الحسابات الفلكية تقطع بوجود الهلال ولاتضمن رؤيته
تعد رؤية هلال شهر رمضان، وسائر الأشهر الهجرية (القمرية) في مصر أساس ثبوت غرة الشهر من عدمه، مع الاعتداد بالحسابات الفلكية التي يجريها علماء المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، والتي تتضمن تحديد إمكانية رؤية الهلال الجديد بعد غروب شمس يوم الرؤية الذي يوافق 29 من الشهر الهجري.
وتتطلب هذه الحسابات إثبات وقائع فلكية محددة للتأكد من ولادة الهلال الجديد، ومن بينها حساب وقت الإقتران بين الشمس والقمر والأرض ، بمعنى أن اجتماع الشمس والقمر في اتجاه واحد بالنسبة للأرض، ويكون القمر محاقا في هذا الوضع، ولذا يصعب تحديد حالة الاقتران بالأرصاد العملية ، في الوقت الذي يمكن تحديدها وبدقة كبيرة بالحسابات الفلكية التي تقطع بوجود الهلال فوق الأفق عند غروب الشمس يوم الرؤية ، لكنها لا تضمن رؤيته نتيجة عوامل جوية فيزيائية بحتة مثل شفافية الكتل الهوائية ومدى تأثيرها بالعوالق الجوية مثل الأتربة والأدخنة والأبخرة، وللإقلال من هذه العوامل المعوقة يتحتم رصد الهلال من عدة أماكن مرتفعة وبعيدة عن مصادر التلوث الجوى والضوئي .
وتعد رؤية هلال الشهر الهجري الجديد من أصعب الأرصاد الفلكية قاطبة ، حيث يولد الهلال بعد فترة من حدوث الاقتران تتراوح ما بين 6 - 16 ساعة ، ويكون موضعه على صفحة السماء بالقرب من قرص الشمس ، ويطمسه ضوئها كما يطمس النجوم نهارا، وتستحيل رؤية الهلال في هذه الحالة ،ولهذا يتم الانتظار حتى تغرب الشمس ويتم البحث عن الهلال الجديد إذا كان موجودا لفترة زمنية كافية لتتبعه ورصده قبل غروبه.
ومن هنا تأتى أهمية الحساب الفلكي للاستعداد لعملية الرؤية ، حيث يتم حساب فترة بقاء الهلال أو مكثه على صفحة السماء بعد غروب شمس يوم الرؤية ، والإحداثيات الفلكية لموقع الهلال الجديد بالنسبة لقرص الشمس حتى يركز المستطلع للهلال على الناحية التي يتوقع ظهوره فيها فقط بالنسبة لقرص الشمس أثناء الغروب ، وبذلك لا يضيع الوقت سدى في البحث عن الهلال في اتجاهات خاطئة .
وتعتمد مشاهدة الهلال بالعين المجردة أو باستخدام المنظار الفلكي أساسا على شرطين ، هما أولا ميلاد الهلال قبل غروب الشمس بفترة زمنية كافية لرصده بعد غروب الشمس يوم تحرى الرؤية ، ويتحدد هذا بدقة كافية بالحساب الفلكي، وثانيا السطوع النسبى للهلال الجديد مقارنة بلمعان شفق السماء ، الذي ينجم عن تشتت ضوء الشمس بعد غروبها بواسطة الغلاف الجوى للأرض ، فإذا كان الهلال باهتا بالنسبة لضوء الشفق عندئذ يغمره ضوء الشفق وتستحيل رؤيته ، وإذا كان سطوع الهلال يفوق ضوء الشفق تسهل رؤية الهلال ، وقد يتساوى سطوع الهلال مع ضوء الشفق وتصعب رؤيته أيضا لهذا السبب .
ويتم ربط رؤية الهلال ببعض الحقائق الفلكية الثابتة مثل ظاهرتي الكسوف الشمسي والخسوف القمري، اللتين لا تحدثان شهريا، وتستخدم كضوابط لبدايات الأشهر الهجرية ومنتصفها ، حيث يحدث الكسوف الشمسي عندما يكون القمر فى مركز المحاق عند بداية الشهر الهجري، وتكون الشمس والقمر والأرض في وضع الاقتران التام أي أن مراكز الأجرام الثلاثة تكون على استقامة واحدة ، و الكسوفات الشمسية ، هى الفرصة الوحيدة التي تتيح رؤية المحاق وهو يعبر قرص الشمس ، فكما أن ولادة الهلال الجديد تأتى مباشرة بعد حدوث الاقتران فإن حدوث الكسوف الشمسي ، يعد بمثابة اقتران تام يبشر بقرب ولادة الهلال الجديد ، أي انه لا رؤية للهلال الجديد قبل حدوث الاقتران أو قبل حدوث الكسوف الشمسي .
ومن ناحية أخرى، فإن الخسوف القمري يحدث عند اكتمال القمر بدرا في منتصف الشهر الهجري ، فإذا كانت البداية لهذا الشهر قد تم تحديدها بالدقة الكافية المرتكزة إلى الأسس العلمية ، فإن رصد الخسوف القمري يؤكد صحة بداية الشهر الهجري .
وحتى الآن لا تزال رؤية الهلال الجديد وهو في المهد من الأرصاد الفلكية الصعبة التي تستعصى على الراصدين في جميع أنحاء العالم، ولهذا فإن الأمر يتطلب استخدام الوسائل الفضائية التي ستساعد على تجنب التأثير المعوق لجو الأرض على رؤية الهلال عند مسافات قوسية صغيرة بالنسبة لقرص الشمس، وهذا ما أثبتته الأبحاث العلمية الحديثة.