افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيسا كل من قبرص نيكوس أناستاسيادس واليونان بروكوبيس بافلوبولوس، اليوم الاثنين، أسبوع إحياء الجذور (نستوس)، الذي يقام بمبادرة من الرئيس السيسي، لأول مرة على النطاق العالمي، بهدف تعزيز وتأكيد العلاقات المشتركة في المجالات الثقافية والإنسانية والشعبية بين مصر واليونان وقبرص، وذلك بمشاركة 120 زائرا يونانيا وقبرصيا من الجاليات التي عاشت في مصر، حيث وجهت لهم وزارة الهجرة الدعوة لزيارة المناطق التي تحمل لديهم ذكريات في الإسكندرية والقاهرة وشرم الشيخ.
وقد أرسى الرئيس السيسي فكرة العودة إلى الجذور لتسليط الضوء على العلاقات القوية بين مصر واليونان وقبرص، لما تتمتع به الدول الثلاث من قيم وثقافات قوية، وعلاقات شعبية يمكن أن تساعد في نشر مفاهيم السلام والازدهار في منطقة الشرق الأوسط، من خلال جسور الصداقة والاحترام المتبادل، حيث يوجه ضيوف مصر من أبناء الجاليتين اليونانية والقبرصية رسالة سلام من سفح الهرم للعالم قبل سفرهم عائدين لبلادهم.
ويأتي أسبوع إحياء الجذور ليؤكد تطور ونمو العلاقات المصرية والقبرصية واليونانية، التي تعززت منذ تولي الرئيس السيسي منصبه في عام 2014، وقد اجتمع السيسي ورئيس قبرص ورئيس وزراء اليونان خمس مرات منذ ذلك التاريخ، آخرها في العاصمة القبرصية نيقوسيا في نوفمبر الماضي، وبتدشين الرؤساء الثلاثة لهذا الحدث، تكون مصر الدولة الأولى التي كرمت الجاليات الأجنبية التي عاشت على أرضها، وتكون مصر قد استنت تقليدا غير مسبوقا في العالم، ومبادرة هى الأولى من نوعها، وفكرة رائدة عالميا ستساهم بشكل كبير في دعم الدبلوماسية الشعبية.
وسيكون لأسبوع العودة للجذور دور كبير في توطيد العلاقات المصرية اليونانية القبرصية في كثير من المجالات الاقتصادية والمجتمعية والثقافية، وسيزيد من تماسك شعوب هذه الدول تحت مظلة "حب المكان"، بالإضافة إلى تعزيز التقارب بين الدول الثلاث لما يعكسه رعاية رؤساء هذه الدول للحدث من قوة العلاقات بين مصر واليونان وقبرص على المستوى الرئاسي والشعبي.
ويعد هذا الحدث مناسبة مهمة لبحث أوجه التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص، من خلال قمة ثلاثية مرتقبة تجمع الرئيس السيسي ونظيريه القبرصي واليوناني، حيث من المقرر أن يناقش الرؤساء الثلاثة سبل دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين دولهم، علاوة على تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين القاهرة وأثينا ونيقوسيا، ومن المتوقع أن تتطرق القمة إلى مواصلة التشاور حول سبل تعزيز آليات التعاون فيما بينها والأوضاع في منطقة شرق المتوسط وسبل تحقيق الأمن والاستقرار في ظل الأزمات المتفاقمة التي يشهدها الإقليم، وأيضًا بحث تعزيز التعاون في المجالين الاقتصادي والتجاري ومكافحة الإرهاب وتعزيز آليات الحوار مع الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى التشاور وتبادل التقييم فيما بينها حول مختلف القضايا والتحديات المرتبطة بمنطقة الشرق الأوسط، بجانب إزالة أي معوقات بيروقراطية تعترض تنفيذ المشروعات المتفق عليها بين البلدان الثلاثة، وتحديدا التعاون في مجال الطاقة والاستفادة من الاحتياطات الضخمة الموجودة في مصر وقبرص، التي يمكن أن تسهم في تلبية الاحتياجات الأوروبية من الطاقة مستقبلا.
وأسبوع إحياء الجذور هو مناسبة للتأكيد على أن الجميع أبناء حضارة إنسانية واحدة مهما اختلفت جنسياتهم وديانتهم، حضارة نجحت من قبل في توفير السلام والمحبة والوئام لجاليات ثلاث عاشت على أرض واحدة في ضيافة المصريين، كما أنه مناسبة لتعزيز التواصل بين الأجيال، حيث يعتبر أغلب اليونانيين والقبارصة مصر بلدهم الثاني التي احتضنت وما زالت تحتضن الكثير من جاليتهم، حيث سيتاح لضيوف هذا الأسبوع الفرصة لاستعادة ذكرياتهم التي تربطهم بالأماكن السياحية والدينية في الإسكندرية والقاهرة وشرم الشيخ، وكذلك الذكريات التي تربطهم بالشعب المصري، وبعد نجاح هذه المبادرة سيتم تكرارها مع الجاليتين الإيطالية والأرمنية بناء على رغبتهما.
