السياسة هِى توصيف الواقع توصيفاً سليماً وصحيحاً حتى يتم وضع الحلول الصحيحة والناجعة لحل المشاكل والأخذ بهذا الواقع للأمام وللأحسن. والسلطة أى سلطة لا تكون شرعيتها الدستورية والقانونية هى المبرر الوحيد لتواجدها ونجاحها ولكن لابد لهذه السلطة من الشرعية الجماهيرية التى هى تتويج لأى شرعية ولأى سلطة، ولا شك فإن شرعية السيسى ونظامه قد جاءت أول ما جاءت عن طريق تلك الشرعية الجماهيرية قبل الشرعية الدستورية والقانونية.
فكانت أول خطوات هذه الشرعية الجماهيرية عندما قامت الجماهير فى يناير ٢٠١٣ وعند إعلان حالة الطوارئ فى مدن القناة بالذهاب إلى مكاتب الشهر العقارى لتسجيل تلك التفويضات الشعبية لوزير الدفاع آنذاك وهو السيسى حيث كانت تلك الخطوة هى استلهام للماضى عندما قام الشعب المصرى يجمع تلك التفويضات لسعد زغلول ليقوم نيابة عن الشعب المصرى فى التفاوض مع المستعمر البريطانى لتحقيق الاستقلال. ثم كان التفويض الأهم بعد ٣٠ يونيه ٢٠١٣ وبعد اجتماع ٣ يوليو ٢٠١٣ والذى أعلن يه السيسى خارطة الطريق بعد إسقاط نظام الإخوان وإسقاط دستور ٢٠١٢ وهو تفويض الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته وأحزابه وانتماءاته للسيسى لكى يواجه ذلك الإرهاب الذى بدأ بعد سقوط الجماعة فى ٣٠ يونيه. فقد كان ذلك تأكيداً جماهيرياً لقيادة السيسى ولدوره المقدر مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى التلاحم مع الجماهير وفى تبنى أهداف ٢٥ يناير ٢٠١١ والتى لم تتحقق بعد اختطاف الإخوان لها.
ثم كانت تلك الشرعية الدستورية عندما قام الشعب بانتخاب السيسى رئيسا للبلاد بنسبة أصوات غير مسبوقة فى الانتخابات. ولذا ولهذا فقد حصل السيسى على الشرعية الدستورية وعلى الشرعية الجماهيرية باعتباره كان ولا يزال رئيس الضرورة. ولذا فالجماهير المصرية قد وضعت ولا زالت تضع آمالها وتطلعاتها فى رقبة السيسى لكى يحقق لها هذه الآمال وتلك التطلعات. وهنا لا أحد يشك فى وطنية السيسى وحبه لمصر وللمصريين. ولا أحد يشك فى تلك الآمال التى يتبناها ويتمناها لمصر وللشعب المصرى حتى تكون مصر “قد” الدنيا كلها.
ولكن بالطبع فلا يتحقق الأمانى ولا تتجسد الآمال ولا تكون الأحلام واقعاً بغير عمل وإنتاج وإخلاص وتفان والأهم انتماء لهذا الوطن. والانتماء لا يكون بالكلام ولا بالأغانى والشعارات ولا بالهتاف (تحيا مصر) فقط. ولكن الانتماء هو نتاج حقيقى وصحيح بشعور المواطن بهذه المواطنة وشعوره بأنه مواطن يحصل على حقوقه الكاملة حتى يقدم واجباته الكاملة أيضاً. الانتماء عندما يشعر المواطن بتحقيق وتفعيل مواد الدستور التى تقر المساواة الكاملة غير الناقصة بين كل المصريين بلا تفرقة أو تمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق أو الشكل.
تطبيق القانون الذى يعطى ويحافظ على حق المواطن فى أن يعبر عن رأيه بالقول أو الكتابة أو الرسم أو أى وسيلة أخرى بكل حرية فى إطار القانون. الانتماء لا يكون بغير تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء. الانتماء لا يوجد مع التفرقة بين مواطن ومواطن نتيجة للواسطة والمحسوبية والرشوة فى تبوء المواقع والمراكز بعيداً عن الكفاءة أو تقليعة لما يسمى بالتوريث الوظيفى الشئ الذى يسقط مبدأ “الرجل المناسب فى المكان المناسب”.
وهنا ومن الطبيعى إذا شعر المواطن بهذا التمايز وذلك التمييز بين مواطن وآخر بعيداً عن حق المواطنة وإسقاطاً للدستور والقانون هنا يكون بديلاً لهذا الانتماء هو إصابة المواطن بحالة الاغتراب تلك الحالة التى يشعر فيها المواطن بأنه غريب عن وطنه وبعيد عن أهله وفاقد لأى انتماء من أى نوع هنا يهون الوطن بل تهون النفس ويسقط أى انتماء الشئ الذى ينتج نفساً محطمة لا تسعى لغير مصلحتها وتحقيق ذاتها بأى صورة وأى شكل قانونى أو غير قانونى وبالطبع فى هذه الحالة فهذا التحقيق وذاك التحقق سيكون بصورة غير شرعية وغير قانونية مما يزيد الفساد والانحلال ونسب الجريمة بكل أنواعها الشئ الذى يعود على الوطن وعلى الجميع بنتائج سلبية.
