أن نواكب ذكرى رموز الزمن
الجميل، تحية وتخليدًا لهم بما قدموه لنا من جميل وجليل أعمالهم، وكعادة "الهلال
اليوم" نأتي بنوادر النوادر وننشر تفاصيل وأسرار لا يمتلكها غيرنا، تقديرًا للقراء
الأعزاء، ونلقي في هذه الذكرى الضوء على الأيام الأخيرة في حياة أيقونة الكوميديا
الفنان عبد الفتاح القصري، وكيف تلقى الصدمات ومَن واساه حتى ساعته الأخيرة وودعه
إلى مثواه.
غدر الزوجة
لا أحد يعلم أبداً ما قُدر له، فما
حدث للقصري لو كتبه أعظم كتاب السيناريو ما صدقه أحد، فالصبي الذي رباه القصري في
بيته وأغدق عليه بكل صفات الأبوة والرعاية والحنان حتى بلغ مبلغ الشباب تزوج من
زوجة القصري.. والأسوأ من ذلك أن أجبره هو والزوجة على أن يشهد على عقد قرانهما، فأي
جبروت هذا وأي نكران للجميل؟
نجوى وماري بألف رجل
أصيب عبد الفتاح القصري بصدمة شديدة جعلت دنياه تدور، حتى أصيب بفقدان الذاكرة،
وسارعت الصحف والمجلات بنشر حالته، فأسرعت الفنانة نجوى سالم وهي تصطحب معها ماري
منيب إلى القصري، وراوغت الزوجة وادعت أنه غير موجود، لكن استطاعت نجوى وماري
الدخول إليه، ولم يستطع أن يفصح بما حدث له، وبعد أن أمضيا معه بعض الوقت أمسك
القصري بهما حتى لا تتركاه وحده.
القصري في الشارع
في اليوم التالي، كلمت نجوى سالم القصري، وما أن عرفت ما حدث له ألقت السماعة وجرت
إليه مسرعة، فقد حمل الزوجان كل أثاث بيت القصري وتركاه على البلاط، ثم أخذا القصري
وتركاه في الشارع بجانب البقال، فرآه "قدري" وهو منجد في الحي، فأخذه
إلى بيته وغير له ملابسه، وبعد قليل طلب القصري أن يعود هو وأخته
"بهية" إلى شقته التي أصبحت دون فرش أو أثاث، فأسرعت نجوى سالم بإدخاله
إلى مستشفى الدمرداش ليلقى بها الرعاية وينام فيها حتى تتدبر أمره.
هند رستم تجمع له التبرعات
مكث القصري فترة في مستشفى الدمرداش، وفي أثناء وجود نجوى سالم معه علمت أن بيته قد
تهدم وانهار، فأسرعت إلى صلاح دسوقي محافظ القاهرة، وعرضت عليه حالة القصري، فأمر
على الفور بشقة له في مساكن الشرابية، ومن ناحية أخرى أسرعت الفنانة هند رستم
بجمع التبرعات للقصري، وبلغت الحصيلة 600 جنيه من فريد الأطرش وعبد الحليم وشادية
وحلمي رفلة وكامل الحفناوي ومريم فخر الدين وأحمد مظهر وحلمي عزب وماري كويني وحسن
رضا وجبرائيل تلحمي وماري منيب وشركتَي الشرق ودولار فيلم، وكانت هند رستم تدفع له
إيجار شقته السابقة في البيت الذي تهدم.
حجرة نوم من يوسف السباعي
ظل القصري ستة أشهر في مستشفى الدمرداش، ولم يكن هناك ما يؤنس وحدته غير أخته والعاملين
في المستشفى، وجلبت له نجوى سالم تليفزيونًا من صلاح عامر، وطلب القصري أن يشاهد
فيلم "سي عمر" فتم عرضه خصيصًا له، وخرج من المستشفى إلى شقته في
الشرابية ولم تكن تبرعات هند رستم قد اكتملت، فذهبت نجوى سالم إلى الكاتب والأديب
يوسف السباعي وروت له ما حدث للقصري، فأخرج من جيبه 50 جنيهًا لشراء غرفة نوم له.
القصري يطلب زيارة المسرح
بعد أن انتقل القصري إلى الشرابية ساءت حالته فأسرعت نجوى سالم بنقله إلى مستشفى
قصر العيني، وبدأت صحته تتحسن، وأبدى رغبته في زيارة المسرح، فأخذته نجوى ليحضر
مسرحية "زيارة غرامية" في مسرح 26 يوليو، ووضعوا 7 كراسي له ولمن
معه في الصف الأول، وأخذ الجمهور يذكره بأمجاده ولزماته الشهيرة "دنيا ..
ماحدش واخد منها حاجة".. "أنا كلمتي ما تنزلش الأرض أبداً"، وبعد
المسرحية دخل القصري إلى الكواليس واحتضن أمين الهنيدي وعاد مرة أخرى إلى
المستشفى.
4 ودعوه إلى مثواه الأخير
مرضت نجوى سالم وبعد أن شفيت همت بالسؤال عن القصري فوجدت حالته قد ساءت..
فانهارت باكية على حالها وحال نجوم الفن في ذلك العصر.. واتصلت بهند رستم التي
نقلته على الفور إلى مستشفى المبرة، وكان يحمل معه دائما صور الريحاني إينما ذهب، وفي المستشفى زاره عبد الحليم حافظ وعلي رضا ومحمد الديب وشفيق جلال وسلطان
الجزار، وأيضاً محمد الكحلاوي الذي جلب له بعض الهدايا.. وفي 8 مارس 1964 صعدت
روحه إلى أكرم الأكرمين.. فاصطحبت نجوى سالم وأخته الجثمان إلى مثواه الأخير
بمساعدة قدري المنجد وسعيد العسكري، وركبت نجوى وبهية تاكسي وراء النعش وقرب
المدافن استدعت نجوى حلاقًا وجزمجيًّا من الطريق ليصلي عليه الأربعة، ثم تركوه في
مثواه الأخير.