ويأتي تركيز الفاعليات خلال هذا الأسبوع على البعد الشعبي وإعادة الروح إلى العلاقات الشعبية الوثيقة بين الدول الثلاث، حيث ستكون مصر مقصدا رئيسيا لهم في ظل الجوار الجغرافي والتقارب الثلاثي بين القاهرة وأثينا ونيقوسيا في مجال السياحة، وقد تم اختيار الجاليتين اليونانية والقبرصية لتكونان باكورة هذه المبادرة غير المسبوقة نظرا لارتباطهما الوثيق بالتاريخ المصري، فعلى الرغم من توافد الجاليات الأجنبية على مصر في عصور زمنية مختلفة، إلا أن الجاليتين اليونانية والقبرصية نجحتا في تدوين التاريخ، واتسمت شعوبهما بالتشابه مع المصريين في الكثير من العادات والتقاليد، وانصهروا في بوتقة الثقافة التي عملت على توحيد الشعوب، فالدول الثلاث لديها ثقافة أصيلة وحضارة عريقة تساهم في تعزيز التقارب بينها مما يؤدي إلى نشر السلام والمحبة بين شعوبها.
وتتمتع الدول الثلاث بقيم وثقافات قوية وعلاقات شعبية يمكن أن تساعد في نشر مفاهيم السلام والازدهار في منطقة شرق المتوسط من خلال الصداقة والاحترام المتبادل وتوسيع أفق التعاون الثلاثي بينها، ما يوفر وسيلة لتعزيز المصالح الوطنية بشكل أفضل في مراكز صنع القرار والمجتمعات الدولية.
وتهدف المبادرة إلى تكريم القبارصة اليونانيين وأحفادهم من خلال استضافتهم في زيارة إلى مصر، حيث كانوا يعيشون هم وعائلاتهم في مصر حتى ثورة 1952، ومنذ ذلك الحين هاجرت تلك العائلات إلى اليونان وقبرص أو أي مكان آخر، وتتسم العلاقات المصرية القبرصية اليونانية بأنها قوية منذ الأزل، وهناك الكثير من الروابط المشتركة والعادات والتقاليد والروابط الأسرية التي تجمع شعوب الدول الثلاث، وعاش الكثير من اليونانيين والقبارصة في الإسكندرية في المدينة القديمة على ميناء الإسكندرية، ومن عاش منهم في القاهرة كان يذهب في قضاء عطلته الصيفية في الإسكندرية، وبات الجدود لديهم الشوق لزيارة الأماكن الذي قضوا فيها أجمل سنوات عمرهم، وسار الأحفاد تواقين لرؤية الأماكن التي طالما سمعوا عنها من أجدادهم وآبائهم .
علاقات مشتركة عميقة وممتدة عبر التاريخ، والنموذج الأمثل لها كان ما فعله محمد علي بعد توليه الحكم عام 1805، حيث أرسل لليونانيين وطلب منهم وضع خطط للنهضة الزراعية والتجارية ووقتها تحقق طفرات ونهضة شاملة في جميع المجالات، فعلاقة مصر واليونان تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، وعند قراءة التاريخ نجد أن اليونانيين كانوا رفاق السلاح في معركة بورسعيد، وشارك المرشدون اليونانيون العاملون بالقناة في إدارة القناة بعد تأميمها، الأمر الذي أدى إلى فشل المحاولات الأجنبية في إحراج مصر دوليا بعدم قدرة مرشديها على إدارة القناة بمفردهم، فيما ساندت مصر قبرص إبان استقلالها وكانت من أولى الدول التي اعترفت بها رسميا.
أهداف ثلاثة مأمولة من هذا اللقاء الذي يحمل عبق التاريخ، أولها أنه فرصة عظيمة لتحقيق تنمية اقتصادية لمصر بمعاونة الخبرات المتبادلة بين مصر واليونان وقبرص، وثانيها أن قطاع السياحة في مصر ينتظر طفرة كبيرة في حركة السائحين من اليونان وقبرص إلى مصر عقب أسبوع العودة للجذور، فيما يتمثل الهدف الثالث في الترويج للدولة المصرية من خلال الجاليات الأجنبية التي تعيش على أرض مصر.
وتشمل فعاليات أسبوع إحياء الجذور، زيارة مكتبة الإسكندرية، ولقاء بطريرك الروم الأرثوذكسي ثيودورروس الثاني، والمربع والمدارس اليونانية بالإسكندرية، والنادي اليوناني بجوار قلعه قايتباي، والمتحف القومي والأكاديمية العربية للنقل البحري.