وفى هذا الإطار وعلى ضوء الواقع المعيشى وتوصيفه السليم، فإن السيسى قد ورث تركة ثقيلة ومشاكل متراكمة وسياسات خاطئة ومتوارثة وحالة فساد حقيقى طالت كل المجالات حتى أصبحت جزء من الواقع الشئ الذى يجعلنا أن توصف حالة الفساد هذه بأنها دولة فساد وليست فساد دولة.
ورث حالة غياب انتماء حقيقى لهذا الوطن خاصة أن سياسة مبارك قبل ٢٥ يناير والتى كانت تدعى أن نسبة النمو قد وصلت إلى ٧٪ فى الوقت الذى لم تصل فيه نتائج هذه النسبة للشعب ولكنها كانت لشلة المطبلاتية المتحلقين حول السلطة وزبانية التوريث والمستفيدين من تزاوج السلطة والثروة. ورث حالة من حالات تكريس مبدأ التوريث فأين قاضٍ ولا يحق لابن الزبال التجرؤ على أن يحلم بأن يكون قاضياً بكفاءته وقدرته حيث إن هؤلاء الوارثين والمورثين هم أصحاب المقام الرفيع.
وابن الضابط ضابط وهكذا. وبالطبع يكون ابن الزبال زبالاً حيث إن هذه المهنة لا تحتاج إلى قانون وموافقات ومقابلات إلا مع رئيس رابطة الزبالين الذى يمكن أن يحتاج أيضاً إلى واسطة لكثرة عدد المتقدمين لهذه المهنة!!! ولذا قد وجدنا السيسى يقول إنه قد ورث شبه دولة وفى قول آخر أننا فقراء أوى على حد قوله. هنا ما هو الحل؟ من المعروف أن السيسى يسبق الوزارة بكامل هيئتها برئيسها وأعضائها ويسبق كل المؤسسات والمصالح فى تلك الدولة العميقة (والعميقة هنا ليست سلبية ولكن السلبية فى الممارسات) وهذا ليس مجاملة للسيسى فقد تخطيت سن ووضع المجامل ناهيك عن أنى لا أعرف طوال حياتى السياسية ذلك المبدأ الذى لا يحقق مصلحة عامة أبداً. ولكن هذا واقع فالسيسى وطنى مخلص يريد أن يحقق كل مجاح وتقدم للوطن وللمواطنين ولكن ليس بالنيات وحدها تحقق الأمانى ولكن بالعمل والتلاحم والتوحد حول هدف مشترك لصالح الوطن حتى ولو اختلفت السياسات ولم تتفق الرؤى.
فحتى الآن لا زال السيسى يملك قاعدة جماهيرية حقيقية مهما قيل عن تسربها أو انخفاضها. فالواقع والتجارب والآمال المستقبلية لا زالت تتمسك بوجود السيسى. وأهم ما يملكه السيسى هذا التمسك الجماهيرى به بالرغم من كل الظروف والتحديات والمشاكل التى يعانى منها الأغلبية الغالبة من الشعب المصرى خاصة بعد تحرير الصرف وبعد تخفيض دعم الوقود وبعد ارتفاع الأسعار بهذه الطريقة الجنونية بغير ضابط ولا رابط.
كما أن مواجهة الإرهاب فى سيناء وبهذه الحدة وتلك القسوة حتى أصبحت مصر لا تحارب الإرهاب لأجل مصر وشعبها فقط ولكنها قد أصبحت تواجهه نيابة عن العالم كله الذى أصيب بهذا الداء. ولذا فقوة السيسى وقدرته لمواجهة هذه التحديات الداخلية والخارجية لا ولن تكون بغير إيمان الشعب به وثقته فيه. ولذا فلابد للسيسى أن يحافظ على هذه الثقة وذلك الإيمان من أجل مصر الوطن وللجميع. فماذا يريد هذا الشعب حتى يعبر السيسى وشعبه إلى مستقبل أفضل وحتى تصبح مصر “قد” الدنيا كلها؟ الشعب يريد العدالة الاجتماعىة التى تحقق المساواة فى الفرص والعيش حسب الإمكانات والكفاءة بلا تمييز أو واسطة. الشعب يريد تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء من أى نوع والقضاء على تعبيرات (أنت موش عارف أنا ابن مين) لا فالشعب كله هو ابن مصر.
