تقرير: يمنى الحديدى
تشهد دول منطقة البلطيق حركة غريبة واستعدادات عسكرية غير مسبوقة، وذلك خوفا من أن يبسط الدب الروسى -الذى أصبح يتصدر المشهد العالمى- نفوذه أكثرعلى هذه المنطقة.
تأتى النرويج على رأس هذه الدول حيث قامت النرويج فى يناير الماضى بإنزال قوات أمريكية فى قاعدة فارنيس العسكرية والتى تبعد ١٥٠٠ كيلو متر عن الحدود الروسية، فى الوقت الذى قامت فيه الولايات المتحدة بإرسال بضعة آلاف جندى إلى بولندا فى خطوة منها لدعم حلفائها فى شرق أوربا الذين يساورهم القلق من بسط موسكو هيمنتها وتأكيد ذاتها فى المنطقة.
رغم هذا صرحت النرويج أن هذه الخطوات ليس لها علاقة بروسيا أو بالوضع الراهن، و إنما هى مجرد تدريب مشترك بين أمريكا والنرويج وكذلك بريطانيا التى ستنضم إليهم هذا الشهر على ما يسمى «بحرب الشتاء» و التى ستستمر لمدة عام.كما قامت فنلندا الخميس الماضى بتوقيع اتفاقية مع كوريا الجنوبية لشراء ٤٨ وحدة من المدفعيات ذاتية الدفع ٩ k .
وأخيرا جاء قرار السويد بعودة الخدمة العسكرية الإلزامية بدءا من العام المقبل بعد أن ألغيت عام ٢٠١٠. مما يعنى أن الآلاف من الرجال و النساء سينضمون إلى قوات الجيش.
الجدير بالذكر أن كريسترستولتز رئيس طوارئ جوتلاند -أكبر جزيرة سويدية- تلقى العام الماضى خطابا غريبا من الحكومة المركزية فى ستكهولم تطالبه فيها «بالاستعداد للحرب و الحشد لحماية البلاد و مقاومة أى هجوم مسلح من العدو الخطير».
تؤكد هذه التحركات قلق هذه الدول من النفوذ الروسى الذى بات واضحا فى الكثير من الأصعدة العالمية عامة وفى منطقة بحر البلطيق خاصة وعلى رأسها أوكرانيا، لا سيما بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إليها منذ حوالى ٣ سنوات. و من الواضح أن هذه الدول تخشى من أن تستعيد روسيا سيطرتها على بعض دول المنطقة والتى كانت تابعة للاتحاد السوفيتى، وأهمها أوكرانيا و لاتفيا وليتوانيا وأرمينيا. و بما أن هذه الدول ليست بمعزل عن باقى الدول، فانتقل الهاجس إلى معظم دول شرق أوربا و أهمها السويد و النرويج وبولندا وفنلندا.
كما أكدت السويد أن رفع حالة الطورئ لديها لا يتعلق فقط بالهجمات المسلحة، بل يشمل أيضا الهجمات الالكترونية التى أصبحت تشكل خطرا حقيقيا، واتجهت الأنظار إلى هذا الخطر مؤخرا بعد شائعات التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية. وفى الأشهر الستة الأخيرة من عام ٢٠١٦ تلقت وكالة الطوارئ المدنية السويدية حوالى ٢٠٠ بلاغ بهجمات الكترونية على البنية التحتية، كما شكلت نحو ٦٠ هجمة خطرا حقيقيا حيث أدت الى نشر الفيروسات و حدوث أعطال فنية فى البنية التحتية.
كما ستقوم جميع المقاطعات السويدية فى مايو المقبل بالتدريب على ما يسمى «بأسبوع الطوارئ»، حيث سيتعلم السويديون كيفية الاحتماء لمدة ٧٢ ساعة فى حالة الطوارئ، فى الوقت الذى ستجهز فيه الحكومة الملاجئ العامة التى لم تستخدم منذ عقدين.
يطلق البعض على ما يحدث الآن مصطلح «الحرب الباردة» نظرا لحالة الترقب و التوترالتى تشهدها المنطقة والتى تشبه كثيرا حالة هذه المنطقة والعالم كله أثناء «الحرب الباردة» بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتى فى الفترة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية. ويقول الخبراء أن الوضع قد هدأ كثيرا فى منطقة البلطيق بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، كما انضمت كل من لاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى حلف الناتو، وتراجعت الميزانية العسكرية فى السويد من ٢,٦٪ من إجمالى الدخل القومى عام ١٩٩١ إلى ١,١٪ فى ٢٠١٥.
لكن فى نهاية العام الماضى، ارتفعت الميزانية العسكرية إلى ١١٪، بعد التوسع الروسى فى منطقة القرم، وبالرغم من هذا فالجيش السويدى ليس كبيرا إلى هذه الدرجة، خاصة إذا ما قورن بالجيش الروسى، لذا يجب على الجميع وحتى المدنيين الانضمام إلى هذا الجيش، لأن أعداد المتطوعين لم توفر للجيش القوة البشرية المطلوبة.
يكتسب هذا الإجراء زخما خاصا فى السويد، لأنها بلد أوربى محايد، ليست منضمة لحلف الناتو، لذا سيبقى عليها الدفاع عن نفسها ضد أى هجوم خارجى.
كانت جوتلاند هى أول المقاطعات السويدية التى أعادت التجنيد الإجبارى فى سبتمبر الماضى، و تأتى أهمية جوتلاند فى أنها «بوابة السويد الغربية» و التى تبعد عن البر السويدى بحوالى ٥٥ ميلا غربا، و موقعها المميز فى بحر البلطيق يجعلها قريبة من مدينة كلينينجراد الروسية، التى تقع بين لتوانيا و بولندا. وعلى هذا الضوء قالت مارنيتراديبو المتحدثة باسم وزارة الدفاع “ نحن نرى العديد من الأنشطة والتدريبات العسكرية و(الطلعات الجوية) الاستفزازية بجوارنا فى البلطيق.