بقلم – طه فرغلى
كان الشتاء يعلن الرحيل إيذانا بقدوم الربيع فى ذلك النهار من يوم الجمعة ١٩ مارس ٢٠١٠ أعلن الخبر .. تعيين الدكتور أحمد الطيب شيخا للأزهر خلفا للدكتور محمد سيد طنطاوى الذى وافته المنية فى الأراضى المقدسة عن عمر يناهز ٨٢ عاما إثر إصابته بأزمة قلبية مفاجئة بعد مشاركته فى حفل لتوزيع جوائز القرآن الكريم بالسعودية، ودفن الإمام الراحل فى البقيع.
ومع نسمات الربيع وتفتح الزهور اعتلى الشيخ أحمد الطيب كرسى الإمامة لأهم مؤسسة دينية فى مصر والعالم الإسلامى.
كان الطيب فى مسقط رأسه بالقرنة فى الأقصر يقضى إجازة نهاية الأسبوع وسط أهله كعادته دائما ، وتلقى الخبر وأقيمت الأفراح بشرا وابتهاجا.
استقللت قطارا من محطة الجيزة فى طريقى إلى الأقصر، وبصحبتى زميلى وصديقى المصور الصحفى مسعد سيف، وصلنا الساعة الثامنة من صباح يوم السبت كانت آثار الاحتفال بتعيين الإمام الجديد لا تزال شاهدة على فرحة أهالى القرنة بتعيين ابنهم شيخا للأزهر.
دخلنا إلى ساحة الطيب، وجدنا سكرتير الإمام الخاص فى انتظاره، جلسنا دقائق معدودات، وجاء الإمام يرتدى بدلة ورباط عنق، ذهبنا ناحيته على الفور كأن وجهه متهلل يحمل البشر هنأته وتبادلت معه الحديث وبأدب جم قال «أعتذر لأن موعد الطائرة قد حان» ألححت عليه أن نتحدث حتى ولو لمدة ١٥ دقيقة ولكنه قال « أيرضيك أن تصور شيخ الأزهر بغير الزى الرسمى الأزهرى، وهو يرتدى بدلة كاملة، أعدك أن استقبلك فى مكتبى فور أن تعود إلى القاهرة وأجرى حوارا معك حتى لو كان لدى آلاف الناس».
لم أرغب فى أن أعطله عن موعد طائرته أكثر من ذلك، ولكنه أبى أن يتركنا دون أن يعرفنا بأخيه الأكبر الشيخ محمد الطيب ويوصيه بنا خيرا ويطلب أن نأخذ واجبنا كاملا، وقال قبل أن يغادرنا «أنا على وعدى معك فى مكتبى بالمشيخة».
أحسن الشيخ محمد الطيب ضيافتنا، وسهل لنا مهمة إعداد موضوع عن حياة الإمام الطيب وطفولته ونشأته فى القرنة ، وتحدثنا مع أهالى القرية.
انتهينا من العمل، وعدنا إلى القاهرة صباح الأحد وتوجهنا من فورنا ومعى زميلى وصديقى عبداللطيف حامد إلى مشيخة الأزهر الشريف ومكتب الإمام الأكبر، كان المشهد مهيبا، احتشاد من كل وسائل الإعلام العالمية والمحلية، صحافة وتليفزيون ومشاهير الإعلام ، الكل يحاول أن يحقق السبق بأول حوار مع الإمام الجديد.
تسلل إلى شعور باليأس والتعب خاصة أن رحلة الأقصر ذهابا وإيابا فى ٢٤ ساعة تفت فى عضدى، جلست مع عشرات الجالسين الطامعين فى أن يحوزوا قصب السبق فى لقاء الإمام الأكبر الجديد.
وبين الممر المؤدى إلى مكتب شيخ الأزهر والسكرتارية، قطعت الطريق ذهابا وإيابا عشرات المرات طمعا فى أن يبلغ أحدهم الإمام الأكبر بوجودنا طالبا أن يبر بوعده، وبعد محاولات كثيرة أبلغ أحدهم الإمام الطيب وعلى الفور دخلنا إلى مكتبه رغم وجود عشرات الإعلاميين المشاهير.
وفور أن رآنى الإمام الأكبر قال لى «وفيت بوعدى» ، وبدأنا الحوار ورغم الصخب والضجيج فى الخارج أفاض الإمام فى حواره معنا وأجاب على كل الأسئلة، ولم يرفض سؤالا واحدا، وغمرتنى السعادة، ونسيت تعبى بعد أن كلل الله هذا التعب بالنجاح.
ربما لا يتذكر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر هذه الواقعة التى مر عليها ٧ سنوات بالتمام والكمال، إلا أنها لا تزال محفورة فى ذاكرتى، وأتذكرها دائما ، وعندما أغضب فى بعض الأحيان للتضييق علينا فى الحصول على الأخبار والمعلومات من داخل المشيخة أتذكرها بينى وبين نفسى وأقول « ليت الإمام يعلم».