الشعب يريد الضرب بيد من حديد على رؤوس الفساد وزبانيته وتابعيه بلا هوادة. فلا قضاء عى فساد بالكلام أو الترجى فما تقوم به الأجهزة الرقابية قليل من كثير فلا يكفى بعض الرؤوس الكبيرة فأين مواطن الفساد فى المراكز والقرى وعلى سبيل المثال الإدارات الهندسية التى هى المحك لضياع الأراضى الزراعية. الشعب يريد أن يرى حكومة سياسية ووزراء سياسيين لهم رؤية سياسية تعى المرحلة وتتوافق مع المطالب الجماهيرية وتبتكر الحلول غير التقليدية، يريد الشعب وبنفس المواصفات محافظين ورؤساء مدن يلتحمون بالجماهير فى الشارع بعيداً عن قبور مكاتبهم المظلمة والتى تفصلهم عن الجماهير. الشعب يريد وزراء وأصحاب قرار يدرسون الواقع جيداً أو يدركون نتائج القرار وتباعاته ويضعون الحلول لهذه النتائج. مثل ما فعل وزير التموين وبطاقته الذهبية. نعم فهو محق فى تحجيم وتسريب تلك الكميات من الخبز تحت مسمى البطاقات الورقية ولكن أين قاعدة البيانات الصحيحة التى تؤسس لقرار صحيح وسليم؟ الشعب يريد رعاية صحية تسد الحاجة لمرضى غير القادرين والفقراء خاصة فى ظل أسعار الدواء التى يغتنى بها أصحاب الشركات على حساب الغلابة فالعلاج للمريض أهم من الغذاء للجائع. الشعب يريد إعادة التأسيس لتعليم مصرى وطنى حقيقى يتوافق مع واقعنا ويعالج تخلفنا ولا يهم النماذج الخارجية. تعليم مصرى غير متعدد الولاءات حيث إن التعليم المصرى موحد الهوية هو البوتقة التى تنصهر فيها وتتشكل الشخصية المصرية المنتمية للوطن حتى يكون هناك قبول للآخر أى آخر.
الشعب يريد أن يعلم ويتعلم أصحاب مدرسة الولاء والموالاة للسلطة وأى سلطة فى أى زمان وفى كل مكان أن أمثال هؤلاء بتلك الممارسات الثقافية وغير الموضوعية والتى توافق دائماً وعلى طول الخط. وليعلم هؤلاء أن تلك السياسة وهذا الأسلوب يفقد أصحابه المصداقية ويسقط الثقة وعن هذا يتحول دورهم الموالى إلى سهام فى ظهر النظام بل تصبح هذه الممارسات عاملاً سلبىاً للموالين والمؤيدين للنظام بشكل موضوعى لأنهم مع الإيجابيات وضد السلبيات وكما يدخل فى هذا الإطار وذاك النطاق أن هؤلاء الموالين لمصالحهم الذاتية ولتواجدهم فى الصورة حيث كان مع مبارك ومالأوا الإخوان وتحكموا فى المجلس العسكرى ويمارسون الدعوة للسيسى للطريقة المموجة هؤلاء دائماً ما يصفون من يعارض بالخيانة فهل هذا فى مصلحة السيسى والنظام ومصر؟ لا شك فتلك الممارسات تضر ولا تنفع فأى نظام سياسى أياً كانت توجهاته حتى النظم الديتكاتورية لابد لها من معارضة حتى ولو كانت شكلية فما بالك من المعارضة الوطنية والتى تتفق فى الأهداف الاستراتيجية وإن اختلفت الأمور التكتيكية وهذا بالطبع غير من يدعى المعارضة ولكنه يعمل على هدم الوطن وإسقاط الدولة. الشعب يريد الشفافية والمصارحة بأعلى درجة حيث أن تلك المصارحة هى الطريق الصحيح للمشاركة الشعبية التى بدونها لا يكون هناك تقدم فعندما نصارح الشعب بالمشكلة وبالامكانيات المتاحة للحل وبطرح البدائل المطلوبة هنا يثق الشعب ويعلم حجم المشكلة وخطورة التحديات والمتاح من الامكانات فستكون النتيجة هى المشاركة فى الحل أو أضعف الإيمان الصبر والانتظار حتى الوصول لهذا الحل. المهمة صعبة والطريق طويل وشاق والتحديات كثيرة والمواجهات خطيرة ولكن بالمصارحة والشفافية والمشاركة والعدالة وتطبيق القانون وتوفير حرية الرأى والتعبير والقضاء على التمايز والتمييز وتوفير الأمن والأمان للجميع هنا يكون الالتفاف ويتحقق الانتماء وتصبح مصر لكل المصريين ويكون السيسى قد أدى واجبه الذى يقدره شعبه ويذكره التاريخ. حمى الله مصر وشعبها العظيم فمصر بالمصريين وللمصريين.